بين الوعظ وإثارة الجدل.. قضايا "شائكة" في الدراما المصرية

time reading iconدقائق القراءة - 7
أمينة خليل وصبري فواز في مشهد من مسلسل "خللي بالك من زيزي" - المكتب الإعلامي لمنصة شاهد
أمينة خليل وصبري فواز في مشهد من مسلسل "خللي بالك من زيزي" - المكتب الإعلامي لمنصة شاهد
القاهرة -آلاء عثمان

على مدار الأعوام القليلة الماضية، ازدحم برنامج المشاهد المصري بالعديد من الأعمال الدرامية الاجتماعية الجديدة، تجرى أحداثها في سياقات أسرية مركبة لم تعهدها شاشة التلفزيون من قبل، وتتسم بجرأة في التناول تثير حفيظة الجمهور أحياناً وتعاطفه أحياناً أخرى.

باتت الدراما الجديدة أكثر انفتاحاً على مناقشة ظواهر كالتنمر والعنف الأسري والاضطرابات النفسية وقضايا المهمشين، بعيداً عن الكوميديا الهزلية أو الطرح الكلاسيكي لمواجهات الخير والشر.

ويرى النقاد أن موجة الأعمال الاجتماعية الجديدة تعكس زيادة الوعي المحلي والعالمي ببعض القضايا الإنسانية، كما أن الإنتاج الكثيف يأتي في ظل تبدل آليات إنتاج الدراما المحلية، والجنوح إلى طرح أفكار اجتماعية أكثر يُسراً واقتصادية لدى التنفيذ، لكنها تتمتع بشعبية جماهيرية في الوقت ذاته.

أعمال قصيرة

في عام 2020، بدأ عرض المسلسل الدرامي "إلا أنا" الذي تضمن عدد من "الحكايات" المتتابعة، لا يتخطى الموسم الواحد 10 حلقات، وتحظى كل "حكاية" بسياق درامي وقصة منفصلة وطاقم عمل منفصل كذلك، بيد أنها تجتمع في مناقشة قضايا اجتماعية وأسرية مصرية، كالخلافات والمشاكل الزوجية، والعنف الأسري، وحرمان النساء من الإرث والتنمر وغيرها.

في العام ذاته أيضاً أنتج الجزء الأول من مسلسل "ليه لأ؟"، ولم تتخط حلقاته 15 حلقة، فضلاً عن جرأة الطرح الذي تناول رحلة شابة تهرب في ليلة زفافها، وتقرر الاستقلال عن أسرتها أملاً في اكتشاف الذات.

ولم يكن عام 2021 لينقضي دون أن ينضم لقائمة الأعمال الدرامية الاجتماعية موسم جديد من مسلسل "إلا أنا"، استعرض عدداً من القصص، بينها لمحة عن معاناة مرضى التوحد، فضلاً عن تجسيد بعض من ملامح حياة البطلة الأولمبية المصرية هداية ملاك. "ليه لأ؟" أيضاً قدم موسماً جديداً طرح قضية احتضان الأطفال شريفي النسب.

واستمر الزخم بشأن الأعمال الاجتماعية يجذب صناع الدراما لإنتاج المزيد منها كمسلسل "زي القمر" و"ورا كل باب" في العام الماضي.

حراك اجتماعي

ترى الناقدة الفنية ماجدة خير الله، أن إقبال صناع الدراما على إنتاج أعمال تناقش قضايا اجتماعية جديدة على الشاشة المصرية، يعكس اهتمام الجمهور عالمياً ومحلياً بمشاكل التنمر، وانتشار حملات التوعية التي تناهض السخرية، وتنتصر للأفراد الذين يتعرضون للمضايقات بناء على مظهرهم أو مستواهم الاجتماعي أو أي متغيرات أخرى.

وتوضح خير الله قائلة: "الكاتب عادة ما يتأثر بمجتمعه، والمجتمع خلال السنوات الماضية بات يناهض السخرية وإيذاء الآخرين بالقول، وبالتالي ينعكس ذلك على الدراما، فتظهر أعمال تناقش معاناة البعض من أمراض كالبهاق، وتُصحح مفاهيم من حوله".

خلال أحداث أحد حكايات مسلسل “إلا أنا"، يتقاطع المشاهد مع شخصية "نور" شابة عشرينية مُصابة بمرض البهاق، إلا أنها تُخفي ملامحها الحقيقة عن المعارف والزملاء خوفاً من التميز.

في حكاية أخرى، يستعرض المسلسل قصة "خديجة" الطالبة الجامعية المُصابة بالتوحد، والتي تتعرض للمضايقات من الزملاء نتيجة لتفرد أسلوبها في التعبير.

"خلي بالك من زيزي"

ترى خير الله أن استعراض بعض القصص الاجتماعية ذات الحساسية يتميز بالفعل بقيمة مضافة. تقول: "تتميز بعض الأعمال بالتناول الواعي للقضية وتطرحها بشكل علمي وإنساني مستند إلى دراسة حالة، وذلك بالإضافة إلى حرفة تشكيل السيناريو الأساسية".

تطرح هنا الناقدة، مسلسل "خلي بالك من زيزي" نموذجاً، والذي عُرض في إبريل من عام 2021، واستعرض حياة امرأة مصرية تُدعى زيزي، تخوض رحلة العلاج النفسي والتعافي من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) لدى البالغين بعد أن انهارت حياتها الزوجية.

وتعتبر خير الله العمل الذي يشرح الأسباب الكامنة خلف سلوكيات الزوجة العدوانية، خطوة دافعة في اتجاه التغيرات المجتمعية. تقول: "عندما نتقاطع مع شخصية في الحياة العادية مع شخصية مثل زيزي نصفها بالشعواء، وقد يتجنبها بعض الناس، إلا أن الطرح الدرامي يغير الأمر ويشرح سبيل تغلب تلك المرأة على أزمتها ويطرح كذلك نموذجاً لطفلة مُصابة بالمرض ذاته".

نموذج إنتاجي جديد

ولا يعد الحراك المجتمعي السبب الوحيد الذي يدفع صناع الدراما لتبني القضايا الاجتماعية، وعرضها بكثافة، وفقاً للناقد السينمائي أندرو محسن، الذي يُرجح وجود دوافع أخرى، كمحاولة كسر دائرة إنتاج المسلسلات الدرامية الطويلة المكونة من 30 حلقة.

ويشرح محسن قائلاً: "هناك رغبة في كسر الملل عند الجمهور وتجاوز الأعمال المكونة من 30 حلقة إلى أخرى، قوام الحكاية منها 5 أو 7 حلقات على الأكثر، الأمر الذي يعد نموذجاً إنتاجياً جديداً يُعطي الفنانين وصناع الأعمال مساحة عمل فرصة للظهور، لكنه أقل تكلفة".

في بعض الأحيان تصبح الدراما الاجتماعية مقصد صناع الأعمال، وفق محسن. ويضيف: "يخلق ذلك النموذج الإنتاجي الجديد مساحات جديدة لأفكار مختلفة، إلا أن أغلبها اجتماعي الطابع لا يتطلب بناء مواقع تصوير باهظة ومُتعددة".

كما أن الدراما الاجتماعية بصورتها الجديدة جاذبة للجمهور وفقاً للناقد السينمائي وذلك لأن بعض موضوعاتها لم تُطرح سابقاً بقوة، أو لم تكن مناقشتها مكثفة على النحو الكافي، كالقصص المتعلقة بالأمراض النادرة والاضطرابات النفسية، التي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي من وجهة نظره على تراجع الوصمة الاجتماعية حولها.

يقول محسن: "اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي نجد منشورات للتوعية ببعض الأمراض أو تصحيح المفاهيم المغلوطة بشأنها، بل ويصل الأمر إلى التعاطف الجارف مع بعض الحالات وجمع التبرعات لمساعدتها". 

أزمة الوعظ 

وترى الناقدة ماجدة خير الله، أن حرفة كاتب السيناريو وذكائه أبرز العوامل التي تحول دول تحول الدراما الاجتماعية إلى عمل وعظي، إذ أن موهبة الكاتب تظهر في صياغة فكرة متماسكة.

وتقول: "الجمهور يندمج بالتدريج مع الموضوع المقدم بشكل مقبول، ويتأمل الشخصيات وتصرفاتها كي يدرك مقاصدها لاحقاً، في حين أن المواعظ المُباشرة تؤدي إلى نفور المشاهدين".

تلك النبرة الواعظة قد تكون مُحببة بالنسبة لشرائح جماهيرية محددة وفقاً لمُحسن، الذي يؤكد أن بعض تلك الأعمال يستهدف بشكل رئيسي التوعية بشأن بعض الظواهر، كالتحرش والعنف ضد الزوجات، لكنه يفضل الطرح الأنيق غير المباشر بحسب وصفه.

يقول: "هناك أعمال مسلية عديدة نحبها ونقدرها دون أن تحمل أي عظة أو رسالة، فأعتقد أن وجود رسالة مُباشرة للعمل ليس أمراً إيجابياً دائماً، ولا يعتبر قاعدة مُسلم بها، في حين أن بعض شرائح الجماهير تفضل ذلك النوع من الرسائل المُباشرة".

يستدعي محسن أعمالاً درامية أخرى أثارت الجدل بشأن قضايا اجتماعية شائكة، إلا أنها لم تكن مباشرة أو وعظية كمسلسل تحت السيطرة.

يوضح قائلاً: "تحت السيطرة على سبيل المثال تناول قضية إدمان المخدرات دون مواربة، إلا أنه تمسك في الوقت ذاته بالفنيات، وكذلك مسلسل لعبة نيوتن، الذي تطرق للاغتصاب الزوجي وأثار الجدل إلا أن القضية جاءت بشكل درامي مؤثر في الأحداث إلا أن العمل لم يتمحور حوله".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات