"الصفقة".. دراما كويتية على خطى العالمية عبر نتفليكس

time reading iconدقائق القراءة - 6
الملصق الدعائي لمسلسل "الصفقة" - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
الملصق الدعائي لمسلسل "الصفقة" - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
القاهرة-عصام زكريا*

في أول عمل كويتي من انتاج منصة نتفليكس، تثبت الدراما الكويتية، والعربية بشكل عام، أن العيب الوحيد الذي يمنعها من منافسة الأعمال العالمية هو الكتابة.

المسلسل الذي بدأ عرضه مؤخراً، مترجما إلى عشرات اللغات، يحمل اسم "الصفقة" بالعربية وThe Exchange بالإنجليزية، وبالمناسبة العنوان الانجليزي أدق، لأن الكلمة تعني أيضا "التبادل التجاري" أو "البورصة" والعمل يدور داخل أروقة البورصة.

الكتابة هي الأصل

أول شئ فيما يتعلق بفنون الكتابة أن يشعر المشاهد أيضا بأنها "طازجة"، غير مستهلكة، فكرة جديدة، عالم جديد، شخصيات غير نمطية، أحداث غير متوقعة..وهذا ما يتحقق في مسلسل "الصفقة". 

يدور المسلسل الذي يتكون من 6 حلقات فقط، والمستلهم من شخصيات حقيقية، حول أول امرأتين تعملان في البورصة الكويتية خلال ثمانينات القرن الماضي، في مجتمع مغلق يحكمه ويسود فيه الرجال، ومعاد للنساء.

لكن المسلسل لا يلتزم بالوقائع الحقيقية، بقدر ما يلتزم بأصول الدراما وضرورة صنع أحداث مثيرة وشخصيات مركبة، وصراعات رئيسية وفرعية تتصاعد وتتفاعل فيما بينها.

وتبدو كل من الفكرة والعالم الذي تدور فيه والدراما الاجتماعية والشخصية جديدة على المشاهد العربي.

المسلسل يقدم أيضا جانباً من كفاح النساء العربيات القويات وانتصاراتهن، لا يعلم عنها المشاهد الأجنبي.

من قواعد الكتابة الجيدة أيضا أن يكون العمل مشوقاً، محكم الايقاع، لا يشعر معه المشاهد بالملل، وبداية يدور "الصفقة" في 6 حلقات فقط، وبالتالي ليس هناك مجال للمط والتطويل الذي نراه في مسلسلات الثلاثين والثلاثمئة حلقة، لكن القالب الزمني لا يكفي لصنع عمل جيد، ويمكن أن يكون زمن العمل خمس دقائق فقط ويشعر المشاهد بالملل.

المهم أن يكون هناك حدث، أو معلومة، أو سؤال جديد في كل مشهد، وأن يكون هناك سياق متماسك يجمع كل هذه الأحداث والمعلومات والأسئلة والإجابات في كيان واحد. وهذا هو ما يتحقق في مسلسل "الصفقة".

صراعات مركبة

 يبدأ العمل بطلاق فريدة (التي تؤدي دورها روان مهدي) من زوجها المخادع، الذي نعرف بعد ذلك أنه حصل على مبلغ مالي كبير من والد فريدة ليوافق على طلاقها، وأنه يرفض الانفاق على ابنته، ما يضطر فريدة إلى إخراجها من مدرستها الخاصة لتلحقها بمدرسة حكومية.

ولفريدة ابنة خالة عزباء هي منيرة (تلعب دورها منى حسين) تعمل بالبورصة، طموحة عملياً، ولديها استعداد لارتكاب بعض المخالفات الأخلاقية المهنية في سبيل النجاح والترقي.

ورغم علاقة القرابة والصداقة التي تجمع الاثنتين، لكن الغيرة والمنافسة متبادلة بينهما، وعندما تنضم فريدة للعمل بالبورصة مع ابنة خالتها، تواجه الإثنتان تحامل ومضايقات وتحرشات الرجال (وعدم وجود دورة مياه خاصة بالنساء في المبنى)، بالإضافة إلى التنافس الشخصي المستمر بينهما.

وبجانب هذه الصراعات الرئيسية هناك مشكلة فريدة مع طليقها، الذي يواصل ملاحقتها ومضايقتها بطرق مختلفة أملا في أن تعود إليه، وهناك علاقة منيرة بزميلها ورئيسها في العمل حسن (يؤدي دوره فيصل العميري) وهي مزيج من الاعجاب والحب والرغبة في السيطرة والتنافس الشرس.

ومن أفضل الخطوط الجانبية في المسلسل العلاقة المعقدة بين فريدة وابنتها، وهذه الابن، على عكس معظم أطفال الدراما العربية، شخصية مركبة جريحة بسبب طلاق أبويها، ولكن لا تتورع عن لوم أمها والحقد عليها واستغلال أبيها، وكذلك العلاقة بين منيرة وأمها التي تغار من ابنتها، وتقلل من شأن أي شئ تفعله.

الصوت.. والصورة

الحوار بالتحديد عنصر لا تهتم به الدراما العربية عادة، ورغم الحوار المفرط، والعشرات من الشخصيات التي لا تكف عن الحديث في معظم المسلسلات والأفلام، إلا أن معظم هذه الحوارات  ليس لها دور سوى ملء المشهد وتعويض ما تعجز اللغة البصرية عن قوله. 

والحوار يجب أن يكشف عن بواطن الشخصيات وليس ظاهرها، وذلك من خلال التباين بين الصورة والصوت، بين لغة العيون والجسد ولغة الكلمات.

في "الصفقة" هناك غالباً حوار مقتصد ومحكم، يخلق صراعا دراميا كما لو كان مباراة بالكلمات، أكثر مما هو زينة تضعها الشخصيات على ألسنتها، وإن كان أحيانا يصبح مباشراً جداً ويضحي بالواقعية من أجل توصيل معلومة قد عرفها المشاهد بالفعل (كما يحدث مثلا في مشهد الصحفي الكبير المأجور الذي يجري حوارا مع البطلتين، ثم يسأل بصوت مرتفع وأمام الجميع عن الهدية التي تنتظره).

وبمناسبة الزينة، فإن واحداً من عيوب الدراما الخليجية الملحوظة إفراط بعض الممثلات في التزين، وهذا العيب يطال "الصفقة" أيضاً، إذ تفرط نساء المسلسل الرئيسيات والثانويات في التزين، خاصة شخصية منيرة التي تلعب دورها هدى حسين.

وحتى لو كان مبرر ذلك أن شخصيتها من النوع التي تفرط في التزين، ولا تجيد اختيار ملابسها، فلا يعني ذلك أن تبدو في بعض المشاهد مثل البلياتشو، خاصة إذا كانت في مكان عملها، وهو ما يقلل من تعاطف المشاهد المفترض معها.

انتاج واع وسخي

هذا النص المتميز شارك في كتابته آدم سوبيل وآن سوبيل ونادية أحمد، وقام بإخراجه كل من كريم الشناوي وجاسم المهنا.

وقد قام كلا المخرجين بدورهما في بث الحياة والحيوية في النص، من خلال التنفيذ التقني الجيد وتوجيه الممثلين المبدعين سواء في الأدوار الرئيسية أو الثانوية، وأيضا من خلال تجسيد الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، عبر الاهتمام بالديكورات والملابس والسيارات وتفاصيل البيوت والشوارع بشكل عام.

لكن ذلك كله لم يكن ليتحقق بدون انتاج واع وسخي، والتحية واجبة لمنصة نتفليكس والشركة الكويتية المنتجة لهذا العمل المشرف.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات