الفيلم الجزائري "من أجل وطني".. تأكيد لأولويّة المواطنة

time reading iconدقائق القراءة - 6
بوستر فيلم "من أجل وطني" للمخرج الفرنسي، جزائري الأصول رشيد حامي - labiennale.org
بوستر فيلم "من أجل وطني" للمخرج الفرنسي، جزائري الأصول رشيد حامي - labiennale.org
فلورنسا (إيطاليا) - عرفان رشيد

عائلة فرنسيّة من أصولٍ جزائرية مكوّنةٍ من أمٍّ وولديها إبراهيم، وعيسى، تُصاب بنكبة فقد الابن الأصغر عيسى، الطالب في الأكاديمية العسكريّة الفرنسيّةً المرموقة «سانسير» خلال التدريبات التي تسبق تخرجه ضابطاً في الجيش الفرنسي.

عيسى لا يُجيد السباحة، فيتنمّر عليه رفاقه الأقدم منه ما يُفضي به إلى الموت غرقاً، ولأنّه فقد حياته خلال التدريبات فيُفترضُ أنّ يُعدّ شهيداً، غير أنّ إدارة الأكاديمية تخشى بأن يُسيء ذلك الحادث إلى سمعتها فتسعى لإقناع عائلة الضابط الفقيد بالقبول بفكرة دفنه في مقبرة عادية، وليس في مقبرة الشهداء، وبألّا تُقام له مراسم دفنٍ رسميّة.

هكذا يُفتتحُ فيلم "من أجل وطني For My Country" للمخرج الفرنسي، جزائري الأصول رشيد حامي والذي عُرض ضمن مسابقة "Orizonti" (آفاق)، في الدورة التاسعة والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. 

الـ «لا» القاطعة التي تنطق بها والدة الشاب تُطلق العنان لمواجهة بين العائلة ومؤسسة عسكرية عالية المقام وذات تاريخ عريق في فرنسا، أي المواجهة ما بين من أدى واجب المواطنة من جهة، ومؤسسات الدولة الفرنسية من جهة أخرى.

ليست تلك المواجهة شكليّة أو رغبة من العائلة لتكريم فقيدها، بل لإحقاق حق؛ حقُّ المواطنة لشابٍ فقد حياته وهو يرتدي البُزّة العسكرية الفرنسية، وقد فُقد خلال التدريبات الابتدائية بسبب تنمّر زملائه الأقدم منه.

يقول المخرج رشيد حامي: "راودتني فكرةُ هذا الفيلم عامَ 2013، أي بعد سنةٍ من وفاةِ أخي، وأردت إنجاز هذا الفيلم، وعملت جاهداً لجعلِه عملاً سينمائياً، إنّه عملٌ يروي قصتي ولكنه يروي أيضاً قصةَ أخي، لذا كان عليَ وضعَه في الفيلم".

ومن خلال تلك الـ «لا» القاطعة نكتشف بأن وراء تلك السحنة الهادئة والحزينة امرأةً وأُمّاً أبيّة ابتدأت كفاحها في الوطن ضد زوج مارقٍ، متصابٍ جاهلٍ وأناني، ووجدت نفسها تذود عن ولديها وتهاجر لتتيح لهما حياة أفضل.

يقول المخرج في هذا الصدد: "المرأتان اللتان تظهران في الفيلم، الأم (وتؤدّيها لُبنى زبال) وجولي (خطيبة عيسى وتؤدّيها ڤيڤيان سونغ) قويتّان للغاية، لا تنصاعا للصور النمطية التي تُرسم عن النساء العربيات أو الآسيويات. إنهما واثقتان وعازمتان على تحقيق الأفضل، تقولان ما تشعران به، وهما متعلمتان، ذكيّتان، ومستقلتان. ومُغايرتان عن النساء الأجانب اللاتي يوضعن في قالب الصور النمطية، وهو قالب المرأة العربية الخاضعة وغير المتعلمة، أو الأسيويّة الخانعة".

وأضاف أن شخصية الأم، متعلمة ومثقفة جداً، فقد ارتادت المدرسة وعلّمت ولديها  وتبدو العائلة وكأنها صارت جزءاً من المجتمع الفرنسي، ولا تعكس الصورة النمطية للنساء العربيات، أمّا بالنسبة لـ"فيفيان" فهي قوية وتواجه "إسماعيل" مباشرة عند وصوله، وتؤسّس علاقة واضحة معه، وهي كذلك امرأة قوية. والنساء اللاتي قابلتهن في حياتي أقوياء، لذا كان علي أن أعكس صورتهم".

 مواطنون وشهداء

يُميط لنا رشيد حامي اللثام عن تاريخ عائلة صغيرة هاجرت إلى فرنسا وتمكّنت من الامتزاج بالمجتمع الفرنسي والتعايش معه، لذا فهو ليس فيلماً عن الهجرة أو المهاجرين، بل عن المواطن، في بلد بُني تاريخه ونظامه منذ الثورة الفرنسية على مبدأ المواطنة. بصرف النظر عن الأصول التي قدم منها ذلك المواطن، وما أكثر المواطنين الشمال أفريقيّين الذين دفعوا حياتهم ودماءهم ثمناً لحريّة فرنسا، بالذات خلال معارك التحرير من النازية في الحرب العالمية الثانية.

وقال "في مكان ما حيث عاشوا تراجيديا كبيرة، حين يحارب شخص ما من أجل عزاء أخيه، هذا موضوع كوني".

وهذا هو الفيلم الروائي الطويل الثاني للمخرج رشيد حامي المولود في الجزائر العاصمة في 16 أغسطس 1985، وبدأ حياته ممثلاً في أفلام مخرجين كبار مثل عبداللطيف كشّيش وآرنو ديبليشان وإلى جانب نجوم فرنسيين كلوي غارّيل وليلى بختي.

وقد استعان رشيد حامي في هذا الفيلم بمجموعة رائعة من زملائه ومواطنيه الشمال إفريقيين في مقدّمهم لبنى زبال، التي تؤدي دور الأم، وشاهين بومدين الذي يؤدي دور الضابط الشاب عيسى، ولياس سالم، وسمير قويسم وغيرهم من الممثلين العرب والفرنسيين والأجانب. إضافةً إلى النجم الرائع كريم ليكلو الذي يؤدى في الفيلم دور الشقيق الأكبر إسماعيل، المحرّك الرئيس للأحداث في الفيلم.

هذا الفيلم عُرض في الدورة التاسعة والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ضمن مسابقة آفاق "Orizzonti"، وهي المسابقة الثانية في هذا المهرجان العريق، وأعتقد بأنّه كان يستحق العرض ضمن المسابقة الرسمية والتنافس على إحدى الجوائز، لكنّنا نعلم بأن الكثير من الأفلام في اختيارات البرامج الملحقة في المهرجانات الكبرى، هي في الغالب أهمّ بكثير من الاختيارات في المسابقة الرسمية، والتي تتم وفق شروط وظروف خارجة عن أهميّة الفيلم نفسه.

فيلم « For My Country » لرشيد حامي عملٌ سينمائي هام كُتب نصّه ببراعة وأُدير بغيرة وآلام من ذاق تلك المأساة التي يرويها الفيلم، إذْ يُهدي المخرج رشيد حامي عمله إلى شقيقه الملازم جلال حامي، الذي فقد حياته في ظروف شبيهة بفقد عيسى في الفيلم.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات