"The Murdochs".. عن ملك الصحافة الصفراء الذي تلاحقه الفضائح

time reading iconدقائق القراءة - 9
الملصق الدعائي للسلسلة الوثائقية "The Murdochs: Empire of Influence" - facebook/ShahidVOD
الملصق الدعائي للسلسلة الوثائقية "The Murdochs: Empire of Influence" - facebook/ShahidVOD
القاهرة-عصام زكريا*

هل شاهدت مسلسل Succession؟ 

إذا كنت قد شاهدته، وأنصحك بأن تفعل، فهو واحد من أفضل المسلسلات، فقد تعرفت بالتأكيد على عائلة "روي"، إمبراطور الاعلام في نيويورك، وأولاده الذين يتصارعون على خلافته، وربما يكون قد خطر ببالك التشابه بين روي وإمبراطور الاعلام روبرت ميردوخ.

عندما تشاهد حلقات البرنامج الوثائقي "The Murdochs: Empire of Influence" أو "آل ميردوخ: إمبراطورية التأثير"، الذي يعرض حالياً على منصة "شاهد"، فسوف يخطر ببالك بالتأكيد مسلسل "Succession".

بين البرنامج والمسلسل

التشابهات بين العملين أكثر من أن تحصى، ولا شك في أن صناع المسلسل استلهموا أبطالهم وحكاياتهم من أخبار "ميردوخ" وعائلته، لكن المدهش هو حجم الدراما المثيرة التي تحتويها حلقات برنامج "آل ميردوخ"، فرغم أنها توثيق لا خيال فيه لحياة ميردوخ وعائلته، إلا أن الحياة هنا تبدو أكثر حيوية وخيالية من الأعمال الخيالية ذات نفسها!

روبرت ميردوخ، الذي تجاوز التسعين، ولم يزل يحتفظ برئاسته لمجموعة شركات إعلامية، صحفية وفضائية وإلكترونية لا تحصى في أمريكا وبريطانيا وأستراليا، هو شخصية درامية، وجدلية بامتياز، كما يبين البرنامج الذي أنتجته محطة "CNN" في نهاية العام الماضي، وقامت "شاهد" بشراء حقوق عرضه.

الرجل الذي سيطر على وسائل الإعلام في 3 قارات أصبح مادة دائمة في وسائل الإعلام، وعدد من المسلسلات والأفلام، ملك صحافة "التابلويد" الفضائحية، المسماة بالصفراء، الذي تلاحقه الفضائح، ورجل اليمين الذي رغب بقوة في أن يلعب دوراً سياسياً، وكان مسئولاً أساسياً عن فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، فأصبح طرفاً في أسوأ استقطاب سياسي عرفته أميركا عقب خسارة ترامب.

أرشيف ثري وإيقاع خاطف

في 7 حلقات، زمن كل حلقة 40 دقيقة، يتتبع البرنامج حياة ميردوخ منذ أن كان صبياً صغيراً في أستراليا، إلى أن أصبح أكبر مالك لوسائل الإعلام في العالم، كما يتتبع علاقته المعقدة بأبناءه، وصراعهم على خلافته، وقصص الحب والزواج التي أطاحت بسمعة الرجل الكبير في شيخوخته.

هناك مشهدان في بداية البرنامج يبينان طبيعة ميردوخ الاستثنائية، الأول يحدث في 2018، عندما يسقط الملياردير العجوز أثناء رحلة بحرية ويوشك على الموت، ويتم إنقاذه بأعجوبة وسط توقعات بأنه سيموت، أو على الأقل سيعتزل تاركاً إدارة الشركات لأبناءه، ولكن الرجل سرعان ما يعود إلى الساحة معلناً أنه لم ينته بعد، وأنه سيستمر في العمل إلى الأبد.

المشهد الثاني "فلاش باك" قديم لابنه "لاكلان" في شبابه، عندما شارك في مسابقة بحرية، وهبت عاصفة هائلة أودت بحياة بعض المتسابقين وإصابة عشرات منهم، وكاد "لاكلان" يفقد حياته. عندما علم الأب بما حدث لابنه اكتفى بقوله أن ما تعرض له سيفيده، أو بمعنى آخر "سيقوي عظامه".

تتكرر مشاهد أخرى تحمل المعنى نفسه عبر حلقات البرنامج، يتعرض فيها "ميردوخ" لمواقف صعبة كان يمكن أن تهدم أي إنسان، ولكنه خرج منها جميعا أقوى مما كان، ومشاهد يتعرض فيها أبناءه لفشل ذريع أو مواقف حاسمة، يبدو أمامها بارداً، إلى حد القسوة، يتفرج على أبناءه وهم يتصارعون فيما بينهم، أو يرتكبون أعمالاً تصل إلى مستوى الجرائم أو الأخطاء الفادحة، دون أن يحاول حمايتهم أو توجيههم. 

وبشكل عام، يتسم البرنامج بايقاعه السريع على طريقة أخبار وتقارير CNN، كما يتميز بمادته الأرشيفية الثرية، حيث يوجد مقاطع فيلمية أو صور فوتوغرافية لكل شئ تقريباً. 

صعود.. بلا حدود

تحمل الحلقة الأولى عنوان "مسائل أبوية"، وهي بمثابة مقدمة تشرح موضوع الحلقات باختصار، تبدأ بالحادث الذي تعرض له "ميردوخ" الأب في عرض البحر، وكاد يودي بحياته، والصراع على من يخلفه من أبناءه في وراثة الامبراطورية الهائلة التي تعد، بكل المقاييس، أكبر إمبراطورية إعلامية عرفها التاريخ.

كذلك تعرض الحلقة قصة صعود روبرت ميردوخ، منذ أن كان شاباً يافعاً في أستراليا، توفي والده الثري عقب عدة أزمات مالية، تاركاً له مجرد صحيفة صغيرة، قام روبرت بتحويلها إلى أكبر صحيفة أسترالية.. قبل أن يبدأ في التوسع.

وتتناول الحلقة الثانية "توسع لا يرحم"، يبني "ميردوخ" قواعد إمبراطوريته في لندن، بشراء عدد كبير من صحفها، ليصبح أكبر مالك للصحافة في تاريخ البلاد، ما يثير قلق البريطانيين بسبب تدخله الواضح في الحياة السياسية، ومناصرته لليمين الحاكم برئاسة مارجريت تاتشر. فيقرر الانتقال إلى الولايات المتحدة بدعم من حكومة رونالد ريجان اليمينية، وسرعان ما يقوم بشراء عدد من أهم الصحف في أميركا، ويؤسس صحيفة "نيويورك بوست" كما يقوم بشراء ستوديوهات "فوكس القرن العشرين" ويؤسس محطة "فوكس" التليفزيونية، التي تلعب دوراً هائلاً وخطيراً في الحياة السياسية بدعمها لكل من، وما، هو يميني.

العائلة أم البيزنس؟

مع الحلقة الثالثة التي تحمل عنوان " وريث ظاهر"، تبدأ القصص العائلية في التشابك مع البيزنس. يطلق ميردوخ زوجته الأولى، أم ابنته برودنس، ليتزوج الصحفية الجميلة آنا مان، أم ابنته إليزابيث وولديه لاكلان وستيف، ويربي أولاده على المنافسة والرغبة في إثبات الذات، تاركاً لكل منهم باباً موارباً لكي يكون خليفته.

تحمل الحلقة الرابعة عنوان "روابط عائلية" وربما الأفضل لو سميت "الصعود إلى القمة"، حيث تصبح "فوكس نيوز" أكبر محطة في أميركا مع تغطيتها المميزة لحرب الخليج الثانية، تحت قيادة روجر إيلس، الأشبه بالطاغية، والذي يعامل لاكلان ميردوخ بازدراء، ما يصنع فجوة هائلة بينهما، وعندما ينحاز الأب "ميردوخ" إلى إيلس على حساب ابنه، يغضب لاكلان ويستقيل، ويعود إلى أستراليا ليعمل بعيداً عن والده.. ما يعطي الفرصة لأخيه الأصغر جيمس في الصعود لوراثة الإمبراطورية.

تدب الخلافات بين ميردوخ وزوجته آن بسبب رفضه الاعتزال وتسليم البيزنس لأولاده، في الوقت الذي يدخل فيه العجوز في علاقة مع إحدى موظفاته، ويندي دينج، التي ستصبح زوجته بعد أيام من طلاقه من آن في 1999، التي تموت لاحقاً في نهاية العام.

بداية الانهيار!

بعد الوصول إلى القمة والتربع عليها لسنوات، تبدأ عوامل الانهيار مع الحلقة الخامسة التي تحمل عنوان "أعمال قرصنة"، كما لو أن اللعنة بدأت تحل بآل ميردوخ، ليذوقوا كل أنواع السموم التي طبخوها.

تبدأ الفضائح في بريطانيا باكتشاف أن صحف "ميردوخ" تتجسس على حياة المشاهير، وغير المشاهير أحيانا، وتمارس القرصنة على هواتفهم الجوالة ورسائلهم الإلكترونية، وتتسبب الفضيحة في انهيار أحلام جيمس ميردوخ بالاستحواذ على نصيب الأسد من الاعلام التليفزيوني.

وتأتي الفضيحة الثانية من بريطانيا أيضاً، حيث يتعرض الأب ميردوخ، الذي صنع إمبراطوريته اعتماداً على صحافة الفضائح، لخيانة زوجته الجديدة مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير شخصياً، والنتيجة أنه يقوم بتطليقها.

تتصاعد الخلافات العائلية في الحلقة السادسة، "كوكب فوكس"، تنسحب ابنته إليزابيث من العمل مع أبيها، مفضلة النأي بنفسها عن الصراعات، وتنفجر فضيحة قيام روجر إيلس بالتحرش بمذيعات وموظفات "فوكس نيوز"، التي تهز أركان الإعلام الأميركي، ويتحالف كل من لاكلان وجيمس للإطاحة به رغم مقاومة الأب.

الملك ميردوخ!

أبرز ما تعرضه الحلقة السابعة "بيت منقسم" هو مقدار الخطورة الهائلة التي تنتج عن زواج السلطة بالإعلام، خاصة إذا كان هذا الإعلام يفتقد لشروط المهنية والموضوعية، يصل دونالد ترامب إلى الحكم بمساعدة "ميردوخ" و"فوكس نيوز"، وتصل المحطة إلى ذروة الانحياز السياسي، ويعترض الابن جيمس دون جدوى، فينسحب من إمبراطورية أبيه، مفضلاً التفرغ للأعمال الخيرية والتنموية، فيما يتزوج الأب مرة أخرى رافضاً الانسحاب رغم تجاوزه التسعين، ويبدو "ميردوخ" مع نهاية البرنامج أشبه بـ"الملك لير"، الذي ضيع بحماقته المملكة! 

يؤكد البرنامج في نهاية كل حلقة أن "ميردوخ" وأبناءه رفضوا المشاركة بالظهور أو التحدث للبرنامج، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى ما يعرضه البرنامج من أسرار وفضائح، ومن أبرز مشاهد الحلقات الأخيرة فرار ميردوخ وأسرته أمام ملاحقات الإعلاميين والباباراتزي، مثلما كان يفعل ضحاياهم على مدار عدة عقود.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات