
لعبت منصة "يوتيوب"دورا كبيرا في ظهور السينما السعودية، أو بالأدق عودتها بعد غياب عقود، فقد كان ملجأ لكثير من الشباب الذين لا يجدون منافذ عرض ولا جمهور لأعمالهم ومشاريعهم الصغيرة.
ومن هؤلاء كان صناع حلقات "الأنيميشن" المعروفة باسم "مسامير"، والتي حققت نجاحا كبيرا دفع منصة "نتفليكس" إلى التعاون مع صناعه، وتحويل الفكرة والشخصيات إلى فيلم قامت بشراء حقوق عرضه وبثته في العام الماضي.
في الخلاط!
من هؤلاء أيضا صناع سلسلة حلقات "الخلاط"، وهي مجموعة من الأفلام القصيرة التي قام عدد كبير من شباب السينمائيين السعوديين، من كتاب ومخرجين وممثلين بتقديم أنفسهم من خلالها، وعرضت على "يوتيوب" محققة عدداً هائلاً من المشاهدات وصلت في مجملها إلى ما يقرب من 1.5 مليار مشاهدة.
هذه الحلقات، أو الأفلام، أنتجتها قناة "تلفاز 11"، وهي أيضا قناة كانت فكرتها بث الأعمال على "يوتيوب"، ويمتد نشاطها بين الإمارات والسعودية، ومؤخراً دخلت في شراكة مع منصة "نتفليكس" لإنتاج محتوى عربي خليجي.
ومن بشائر هذه الشراكة فيلم "الخلاط +" الذي بدأ بثه على منصة نتفليكس منذ أيام، محققاً نجاحاً وردود فعل كثيرة، وأصبح من أكثر الأعمال مشاهدة في السعودية والمنطقة العربية.
"الخلاط +" من إنتاج علي الكلثمي، وإخراج فهد العماري، وتأليفه بجانب عدد من المؤلفين، وبمشاركة عدد كبير من الممثلين، وهو، مثل حلقات "يوتيوب"، يتكون من عدة أفلام قصيرة "مضروبة في الخلاط". وبالمناسبة هذا هو سبب تسمية السلسلة بالخلاط.
عاقبة الاحتيال
يتكون "الخلاط +" من 4 أفلام قصيرة يربط بينها "ثيمة" مشتركة هي الاحتيال، تشير عناوين الفيلم إلى قول عربي مأثور يقول "من له حيلة فليحتال"، وفي كل فيلم هناك شخص أو أكثر يحاولون الاحتيال لاخفاء جرم أو خطأ ما.
لكن على عكس المثل الذي يبدو وكأنه يشجع على الاحتيال، فإن عواقب الاحتيال في الأفلام الأربعة وخيمة.
مثل حلقات "يوتيوب"، ينتمي فيلم "الخلاط +" لنوعية الكوميديا، وبالتحديد كوميديا الموقف، والمواقف الكوميدية تنبع عادة من طبيعة البيئة والثقافة والعادات والتقاليد العربية والسعودية، وهي إحدى ميزات أفلام "الخلاط +" وسبب نجاحها الجماهيري، إذ يجد المشاهد فيها حياته اليومية منعكسة بشكل ما، كاريكاتيري ومبالغ فيه، ولكنها واقعية.
تدور القصة الأولى في أجواء محلية للغاية، من خلال أسرة تقليدية تقيم عرساً لإحدى بناتها، وبينما يستعد الجميع للذهاب للعرس، يبحث الابن الشاب عن مكان يدخن فيه سيجارة بعيداً عن أبيه. وعندما يذهب إلى السيارة للبحث عن قداحة يفاجأ بثلاثة لصوص يقومون بسرقة إطارات السيارات، فيطاردهم، وينجح في الامساك بأحدهم. ولأن الشرطة سوف تتأخر تقوم العائلة باصطحاب اللص معها إلى العرس في انتظار أن تلحق بهم الشرطة إلى هناك.
تزداد غرابة وطرافة المشهد عندما يتضح أن اللصين الآخرين موجودين في العرس، حيث يعملان في خدمة المدعوين، وتتفجر المواقف الضاحكة مع تردد اللصين بين تخليص زميلهما من أسره، والهروب بجلديهما من المكان.
لا تقل القصة الثانية طرافة، وإن كانت تقليدية: زوج يموت فجأة في حادث سيارة، ويحاول صديقه الذي كان بصحبته أن يخفي عن زوجة الراحل أنه على علاقة بامراة أخرى، لا تكف عن الاتصال بهاتف المتوفي. وعندما تشك الزوجة فيما يحدث تبدأ مطاردة قط وفأر داخل المستشفى وثلاجة الموتى بين الأرملة والصديق، لفتح الهاتف ومعرفة محتوياته، وباستثناء النهاية فإن الكوميديا هنا شديدة الطبيعية والواقعية.
مزيد من الفوضى
القصة الثالثة معقدة قليلا والكوميديا فيها أكثر صخباً وافتعالاً، فتاة تعمل في مطبخ أحد المطاعم الفاخرة تحاول التوفيق بين والديها اللذين على وشك الطلاق، فتقوم بتدبير دعوة لهما للعشاء في المطعم لعل وعسى يصلح اللقاء الرومانسي بينهما.
ونظراً للازدحام داخل المطعم يقوم أحد زملائها بتدبير طاولة كانت محجوزة لشخصيات مهمة، ولكن عندما يعود مدير المطعم من إجازته فجأة ويسأل عن الشخصيات المهمة، تحدث فوضى في المكان وبين الشخصيات، وعلى عكس القصة الثانية فإن النهاية هي أطرف ما في القصة.
القصة الرابعة والأخيرة ملتفة الخطوط وأكثر تعقيداً بالنسبة لفيلم قصير، زوجان حصلا على هدية مجانية للإقامة في فندق فاخر، يصطحبان ابنهما المراهق وابنتهما الصغيرة للإقامة معهما خلسة داخل الغرفة المخصصة لشخصين فقط.
يتسلل الابن بحثا عن طعام فيصل إلى الملهى الليلي داخل الفندق، حيث يتعرف على لاعب كرة شهير أتى ليشرب ويرقص ويلهو لنسيان هزيمة فريقه، يصحو الأب وينزل للبحث عن ابنه ويجد نفسه في الملهى الصاخب، ويطارد الابن وصولا إلى دورات المياه، وعندما تنتهي المطاردة أخيرا، يصبح على الاثنين مهمة إخفاء دخولهما إلى الملهى عن الأم التي تبحث عنهما.
عناصر مميزة
يشارك في بطولة الأفلام عدد من الممثلين الكوميديين المعروفين منهم عبد العزيز الشهري، الذي يلعب دور الأب في الفيلم الأخير، وفهد البتيري وصهيب قدس اللذين يلعبان دوري لصين في الفيلم الأول، وإبراهيم الحجاج الذي يلعب دور صديق الزوج في الفيلم الثاني، وإبراهيم الخير الله الذي يلعب دور الزوج في القصة الثالثة، وبشكل عام يتميز العمل بتمثيل جيد، وتنوع في اسلوب الأداء بين القصص الأربعة.
لكن الملفت ربما أكثر من الكوميديا والتمثيل هو الاخراج والتصوير، وهناك نقلة نوعية في المستوى بين حلقات "خلاط" الأولى على "يوتيوب" وفيلم "الخلاط +" الذي يبين فيه فريق العمل مدى الخبرة والاحترافية التي اكتسبوها عبر السنوات.
ومن الأمثلة على هذه الحرفية يمكن أن نذكر المشهد الأول من القصة الأولى، حيث تنتقل الكاميرا في لقطة واحدة تستمر لدقائق من نافذة خارج المنزل إلى داخله مرورا بغرفه المختلفة، لتخرج من الباب إلى الشارع، مع حركة وحوارات الشخصيات المختلفة.
المشهد الثاني من القصة الأخيرة والذي يصور المطاردة بين الأب والابن داخل ملهى شديد الازدحام يتكون من طابقين، حيث تتحرك الكاميرا بسلاسة وسط عشرات الراقصين والواقفين والجالسين، دون أن تفقد توازنها أو إحساس التتابع في الحركة.
"الخلاط +" شهادة نجاح لشباب عملوا لسنوات من أجل إثبات أنفسهم وتثبيت أقدامهم، ويستحقون الوصول إلى أكبر منصات العرض العالمية.
* ناقد فني
اقرأ أيضاً: