
غيب الموت، الجمعة، المخرج المصري رائد لبيب، الذي يعتبر أبرز رواد برامج المقالب أو الكاميرا الخفية في العالم العربي، داخل أحد مستشفيات العاصمة القاهرة، بعد صراع طويل مع مرض السرطان الذي أصيب به بعد ابتعاده عن الساحة الفنية.
ويعد لبيب، واحداً من المخرجين الذين نجحوا في انتزاع ضحكات الجمهور على مدار سنوات طويلة، من خلال أعماله التلفزيونية والسينمائية، إذ يعتبر من رواد الأعمال الكوميدية المختلفة، ومنها "حكايات ميزو" عندما كان مساعد مخرج، مروراً بـ"هند والدكتور نعمان"، ونهاية بـ"عائلة حاحا" الذي انتهى من تصويره قبل 4 أعوام، لكنه لم يُعرض بعد.
مسيرة لبيب الفنية لم تكن طويلة جداً، إذ إن أعماله لم تتجاوز الـ55 عملاً بين أفلام ومسلسلات وسهرات تلفزيونية، سواء كمخرج أو مساعد مخرج، لكن بعضها ترك أثراً كبيراً لدى الجمهور، لعلّ أبرزها: "دموع الشموع"، و"عائلة مجنونة جداً" و"صرخة أنثى".
الكاميرا الخفية
كان للراحل، نصيب من اسمه، إذ كان رائداً في صناعة برامج المقالب لسنواتٍ طويلة، وقدّم مئات الحلقات المميزة، بعد أن شكل ثنائياً فنياً لسنوات مع الفنان الراحل إبراهيم نصر، الذي رحل هو الآخر في مايو الماضي.
وصارت "الكاميرا الخفية" لسنوات طويلة، الضيف الدائم على المائدة المصرية، وقت الإفطار في رمضان، وارتبط بها الجمهور، وصارت "ماركة مسجلة" في تاريخ نصر ولبيب.
ولم تتوقف مسيرة لبيب، في صناعة برامج المقالب عند البرنامج المكور، إذ صنع جماهيرية كبيرة مع الفنان حسين الإمام، من خلال برنامج "حسين على الهوا"، والذي كان يعتمد أيضاً على تنفيذ العديد من المقالب في ضيوفه من الوسط الفني.
رحلة المرض
وحظي المخرج الراحل بحملة دعم واسعة منذ منتصف فبراير الماضي، حين أعلن إصابته بالسرطان، عبر صفحته على "فيسبوك"، بعد أيام من شكواه من ابتعاده عن الساحة الفنية قرابة 6 أعوام، من دون تقديم أي عمل فني.
ونعت الكاتبة داليا المسلماني زوجها الراحل بكلمات مقتضبة عبر حسابها على فيسبوك، قائلة: "ضهري اتكسر.. ربنا يرحمك يا رائد، ويصبرني على فراقك يا ملاك".
وكشفت داليا، لـ"الشرق"، تفاصيل رحلة زوجها مع المرض، التي لم تتخطَ 5 أعوام تقريباً، قائلة: "أصيب بالسرطان قبل سنوات، لسوء حالته النفسية وعدم تعاقده على أعمال فنية جديدة، وظل ضيفاً دائماً على المستشفيات منذ ذلك الحين".
وأضافت: "الحالة الصحية لزوجي ظلت تشهد تحسناً مع الوقت، بعد تعاقده مع أحد المنتجين على تقديم عملٍ فني جديد، وبالفعل بدأ التحضيرات وكان سعيداً للغاية، وشهد وضعه تطوراً كبيراً، وتوقف عن العلاج من السرطان، لكن فجأة توقف المشروع الفني من دون أسباب، ولأجل غير مسمى، فحدثت له انتكاسة صحية شديدة".
وتابعت داليا: "مات زوجي بسبب القهر والزعل من قلة الشغل، وعلاجه الوحيد كان نزوله للعمل والوجود في اللوكيشن"، مشيرة إلى تدهور حالته الصحية فجأة قبل أسبوعين تقريباً ونُقل للمستشفى، فيما دخل العناية المركزة، الأربعاء الماضي، إلى أن لفظ أنفاسه، صباح الجمعة.
شريك الذكريات
ونعى عدد كبير من أصدقاء المخرج الراحل، أبرزهم المؤلف شامخ الشندويلي، الذي سبق أن تعاونا معاً في عدد من الأعمال الناجحة، في مقدمتها برنامج "الكاميرا الخفية" الذي كان يقدمه الفنان الراحل إبراهيم نصر، إذ قال شامخ: "صديقي وشريك الذكريات.. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته".
واستعادت الممثلة سلوى خطاب، كواليس تعاونها مع لبيب في أولى تجاربه الإخراجية مسلسل "هند والدكتور نعمان"، قائلة لـ"الشرق": "كان رائد إنساناً هادئ الطباع ويحب الممثل ويحرص على دعمه دائماً"، مؤكدة أنه كان يسعى لتقديم أعمال راقية تليق بجمهوره.
واعتبر الفنان حسن يوسف، أنّ لبيب تعرض لظلم كبير خلال مشواره الفني، وتخلى عنه كثيرون، على الرغم من أنه لم يترك أحداً في محنة. وقال لـ"الشرق"، إنّهما تعاونا معاً في مسلسل "مسألة كرامة".
وأرجعت الممثلة دنيا عبد العزيز، اختفاء لبيب، عن الساحة الفنية لسنوات، إلى مرضه، موضحة أنه "مخرج متمكن من أدواته، ويحب عمله كثيراً، والتعب جعله يغيب عن الوقوف وراء الكاميرا، وهذا كان كل ما يعشقه في الكون"، لافتة إلى تعاونها معه في مسلسل "مسألة كرامة" عام 2011.
وأعرب المخرج محمد النقلي، عن حزنه الشديد لوفاة لبيب، الذي وصفه بأنه واحد من الذين صنعوا دراما حقيقية في تاريخ التلفزيون المصري، وأشار إلى أن "الراحل اتسم إخراجه بالبساطة تعلق بها الجمهور العربي كافة".
وأشار النقلي إلى النجاح الذي حققه مع الراحل إبراهيم نصر، في "الكاميرا الخفية"، قائلاً إنهما "شكلا ثنائياً فنياً خاصاً جداً، ولم تُقدم هذه النوعية بعدهما بشكل جيد". ورأى أن ابتعاد لبيب عن الساحة الفنية لسنوات تسبب في سوء حالته النفسية حتى أيامه الأخيرة.
وقال الناقد الفني طارق الشناوي، إنّ المخرج الراحل كان رائداً في برامج المقالب، وأكد لـ"الشرق"، أنّ "تاريخه الفني لا يقتصر على هذه النوعية من البرامج فقط، لأنه قدّم مجموعة بارزة من الأعمال الدرامية في نهاية التسعينات، مشيراً إلى أنّه كان من المتميزين بين أبناء جيله، وكان محارباً وراء الكاميرا، ومحارباً للسرطان الذي تسبب في اختفائه عن الساحة الفنية.