اعتبر المخرج يسري نصر الله، أن السينما المصرية تواجه "أزمات ضخمة"، يأتي في مقدمتها، بحسب تعبيره، "إشكالية محدودية السوق" إذ يقتصر على موسمي عيدي الفطر والأضحى، منوهاً إلى أن هناك أسواقاً مثل السعودية التي قال إنها "فتحت سوقاً جديداً للسينما".
نصر الله الذي أعلن، خلال مشاركته في ندوة "ماستر كلاس الإخراج" ضمن فعاليات مهرجان عمان السينمائي الدولي المستمرة حتى 22 أغسطس الجاري، موافقته على رئاسة المهرجان القومي للسينما المصرية، اعتباراً من الدورة المقبلة، قال أيضاً إنه يرى أن السعودية "ستقدم تجارب سينمائية مهمة جداً في المستقبل القريب".
وأضاف نصرالله أن القائمين على صناعة السينما في مصر، "سيدركون لاحقاً أن أفلامهم مرتبطة بسوق محدود وصغير جداً، لن يكون عليه طلباً من الخارج قريباً، وذلك يأتي بعدما تم التخلي عن الأغنية والرقصة في الفيلم، كما كان يحدث قديماً في أفلام الأبيض والأسود، كانت وقتها سينما تجارية مبهجة جداً، وعليها إقبال من كل أنحاء العالم، مثل روسيا، والصين، واليابان، وفرنسا، وأميركا اللاتينية".
منطقة "التجارب المضمونة"
واستنكر المخرج يسري نصر الله، اقتباس أفكار أفلام الأكشن من السينما الأميركية، قائلاً إن: "مصر بها فنون قتالية وأكشن ليست موجودة في أي دولة أخرى، لماذا لم يتم تقديمها في تجارب سينمائية؟، والأمر ذاته مع قصص وحكايات الرعب"، زاعماً أن "المنتجين يتخوفون من الانتقال إلى تلك المناطق الجديدة، مقابل الخروج من منطقة الراحة والتنازل عن الأفكار والتجارب المضمونة".
وشدد نصر الله، على أن "انحدار السينما المصرية ليس له علاقة بمنصات البث الرقمي كما يزعم البعض، لكن بسبب عدم القدرة على فتح أسواق جديدة، والطموح القليل لدى القائمين على الصناعة"، متابعاً "لدي قناعة شديدة، أن السينما المصرية دخلت مرحلة الضياع، بعدما تخلت عن الرقصة والأغنية في أفلامها، وهذا لم يكن وليد الصدفة، بل هناك جهات وشخصيات جعلتنا نخجل في وجود هذين العنصرين في الأفلام".
ورغم الانتقادات التي وجهها المخرج المصري لصناعة السينما في بلاده، إلا أنه أشاد بعدد محدود من التجارب السينمائية التي وصفها بـ"الجيدة والشيقة" في السنوات الست الأخيرة، مثل فيلم "ريش"، الذي حصل على جائزة في مهرجان كان السينمائي، وغيرها من الأفلام.
شاهين والسبكي
ورداً على سؤال بشأن المقارنة بين تجربته مع يوسف شاهين، وأحمد السبكي كمنتجين لأفلامه، تحدث نصر الله، قائلاً إن "العامل المشترك بينهما، أنهما يدركان المعني الحقيقي للسينما، والشغف الخاص بهما يدور داخل هذا الإطار"، موضحاً أنه يرغب في التعاون مع مثل هذه الشخصيات بعيداً عن المنتجين الذين يتعاملون باعتبارهم "ماكينة لضخ الأموال فقط".
وأضاف: "لا أجيد التعامل مع هؤلاء، حتى وإن وفروا أي ميزانية أطلبها لصالح العمل، طالما أنهم لم يدركوا المعنى الحقيقي للسينما"، متابعاً أنه "لم ولن يضطر لتقديم فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، دون الاقتناع به".
وعن دور منصات البث الرقمي في السنوات الأخيرة، ودخولها عالم الإنتاج، قال يسري نصر الله، إن ما يخشاه هو "تحكم المنتج في العمل المُقدم للجمهور، لذا صارت السينما تشبه بعضها، وتفتقر عنصر الإبهار والحكاية والشغب"، وتابع "المنتج يرغب في تقديم فيلم هادئ لكي ينال إعجاب كل الناس، وهذا ليس صحيحاً، هذا يقتل السينما ببطء، وأعتقد أن المخرج يواجه تحدياً كبيراً وهو آلية صناعة فيلمه بالطريقة التي تعجبه، وهذا ما يجب علينا أن نتمسك به".
مساحة للعب مع الجمهور
ورأى نصر الله، أن مسلسل "منورة بأهلها" الذي تعاون فيه مع المؤلف محمد أمين راضي، وعُرض عبر منصة "شاهد" مؤخراً، من أهم التجارب الفنية التي قدّمها على مدار مشواره الفني، إذ روى آلية العمل الخاصة بها، إذ قال: "الطريقه التي أعمل بها في المسلسل مع الممثلين أو الكاميرا مختلفه عن الطريقه التي أعمل بها في السينما، إذ أن المسؤولية تجاه المتلقي في المسلسل أعقد بكثير من السينما، وتحدي كبير بالنسبة لي، لكن دمها أخف وممتعة، لأن بها مساحة ضخمة للعب مع الجمهور".
وأشار إلى فيلم "الماء والخضرة والوجه الحسن"، الذي قدمه في عام 2016، قائلاً إن: "هذا الفيلم هو السياسي الوحيد في مشواري الفني، إذ قررت صناعة فيلم تدور فكرته حول العيش والحرية والكرامة الإنسانية".
وشدد على ضرورة استعانة المخرج بالممثل، بشكل يرتبط بمدى مناسبته للدور، وليس لحجم نجوميته، "هذه العلاقة يجب أن تكون السائدة في العمل، والتي ستخلق بدورها حالة من الأمان والطمأنينة بين العنصرين، وليس مجرد أن أستعين بنجمة شباك، لمجرد أنها ستجذب الجمهور لمشاهدة الفيلم في السينما، وبالتالي ستُزيد إيرادات الفيلم".
وأوضح أنه استعان بوجوه جديدة آنذاك، في فيلم "سرقات صيفية" عام 1988، لم يسبق لهن التمثيل والظهور على الشاشة، وتعاملن كما يتعامل كبار النجوم، مثل عبلة كامل، ومنى زكريا، ومنحة البطراوي، وأسماء البكري، قائلاً: "استعنت بهن لأدائهن، وظهرن بأداء جيد للمشاهد".
كما تحدث عن فيلم "المدينة" بطولة باسم سمرة، وعُرض مطلع الألفية الجديدة، حيث روى حجم التعديلات التي طرأت على السيناريو، بالتعاون مع السيناريست ناصر عبد الرحمن، بهدف إضافة عنصر التشويق على كل مشهد، وألا يظهر البطل بشكلٍ غبي أو ساذج، قائلاً: "عندما أعمل على شخصية معينة، فأحرص أن أظهرها بشكلٍ جيد، أقدرها وأحترمها، سواء كان طيب أو شرير، فالتيمة التي كانت قائمة في أفلام السبعينيات بأن البطل يظهر كشخص غلبان أو ساذج، لا أفضلها تماماً، ولا أستعين به في أعمالي، لمجرد ملء الكادر".
اقرأ أيضاً: