مسلسل "غسيل".. معالجة مشوقة لقضية شائكة 

time reading iconدقائق القراءة - 6
مشهد من المسلسل الكويتي "غسيل" - facebook/ShahidVOD
مشهد من المسلسل الكويتي "غسيل" - facebook/ShahidVOD
القاهرة-عصام زكريا*

يطرح مسلسل "غسيل"، الذي بدأ عرضه على منصة "شاهد" بداية أغسطس، قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية في غاية الأهمية، وهي غسيل الأموال، بما تحمله من أضرار ودمار للدول ولبسطاء الناس، فيما تحمل الخير الوافر دون حساب، للقلة المنتفعة من ورائه، سواء أصحاب الأموال غير الشرعية الأصليين، الذين حصلوا عليها غالباً من تجارة سلاح أو مخدرات أو بشر، وحتى المنتفعين الصغار الذين يغسلون هذه الأموال مقابل عمولات كبيرة.

"فاوست" في الكويت

لا يتعرض "غسيل" من قريب أو بعيد لهذه الخلفيات المعروفة سلفاً، ولكنه يرسم صورة درامية نابضة بالحياة لتأثير هذا الـ"غسيل" على بعض الأفراد البسطاء، الذين صعدوا إلى قمة الثراء الفاحش، والشهرة الأكثر فحشاً، فجأة، لكنهم باتوا مهددين بالسقوط من أعلى هذه القمة في أي لحظة.

الشخصيتان الرئيستان في المسلسل هما حنين (شجون الهاجري)، وحسن (عبد الله بو شهري)، زوجان شابان متحابان، تزوجا رغم اعتراضات الأهل من الجانبين، وكانا يعتقدان أن الحب يكفي لكي يعيشا سعيدين إلى الأبد.

لكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تزداد سوءاً كل يوم، وتصل إلى ذروتها باحتراق شقتهما، وإفلاسهما، تدفعانهما لقبول عرض "فاوستي" (نسبة إلى فاوست، الذي باع روحه للشيطان).

ذات ليلة مريبة (يتضح لاحقا أنها مدبرة)، يلتقي الإثنان بصديق قديم لحسن (عبد الله عبد الرضا)، وزوجته مريم (زينب أحمد)، اللذين يبدو عليهما الثراء بشكل لافت، والناتج، على حد زعمهما، عن بعض الأعمال الصغيرة التي يديرانها.  

وتحت وطأة الظروف السيئة من ناحية، وملاحقات الصديقين الأفعوانية، يقبل كل من حسن وحنين بعد تردد أن يعملا في غسيل الأموال، أملا في تجاوز أزماتهما وتحقيق أحلامهما، وبالتحديد حلم حنين بأن تصبح مصممة أزياء مشهورة.

ويتضح أن كل من حنين وحسن وعبد الله ومريم "عرائس" تحركها يد واحدة، هي سيدة الأعمال حصة (عبير أحمد) التي تلعب دور الشيطان "مفيستوليس" في هذه النسخة الكويتية المعاصرة من "فاوست".

حيلة لكسر التعاطف

يبرع الكاتب فهد العليوة والمخرج أحمد عبد الواحد في اقناعنا بإمكانية وقوع أكثر الناس براءة ونزاهة في غواية الثراء والسعادة، وبفضل اختيار الممثلين الموفق، خاصة الهاجري وبوشهري اللذين، بجانب موهبتيهما وحضورهما التمثيلي اللافت، تجمعهما كيمياء جذابة، تدفع المشاهد للتعاطف معهما والتمني بأن ينجح حبهما في التغلب على العقبات، وحتى عندما يسقطان في الجانب المظلم، يظل المشاهد متعاطفاً وراغباً في رؤيتهما ناجحين، رغم إدراكه أنهما تحولا إلى مجرمين.

هذه المشكلة نجدها في معظم الأعمال التي تدور حول أبطال "ساقطين" يؤدي أدوارهم نجوم محبوبين.

ولكن صنّاع "غسيل" لجأوا إلى حيلة درامية ذكية لتقليل هذا التعاطف، وتذكير المشاهد طوال الوقت بخطورة ما يحدث، ورغم أن هذه الحيلة تم استخدامها في الكثير من المسلسلات في الآونة الأخيرة، إلا أنها موفقة ومتوافقة تماماً هنا.

تتمثل هذه الحيلة في بدء كل حلقة بـ"مشهد مستقبلي"   Flash Forward لما يحدث للأبطال من تداعيات اختيارهما وعواقبه، وهو ما يبقي المشاهد دوماً في حالة شك في سعادتهما ونجاحهما الغامر، الذي يستمر عدة حلقات، قبل أن يبدأ عالمهما في الانهيار.

من ناحية ثانية ينتقل المسلسل، مع انتقال بطليه إلى عالم الأثرياء، إلى موضوع آخر هو مواقع التواصل الاجتماعي، والدور الذي تلعبه في صنع أسماء بعينها والترويج لها، واستخدام هذه الشهرة كغطاء لأعمال مشبوهة مثل غسيل الأموال.

ورغم أن عالم الـ"سوشيال ميديا" أصبح محوراً للكثير من الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة، إلا أن فكرة الربط بين هذا العالم وغسيل الأموال وغيره من الجرائم المنظمة فكرة جد جديدة، كنت أتمنى لو أن المسلسل أعطاها مزيد من التركيز، ليكشف للمشاهدين قدر الزيف والخداع الذي يعيشون فيه أثناء جريهم وراء نجوم الـ"سوشيال ميديا".

تفاصيل غير مشبعة 

حنين التي نشاهد تصميماتها تفشل ولا تلقى اهتماماً يُذكر خلال الحلقات الأولى، تصبح بفضل ألاعيب الـ"سوشيال ميديا" أهم مصممة أزياء في الشرق الأوسط، وحسن الذي لم يدخل المطبخ في حياته يصبح أهم "شيف" على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن يأتون له بطباخين من الباطن!.

ومع أن كل حلقة تبدأ بالتنويه المعتاد أن أي تشابه بين المسلسل والواقع ليس مقصوداً، إلا أنه من الواضح أن صنّاع العمل اعتمدوا على بعض الشخصيات والوقائع المعروفة والشائعات المتداولة.

في 8 حلقات فقط (مدة الحلقة 45 دقيقة)، يحاول "غسيل" أن يقول أشياء كثيرة، ولكن ربما الوقت لم يخدمه، أو ربما تركيزه الزائد على قصة حسن وحنين.

ففي النهاية يخرج المرء غير مشبعاً تجاه بعض الشخصيات والأحداث التي كانت تستحق مزيداً من الاهتمام. من ذلك مثلاً شخصية حصة التي لا نعرف كيف أصبحت على هذه الدرجة من الشر ولماذا، ومن وراءها، وما قصة ارتباطها بشقيق حنين الضابط ثم هجرانها له فجأة، كذلك كواليس وتفاصيل عالم الـ"سوشيال ميديا" والتلاعب به من قبل من يملكون الأموال، لكي يجنوا مزيداً من الأموال، أو ليغسلوا بعضا من هذه الأموال، كانت تحتاج أيضاً إلى اشباع.

وتتجمع هذه المشاكل لتظهر في الحلقة الأخيرة التي تعاني من بعض الاضطراب الناتج إما عن الاضطرار إلى "تقفيل" العمل بسرعة، أو وجود تدخلات وآراء مختلفة أدت إلى وجود أكثر من نهاية، فمرة يموت أحد الأبطال، ويتبين أنه حي، ومرة تموت إحدى البطلات، ويبدو أن لا أحد يهتم، ومرة نرى الأبطال ينجون بفعلتهم، ومرة نسمع أنهم في الطريق لأن يلقوا جزائهم!

بشكل عام يتسم "غسيل" بسرعة الايقاع والتشويق وبالتمثيل الجيد من معظم الممثلين، ووسطهم تتألق شجون الهاجري بوجه وأداء طبيعي يؤكد اختلافها وموهبتها، وهي بالفعل أكثر شخصيات وعناصر العمل لمعاناً.

وإذا كان هذا أول عمل كويتي من انتاج منصة "شاهد"، فغالباً لن يكون الأخير، بعد أن أثبت فريق العمل أن في الكويت مواهب تستحق أن تعمل وقصص تستحق أن تروى.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات