يخفي فيلم "وش في وش" تحت قالبه المعروف ومظهره الكوميدي شيئاً صادقاً وجديداً، ربما لا يبدو واضحاً للعين العابرة، التي تشاهد الفيلم في سياق عدد من المسلسلات الرمضانية الحديثة، التي تتناول موضوعات مشابهة وشارك فيها الأبطال نفسهم.
يحمل "وش في وش" وجهة نظر وحساسية جيل جديد في الحب والزواج، قلما نراها في الأعمال السينمائية والتليفزيونية السائدة، التي تطبق مبادئ "التنمية البشرية" والنهايات السعيدة Feeling Good Ending، والشعارات التي لا تبلى حول الحب الذي يمكنه الانتصار على كل الصعوبات.
وقبل ذلك يحمل "وش في وش" وجهة نظر في الطبقة الوسطى العليا المصرية، يمكن أن نقول أنها وجهة نظر الجيل الثالث من أبناء الطبقة التي نمت مع الانفتاح الاقتصادي في الثمانينيات، وبيزنس العقارات والتجارة في التسعينيات وأول الألفية، ثم الاستيراد والسمسرة حالياً.
يختار "وش في وش"، الذي أخرجه وليد الحلفاوي وكتبه (بالمشاركة مع شادي الرملي)، عائلة (مكونة من أسرتين اتحدتا بالزواج) تنتمي لهذه الطبقة بدرجات.
عائلة تبدو على السطح متعلمة ومتحضرة، من الذين يطلق عليهم في العامية المصرية "ولاد الناس" و"أبناء الذوات"، ولكنها تخوض قتالاً يومياً لرفع، أو الحفاظ على، مستوى معيشتها، وتضمر عنفاً يمكن أن ينفجر في أي لحظة.
مباراة مصرية خالصة
يبدأ "وش في وش" باستعراض بعض الصور الفوتوغرافية السعيدة للزوجين شريف (محمد ممدوح)، وداليا (أمينة خليل) مع طفلهما الوحيد، مع نزول عناوين الفيلم. هذه الصور لا تعرفنا فقط بالأبطال، ولكن بنوع حياتهم وطبقتهم، وتذكرنا بالمسلسلات الحديثة التي تتناول مشاكلهم، خاصة نسائهم، مثل "خللي بالك من زيزي" و"الهرشة السابعة" و"ليه لأ" بأجزاءه الثلاثة.
ولكن بمجرد نهاية العناوين يتضح أن هناك مصيبة على وشك أن تتحول لكارثة: الزوجان تشاجرا كعادتهما، وهذه المرة قام والد ووالدة وشقيق الزوجة بالحضور لتطليق ابنتهما وطرد الزوج، والاستيلاء على الشقة وحضانة الولد ونفقة تقدر بعشرات الآلاف من الجنيهات، في المقابل حضر والد ووالدة الزوج لردع أنسبائهما، كما قام الزوج باستدعاء صديقه المقرب، بالإضافة إلى عدد من أصدقاء منطقته الذين ينتظرون أسفل المبنى للتدخل في حالة تطور النزاع.
بمجرد وصول الصديق تدب مشاجرة بالأيدي يصاب فيها الصديق وشقيق الزوجة بجروح، ولولا توقفها في الوقت المناسب كان يمكن أن تؤدي المشاجرة لجريمة قتل.
نحن أمام فيلم كوميدي، نعلم أنه لن ينقلب إلى مأساة غالباً، ولكن الجو المشحون بالعنف ينذر بإمكانية حدوث أي شئ، خاصة عندما يهرع أصدقاء شريف للتدخل فيحطمون زجاج باب الشقة ويتسببون في تخريبه، فلا يستطيع أحد الخروج من الشقة.
ما يأتي هو أفضل ما في الفيلم، يمكن أن نطلق عليه "الطلاق على الطريقة المصرية"، على اسم الفيلم الايطالي الشهير الذي لعب بطولته مارشيلو ماستورياني، والذي يقوم فيه رجل ثري بالتخطيط لقتل إمرأته نظراً لإن الطلاق ممنوع في طائفته.
الطلاق هنا سهل، لا يحتاج سوى كلمة واحدة، ولكن ما ليس سهلا هو تحويله إلى حرب إقتصادية على الزوج من قبل أهل الزوجة، وإلى مقاومة وعناد من قبل أهل الزوج.
في غياب قوانين واضحة وسريعة، يصبح حل النزاعات الأسرية ملعبا لكل أفراد العائلة وأصدقاء وجيران وخدم أفراد العائلة، الكل يدلي بدلوه، وتفاصيل هذه المباراة مصرية جداً: من تبادل العنف اللفظي والإهانات والتعليقات الساخرة، إلى محاولة الاستعانة بجهات عليا، فكل طرف يعرف إناساً مهمين في الدولة، إلى الاستعانة بمحامي، إلى المناورات الناعمة للوصول إلى تسوية مالية مرضية.
من المظاهر المصرية جداً أيضاً هؤلاء الرجال الذين يتشاجرون كما لو أنهم على وشك قتل بعضهم البعض، وبعد قليل ينسحبون جميعاً إلى غرفة صغيرة للعب الـ"بلاي ستيشن"، وشرب وتدخين الممنوعات كأن شيئا لم يكن، كذلك صديقة الزوجة (التي تؤديها أسماء جلال)، حيث الصداقة ممزوجة بالغيرة والتنافس.
ثراء يمنع الملل
بجانب هذه التفاصيل الواقعية، يتميز الفيلم بشخصياته المكتوبة بحرفية، كل شخصية لها خلفيتها وطبيعتها وتركيبتها النفسية، ومن حسن حظ المخرج، في ثاني أعماله السينمائية، أن يحظى بكل هؤلاء الممثلين المتميزين الذين يؤدون هذه الأدوار بفهم وخفة دم طبيعية.
بجانب ممدوح وأمينة هناك ثنائيات في حالة عداء داخلي طريف للغاية، بيومي فؤاد وسامي مغاوري في دوري والدا الزوجين، سلوى محمد علي وأنوشكا في دوري الوالديتين، أحمد خالد صالح وخالد كمال في دوري شقيق الزوجة وصديق الزوج، محمود الليثي ودنيا سامي في دوري سائق أسرة الزوجة وخادمة الزوجين، خالد الصاوي ولطفي لبيب في دوري محاميي الأسرتين.
هناك تنويعات وقصص داخلية يشار إليها في إطار الحديث، وهو ما يعطي ثراءً للخط الرئيسي ويمنع الملل، ويوفر مساحات من الكوميديا الطبيعية.
محمد ممدوح وأمينة خليل تحولا بالفعل إلى ثنائي متناغم، يذكرنا بثنائيات السينما الكلاسيكية، بيومي فؤاد ممثل قدير، يصنع الضحكة بأقل مجهود، وفي أي موقف، أنوشكا أرستقراطية بالفطرة، تؤدي دور المتسلطة، الهشة داخلياً، ببراعة، سلوى محمد علي وسامي مغاوري نموذجان للممثل القادر على فهم أي شخصية وتأديتها بسلاسة، محمد شاهين وأسماء جلال يشيعان الحيوية في كل مشهد يظهران فيه.
قد يعيب العمل فقط، في تصوري، ميله للمبالغات الكوميدية في نصفه الثاني، خاصة خط الخادمة التي تشرب مادة مخدرة بالصدفة، فتأتي بأعمال وتتفوه بكلمات صادمة، وشخصية الحداد المضحك التي يؤديها مصطفى غريب بشكل مبالغ فيه، حيث تتراجع النبرة الواقعية المعتدلة في هذه المشاهد لتنحو باتجاه "كوميديا الفارس المسرحية".
لكن بشكل عام يتسم الفيلم بحرفية على مستوى التنفيذ، تنبئ بمولد مخرج سيكون له شأن، وواقعية مختلفة تتخفى وراء الكوميديا، ونظرة للطبقة الوسطى والعلاقات بين الجنسين السائدة فيها، والتي تتآكل بفعل صراع محموم مكتوم، يكشفه خلاف الزوجين.
بالنسبة للسائق والخادمة فالمشاكل سببها مساحات التحرر التي حصلت عليها بنات الطبقة العليا، وبالنسبة للزوجين سببها تحول مؤسسة الزواج إلى صراع على السلطة! ورغم أن البعد الاقتصادي لا يتم إبرازه بشكل واضح في الفيلم، إلا أنه موجود بشكل ما بين السطور.
*ناقد فني