القاهرة - الشرق
خلال 10 سنوات فقط، استطاع فن "المهرجانات" المصري الشعبي أن يحقق انتشاراً واسعاً في مصر والعالم العربي، لتتصدر أغانيه منصات البث وقائمة الكلمات الأكثر بحثاً على غوغل خلال عام 2020.
وذاع صيت النوع الجديد من الأغاني الموسيقية الشعبية في مصر، وهي مزيج بين موسيقى الراب والتكنو بصيغة شعبية، انطلق سنة 2009 في مدينة الإسكندرية مع فرقة "الدخلاوية" المعروفة.
وفي ديسمبر 2020، تصدرت أغنية "بنت الجيران" و"عود البطل" للمطربين عمر كمال وحسن شاكوش، قائمة أكثر 10 أغانٍ بحث عنها المصريون على شبكة الإنترنت، ومع الانتشار الكبير لكوبليه بـ"بهوايا إنتي قاعدة معايا"، وصل "المهرجان الشعبي" لقاعدة جماهيرية غير متوقعة، فضلاً عن تقديم "بنت الجيران" ثانية بلحن مختلف أكثر هدوءاً.
ورغم أن حسن شاكوش وعمر كمال قدما اعتذاراً للملحن محمد مدين والفنان محمد حماقي، عن استخدامهما لحن أغنية "حاجة مستخبية" في مهرجان "بنت الجيران" دون إذن مسبق، فإن أحداً لم يشكك في كلمات المهرجانين الأكثر شهرة، اللذين يقف خلفهما الشاعر مصطفى بدران والمعروف بـ"مصطفى حدوتة"، صاحب الـ23 عاماً، وقد تحدث في مقابلة مع "الشرق"، عن بداياته ورحلته مع الشهرة بعدما كان عاملاً بسيطاً.
مجدٌ غير متوقع
في قلب حي المطرية الشعبي، أحد أشهر أحياء مدينة القاهرة، تربّى مصطفى حدوتة شاعر "بنت الجيران"، إلا أنه يسكن اليوم في حي المهندسين الراقي بالقرب من أستوديوهات تسجيل المهرجانات الشعبية، وقبل احتراف كتابة الأغاني ودخول مجال المهرجانات، كان يعمل "أسطى معدات حفر ثقيل ودهانات".
ويعود لقب "حدوتة"، الذي لا يفارقه اليوم، إلى صديق أطلقه عليه في إشارة لحبه للحكي والكتابة، تماماً كما فعل في مهرجانه الأشهر "بنت الجيران"، الذي كتبه في 20 دقيقة فقط كما يحكي، سارداً قصة حب لم يعشها في منطقته الشعبية "لأنه كان يملك صاحباً في كل بيت".
"كنت في انتظار والدتي وهي تأخذ علاجاً في المستشفى، فكتبت الأغنية"، يقول "حدوتة الشهبندر"، كما يناديه أبناء المطرية، عن مهرجانه الذي تربع على عرش الأغنيات في 2020، ومنحه مجداً غير متوقع، على حد تعبيره، مضيفاً أنه "كسمّيع للأغاني القديمة، تأتي بنت الجيران تتويجاً لقصة محبة طويلة لأغنية (من حبي فيك يا جاري) للراحلة حورية حسن".
وأرجع حدوتة نجاح أغنية "بنت الجيران" التي تصدرت "التريند" في تطبيق الأغاني الشهير "ساوند كلاود" إلى القصة التي "عاشها الكبير والصغير.. ما جعل الجميع يصدقها".
نجاح يتجدد
وبعد عدّة أشهر، نجح الفريق ذاته الذي عمل على "بنت الجيران"، في تكرار النجاح مع مهرجان "عود البطل"، وعن ذلك العمل يقول "حدوتة": "كلمات عود البطل كانت موضوعة قبل بنت الجيران، ولكن بعد نجاح الأخيرة، حذفت غالبيتها، وعملت على تحسين كلماتها، كان هدفنا أن تحقق انتشاراً أكثر من بنت الجيران، وهو ما تحقق في فترة قصيرة".
ورغم اعتزاز "حدوتة" بنصيبه في نجاح المهرجانات الشعبية الأكثر شهرة هذا العام، فإن الشاب الصغير لا يغفل مجهود فريق كامل خلف هذا النجاح، بدءاً من اللحن، مروراً بالتوزيع، ووصولاً للتسجيل والغناء، وتصميم فيديو اليوتيوب، والتسويق على مواقع التواصل.
وحازت "بنت الجيران" على مشاهدات تجاوزت 467 مليون مشاهدة، بعد إطلاقها في ديسمبر 2019، بينما حققت "عود البطل" ما يزيد على 164 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب، بعد إطلاقها في مارس 2020.
مدونة سلوك
وبعيداً عن ألقابه الشعبية، يمنح "حدوتة" نفسه لقب "بحر الكلام"، مرجعاً السبب لأحد الأعمال التي كتبها عن مؤلفي كلمات المهرجانات وكان حظه منها كوبليه: "بحر الكلام واسع حدوتة وبيكتب"، ليصبح في ما بعد كنيته في الوسط الفني.
"أشيك كلمة في المهرجان عندي أنا"، هكذا يحلل حدوتة سر تفرُّده عن أي شاعر مهرجانات آخر، فهو ينتقي الكلمات ويحرص على تنقيحها من أي ألفاظ غير مقبولة، على حد قوله، فيما يبدو مدونة سلوك غير معلنة تحكم أعماله.
قائمة طويلة من المحاذير وضعها مصطفى لنفسه، أبرزها السبّ الشائع في مهرجانات أخرى، وعبارات التهديد، والمصطلحات التي تشير للأسلحة البيضاء وغيرها من المعاني "التي تدخل في خانة العيب".
وباستثناء جملة "خمور وحشيش"، التي تضمنها مهرجان "بنت الجيران"، وتسببت في أزمة بين حسن شاكوش وعمر كمال، من جهة، ونقابة الموسيقيين المصريين من جهة أخرى، "لم يخذل حدوتة الإرث الغنائي "الذي اعتاد سماعه منذ الصغر، فتمّ تغييرها إلى "من غيرك مش هعيش".
أدرك مؤلف مهرجان "إنتي بسكوتاية مقرمشة" مؤخراً، ما قد يترتب عليه التساهل في اختيار كلمات المهرجانات، عندما تابع تعليق أحد المتعافين من الإدمان على أغنية "قطر الحياة" للفنان أحمد مكي على يوتيوب وكيف أسهمت في إقلاعه عن الإدمان: "وقتها تأكدت أن كلمات مثل خمور وحشيش ربما تسهم في أن ينزلق أحدهم بسببي".
"أُسطى" أم مهندس؟
ويحرص حدوتة بشدّة على تصنيفه كـ"شاعر غنائي" لا "مؤلف مهرجانات"، مؤكداً أن "الفرق بين مؤلف المهرجان والشاعر مثل الفرق بين الأسطى والمهندس، يؤدي الاثنان نفس المهام، بينما يقال لأحدهما أسطى، وينادى الآخر باشمهندس".
ويتطلع حدوتة إلى أن يصبح "الباشمهندس" في الأغنية الشعبية، قائلاً: "لا أخجل من كوني أسطى بالتأكيد، لكن في مجال الشعر، أحب أن أكون الشاعر مصطفى حدوتة، حفظاً لاجتهادي في هذا السياق".
خارج الحدود
ويعترف حدوته بأن في تجربة المهرجانات الشعبية "الرديء والجيد"، وهو المبدأ الذي يأمل أن تستحضره نقابة الموسيقيين المصريين في تعاملها مع المهرجان الشعبي وصنّاعه.
وقال إن المهرجانات "عبرت الحدود، وأصبحت أحد الألوان التي تمثل مصر بالمنطقة العربية والخارج، وهناك اليوم محاولات عربية لتقليد هذا اللون الشعبي المصري".
وكانت نقابة المهن الموسيقيين المصرية قد عممت في فبراير من العام الجاري، قراراً على كافة المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهي الليلية، بعدم التعامل مع مطربي المهرجانات، بسبب "تهديده للفن والثقافة العامة"، كما جاء في بيان للنقابة.
حلم الكتابة لـ"السلطان"
وفي مطلع 2021، يوشك مصطفى حدوتة على دخول القفص الذهبي، بينما يقول إنه يشعر بامتنان لعام 2020 "الذي دخلت فيه الوسط الفني، وأسست تجربة لشاعر محترم يتعاون مع نجوم كبار".
ويتحدث حدوتة بتفاؤل عن العام الجديد، مؤكداً أن لديه مسودات لـ70 أغنية يتطلع لبيعها بعدما فتح له النجاح الأخير المجال للتعامل مع مطربين من خارج سوق المهرجانات بينهم: محمود الليثي، وحمادة هلال، وطارق الشيخ.
تلمع عينا "حدوتة" وهو يتحدث عن حلمه الأكبر، ويقول مبتسماً: "أتمنى التعاون في 2021 مع سلطان الطرب جورج وسوف.. سأكتب له أفضل الكلمات".
