قال المنتج صادق الصبّاح، إنّ حجم صناعة الدراما التليفزيونية في العالم العربي، خلال شهر رمضان 2024، بلغ 200 مليون دولار تقريباً، ولدى شركة "صباح إخوان" نصيب منها يصل إلى نحو 35%، لكن حال تحديد حجم الإنتاج على مدار العام كله، فقد يصل وقتها إلى 500 مليون دولار، ويبلغ نصيب شركته 10% فقط.
وأرجع أسباب نجاحه في الدراما التلفزيونية، إلى "وجود خبرة تراكمية على مدار سنوات طويلة، فضلاً عن الحماس الموجود في الوقت ذاته"، لافتًا إلى أنّ "الشركة حالياً بها 5 منتجين ناضجين متحمسين لمنافسة مستمرة، ويتجسد حماسهم في البحث الدائم عن الأعمال الأفضل، إذ نُجري دراسات في العديد من البلدان العربية، ونتعاون مع شركات للإحصاءات لتُقدم لنا مزاج الشارع العربي، لننتج أعمالاً مناسبة وناجحة تناسب الجمهور".
وكشف صادق الصبّاح، خلال حواره مع الإعلامية صبا عودة، في برنامج "حديث مع صبا" المذاع على قناة "الشرق"، عن الآلية التي يتبعها في اختيار الموضوعات لتقديمها على شاشات التلفزيون، قائلاً إنّ: "هناك عدة أنواع، أهمها الروايات، وتحوي مكتبة الشركة عدداً كبيراً من الروايات التي اشترت حقوقها من كبار المؤلفين القدامى والحاليين، بدءاً من نجيب محفوظ، كما نتعاون مع عدد كبير من المؤلفين، ويكون هناك تواصل مستمر طوال الوقت، لسماع الأفكار"، موضحاً أنّ "المكتبة تستحوذ على عدد كبير من المسلسلات المكتوبة، لكن ليس بالضرورة إنتاجها كلها فور شرائها، لكننا نصدر الأعمال في الأوقات المناسبة، لأننا نراقب الأوضاع في الوطن العربي، ونحكم الأمور لنعرف ماذا سننتج ومتى؟".
وأكد أن "الدراسات التي نجريها معمقة جداً، لها علاقة بالأبطال، وبمزاج أنواع الأعمال الفنية، لنتمكن من جمع ما هو أفضل لعملية الإنتاج، فهناك العديد من المناطق لكل منها مزاج، فعلينا إيجاد شيء مناسب لهم"، مُشدداً على أهمية توافر عدة عناصر قبل إنتاج أي عمل فني، "يجب أن يتوفر النجم والنجمة، هذان هما الأساسيان، فاقتصاديات المهنة تخضع اليوم لحضور نجوم مقبولين مطلوبين على الشاشات العربية، لذا نبدأ من هنا".
وشارك المنتج صادق الصبّاح، في موسم دراما رمضان الحالي، بـ8 أعمال، تشهد تنوعاً كبيراً في الموضوعات وبمشاركة كبار النجوم من الوطن العربي، وهي: "تاج" بطولة تيم حسن، و"2024" لنادين نسيب نجيم، و"نقطة انتهى" لعابد فهد، و"العتاولة" للثنائي أحمد السقا وطارق لطفي، و"صلة رحم" لإياد نصار، و"المداح 4" بطولة حمادة هلال، فضلاً عن المسلسل المغربي "بين لقصور"، والأنيميشن "نحييها لنحيا" عبارة عن سلسلة من قصص القرآن.
عقود احتكار
ونفى ما يُشاع بشأن توقيع عقود احتكار مع بعض المُمثلين، لمجرد تكرار ظهورهم في الأعمال التي تُقدمها الشركة، مؤكداً أنّ: "هذا الكلام غير صحيح إطلاقاً، ليس لدى الشركة أي عقد احتكار، لا مع نجم أو نجمة، أو حتى مخرج أو مؤلف، وتكرار ظهور بعض العناصر، سواء خلف أو أمام الكاميرا، يرجع إلى وجود لغة ديمقراطية، وثقة متبادلة".
وأوضح أنّ طبيعة العمل مع بعض النجوم، قد تكون قائمة على "الوعود الكلامية"، أكثر من "العقود"، قائلًا: "ما زلنا نتبع العادات القديمة، فلا أستعمل اللغة العسكرية، إلا في حالات قليلة جداً، عندما تختلف الآراء كثيراً، ويصبح هناك الكثير من النقاشات، حينها اضطر إلى اتخاذ قرار"، متابعاً "الفن ليس سلعة تجارية، فهو عبارة عن علاقة، واعتبر مهنتنا من أرقى أنواع الفنون، لذلك لا يمكن جعل المحاكم طرفاً فيها، سواء كانت بين منتج ومخرج، أو منتج وممثل، فهذا لا يجوز".
وتابع "إذا رغبت في التعاون مع ممثل ما، في مشروع فني جديد، فأتواصل معه مُبكراً، لأضمن تفرغه للمشروع، وعموماً نحن نرسم خططاً مستقبلية لعامين أو ثلاثة، ونحترم ظروف بعضنا، فإن لم ننجح في إيجاد شيء مهم لنجمنا أو نجمتنا، لا مشكلة إن فوتت موسماً، ليست كارثة، فالعلاقة ليست قائمة على لي الذراع، لذلك هناك نوع من البحث والتواصل المستمر".
جرأة الموضوعات
ولفت الصبّاح، إلى "وجود جرأة في بعض الموضوعات وطريقة طرحها، لأننا نعتبر أنفسنا مرآة للمجتمع، نعمل على مواضيع لسنا بعيدين عنها كثيراً، نراها في عالمنا الواسع الذي به الكثير من الأمور بداخله، لذا نعتبر أنه لدينا واجب، وهو أننا نحاول، إلى جانب توفير عامل التسلية والترفيه من خلال أعمالنا الفنية، كما يجب توافر بعض الأهداف والرسائل الإيجابية في أعمالنا".
وأضاف "رغم أنّ لدينا في المنطقة ما يُسمى ثالوث المحرمات، الجنس والدين والسياسة، إلا أنني لست بعيداً عن تلك القضايا في أعمالي، لكن أبحث عن زوايا، فمثلاً (الزند) الذي عُرض الماضي، و(تاج) الذي يُنافس في رمضان لهذا العام، نناقش السياسة قليلاً، دون التعمق فيها، لكننا نتحدث عن الخلفية من وجهة نظر المؤلف وشركة الإنتاج، نتحدث قليلاً عن الآفاق أو الأبعاد السياسية، فهي ليست محرمة بالنسبة لنا، ويمنع الاقتراب منها، أما بالنسبة للدين، نخوض في الأمر إن كان له علاقة بالخلفية، فالشركة لا تتبع اتجاهاً معيناً، هي منفتحة لكل البلدان العربية، أما الأعمال التاريخية يكون فيها حرية أكبر، لأن هناك أحداثاً موثقة، وقد تمر بعض وجهات النظر في بعض الأحيان لكنها إيجابية".
وبرر وجود أعمال الجريمة والخيانة بشكل واضح في الأعمال الفنية مقارنة بحجم تناول الموضوعات الإيجابية، بأنّ "تلك الحكايات تحمل عنصر التشويق، وموجودة عالمياً ومطلوبة، فلا أرى عيباً فيها، لكن إذا كان هناك مشهد يتضمن تعنيف المرأة، فنسلط الضوء عليه بهدف محاولة تغييره، خاصة وأنّ السلاح الذي نملكه هو الكلمة والعمل الفني الذي نقدمه".
التمويل
ورأى أنّ الحلقة الأضعف في الدراما العربية، قد تكمن في "التمويل"، موضحاً أنّ "المطلوب كثير، والإمكانيات أقل من المطلوب، ونحن في مقارنة دائمة مع الغرب، لكن إن نظرنا إلى الإمكانيات المالية لديهم، فهي تفوق إمكانياتنا بالطبع، وهذه الجرأة المالية ظهرت في السعودية، ونعتقد أنه شيء يجعلنا متحمسين، لكننا ما زلنا في بداية السلم".
وكشف عن أسباب عرض الغالبية العظمى من إنتاجات الشركة، عبر مجموعة قنوات "إم بي سي"، موضحاً أن "هناك ثقة وعلاقة قوية ممتدة منذ سنواتٍ طويلة، أصبحنا نقرأ أفكار بعضنا لديهم ردود أسرع فهم أمهر في اتخاذ القرارات، رغم أننا نعطي الحظوظ نفسها تقريباً لمنصات وشركات أخرى، مثل نتفلكس وأمازون وكثير من المحطات"، متابعاً "ربما من المفيد أكثر، أن تكون نسبة عملنا مع هذه المجموعة 50%، ومثلها لبقية المحطات، لكن صادف خلال الـ5 سنوات الماضية، وجود طلب أكثر من إم بي سي، ونحن نحترم هذا الطلب، ونشعر أن هذا التواصل إيجابي".
وحول حقوق هذه الأعمال، أوضح أنها مناصفة مع Mbc، وهناك أعمال تكون ملكاً لهم بالكامل، "علاقتنا معهم يطغى عليها التكامل، ونعطي لهم الأولوية، لكن في الوقت ذاته، منفتحين على محطات ومنصات أخرى".
وأشار إلى أنّ "الحكومات لا تُقدم دعماً مادياً لتلك الصناعة تماماً، باستثناء السعودية التي تُقدم دعماً لبعض الصناعات الفنية، ونحن الآن في طور البحث في آلياتها والتعمق فيها، أما ما دون ذلك، لا يوجد"، لافتاً إلى أنّ "تركيا تجذب شركات الإنتاج لتصوير الأعمال لديها، لأنه يعود بمنفعة اقتصادية، ويُساهم في تنمية الاقتصاد، فكثير من الدول الأجنبية يتنافسون لجذبنا عكس الدول العربية، ويُقدمون لنا دعماً قد يصل إلى 50%، مثل قبرص واليونان وكثير من بلدان أوروبا، وذلك لأنهم يتفهمون كون هذه الصناعة ليست فنية فحسب، بل هي دورة اقتصادية كاملة".
القطاع الخاص
وأشار إلى أنّ القطاع الخاص، اتجه إلى الاستثمار في تلك الصناعة، وتحديداً منذ 4 سنوات تقريباً، قائلاً: "قمنا بنوع من المشاركة لبعض الأصدقاء، ندخلهم فيجنون أرباحاً تصل إلى 20% خلال أقل من عام، وهذا فتح شهيتنا للتفكير بإطار أوسع، لذلك سنبدأ بالتفكير بأن يكون لدينا شركاء لمنافسة الأعمال الغربية"، مُشيراً إلى أنّ "الأزمة المصرفية في لبنان، وضعت قيوداً على السحب والتحويل، لكن عموماً هذا لا يهمنا كثيراً، نحن موجودون في لبنان، لكن منذ زمن طويل كل حساباتنا وعملنا ومركز مالنا الخارج لبنان قبل الأزمة، فنحن لسنا متأثرين كثيراً بالوضع الاقتصادي المحلي، بينما هناك اقتصاديون لديهم رغبة في دخول هذا العالم لزيادة الاستثمار، وهناك طلباً لتقديم 200 مسلسل سنوياً، بينما يُقدم حوالي 120 مسلسلاً حالياً".
وحول القدرة الاستيعابية لـ"الصباح إخوان"، قال إنّ" الشركة موجودة اليوم في لبنان ومصر والمغرب، وفي الخليج العربي، وقريباً في السعودية، وإنّ كنا ننتج حوالي 30 عملاً سنوياً، بالتأكيد يمكننا إدارة 50 عملاً، لكن الأمر يتوقف على التمويل، الذي سيُمكننا من الحصول على المزيد من الكوادر البشرية الموجودة خلف الكاميرات".
وأكد أنه لا يفكر في إنشاء منصة رقمية، مُبرراً ذلك بقوله: "نعتبر أنفسنا بارعين في مهنتنا، نحن لسنا جهة عارضة، ونعتبر المنصات والمحطات التي تشتري منّا شركاء لنا، فليس هدفنا منافستهم، لكن لزيادة نمو الربحية، فقد نتبع معايير جديدة للبيع، كما فعلنا مع أمازون، يحصلون على الحقوق الحصرية لـ6 أشهر، ثم يمتنعون عن عرض المسلسل الذي اشتروه، فيصبح بإمكاننا بيع العرض الثاني والثالث، لذا يمكننا النمو، لكن لا أظن أن إنشاء منصة من خططنا حالياً".
ورأى أنّ "المسلسلات الأجنبية منافسة لنا، نعلم أنه لدينا الإمكانيات لننتج، اليوم ما من شيء تقني غير متوفر لدى الجميع، فقد أصبحت التقنيات موجودة، ولم تعد الجزء الأصعب، بل الإمكانيات.. أعطيني إمكانيات وخذ ما شئت ما يدهش العالم"، مستشهداً بمسلسل "تاج"، "أثبت أنه بإمكانيات جريئة، يمكنني تجسيد حالة زمنية في عام 1940، وإعطاؤها حقها، فهذا المسلسل استغرق عامين تقريباً لإنهاء التأليف والتحضير والبناء، فالدراما التاريخية هي الأصعب، وربما الأعلى تكلفة والأقل جماهيرية".
ولفت إلى حرصه على تقديم مسلسل تاريخي بشكلٍ شبه سنوي، ذو معنى ومغزى، "عندما تريد الشركة إنتاج مجموعة من الأعمال، يجب أن يكون بعضها مميزاً، ليس مهماً إن كسب أو ربح، لكن يجب أن تكون الإنتاجات معتدلة وفيها قيمة، وقيمتها تكمن في النوع".
الرقابة
وحول مدى تأثر الإنتاجات الدرامية بالرقابة، قال: "الرقابة مقبولة نوعاً ما، لن أقول إنه يوجد المقص كما كان في السنوات السابقة، لكن لأننا نقدم أعمالاً نقبل أن يشاهدها عائلاتنا، لهذا نحن لا نؤيد تقديم شيء جارح متطرف، دورنا اللعب بشكل إيجابي مع المجتمعات العربية، لا نؤدي دوراً سلبياً"، متابعاً أنّ "الشركة لها معايير داخلية أيضاً، فنحن حذرون جداً، نسعى لأن يكون لدينا الرقابة الذاتية التي تمكننا من تقديم الأعمال المعتدلة الهادفة والمشوقة في الوقت ذاته، وإن شعرنا أن هناك عملاً يحوي جدلاً نؤجله، ربما نجد له زمناً آخر، أو لا ننتجه".
وكشف المنتج صادق الصباح، كواليس تجربته مع مسلسل "بطلوع الروح"، قائلاً: "كنا نعتبر أنفسنا مسؤولين، بعد أن سمعنا أن هناك ذيولاً لداعش في شمال لبنان، والقليل في العراق وسوريا، وارتأينا أنه من واجبنا التحدث عن هذا الأمر، فأخرجنا نصاً كنا قد اشتريناه وموجود عندنا من قبل، وأنتجنا المسلسل.. هنا نعتبر أنفسنا مواكبين للمجتمع وللسياسات الإيجابية في الدول العربية، هذا هو دورنا، لأننا شعرنا أنه من واجبنا الكشف عن أفكار هؤلاء المتطرفين بطريقة درامية".
واعتبر أنّ "المنصات أسهمت في المنافسة طوال العام، بينما محطات التلفزيون عليها أن تكون منافسة في رمضان خصوصاً، لذلك فتحت المنصات الشهية والإمكانية للإنتاج طوال العام بمشاريع لا يهم عدد حلقاتها، هذا يعتمد على النص وقوته وإمكانياته، لا يريدون أن يكون هناك نوع من الإطالة، لكن يجب أنّ يكون هناك بعض الأعمال الطويلة عبر المنصات للتسلية".
ولفت إلى أنه يُخطط حالياً لدخول السوق السعودية، وإنتاج أعمال مميزة، لتحقيق نجاحات في الدراما هناك، قائلاً إنّ: "السوق السعودية كبيرة بالطبع، وربما ترتفع نسبة المشاهدة لأكثر من 80% خلال شهر رمضان، أكثر من غيرها من الأسواق، لذلك نحن في مرحلة التأسيس هناك حالياً، ونحن على تواصل مع مؤلفين ومخرجين وممثلين وسنبدأ قريباً، السوق السعودي واعد، وخلال السنوات الأخيرة أصبح هناك الكثير من الإنتاجات على مستوى السينما والدراما".