ما بين الفيلم الوثائقي "السر"، وفيلم "البيضة والحجر" يمكن أن نقترب من الإطار الذي بني عليه مسلسل "فراولة"، إلى جانب عمليات بيع حقيقية لمنتجات الطاقة باستخدام أسلوب تسويقي تحت مسمى الأرباح عن طريقة "الشجرة"، تجمع المشترين كلهم تحت فروعها، انتشر هذا الأسلوب في مصر والعالم العربي في بداية الألفية، وسبب تصديق الناس لهذه الخدعة أن مروجيها من أصحاب الدرجات العلمية.
مسلسل "فراولة" يفتح الباب أمام الجمهور لتلك الحكايات ذات الطبيعة الروحية، التي تمنحك منظوراً جديداً للأشياء، وفي الوقت نفسه، يبقيك مدمناً ومتعطشاً للمزيد.
تركز الأحداث حول رحلة صعود "فراولة" ابنة حارس عقار، وتعمل في شركة عقارات، إلى أن تصبح فراولة سيدة مجتمع وخبيرة في مجال الطاقة.
فرصة ذهبية
يركز سيناريو للمؤلف محمد سليمان عبد المالك، على حاجة المشاهد الفطرية لكشف الأسرار وفهم الألغاز، مما يدفعنا لمشاهدة العمل إنه يعطينا فهماً جديداً لحالتنا الإنسانية، وبيئتنا، ومجتمعنا، ومكانتنا فيه.
وهذا المنظور يعطل الروايات الكبرى التي غذيناها، ويتحدى القيود المفروضة على وجهات نظرنا، وبالطبع كان أمام صناع العمل فرصة ذهبية لطرح تلك الفكرة بشكل أكثر عمقاً، ولكن سقط المسلسل في مباشرة التناول، وتسطيح الصراع بين العقل والمنطق والإيمان بالقوة الروحية، خاصة أن كليهما على صواب، ولكن في إطار عدم تجاوز العقلانية لحد رفض كل ما هو روحي، أو الدخول إلى عالم الغيبيات والخرافة.
المسلسل كان سينتقل إلى مستوى آخر، إذا ركز على الارتقاء الروحي، واكتشاف الذات والنمو الدرامي للبطلة، والاقتراب بشكل أكثر وضوحاً من هوية شخوصه، والتناغم الدرامي لسرد الأحداث، بشكل يؤكد فن التوازن بين الأمور الدنيوية والمهام الروحية، والخروج من علاقات غير مكتملة ومبتورة، والتركيز على تقدم الشخوص الرئيسية، وهذا من شأنه أن يغذي ويثري الحدث الدرامي، ويساعد على التصاعد الفني للحدث.
الكوميديا الرومانسية
مال مسلسل فراولة إلى الرومانسية، ولكون النوع الرومانسي في الدراما يتخذ أشكالًا عديدة، بما في ذلك الكوميديا الرومانسية، ويسعى هذا النوع إلى استكشاف التعقيدات والأعماق العاطفية للحب والعلاقات، وفي حين أن النوع الرومانسي غالبًا ما يرتبط بالنهايات السعيدة وانتصار الحب، إلا أنه يمكن أن يتضمن أيضاً عناصر أخرى مفاجأة كما في مسلسل "فراولة".
في هذا العمل نتجاوز مرحلة الحب من أول نظرة، حيث تقع الشخصيات في الحب فور لقاء بعضها البعض، وهو ما يعرف أيضا باسم اللقاء اللطيف، وركز المسلسل على تجاذب الأضداد: فنحن أمام شخصيات من خلفيات مختلفة أو شخصيات متباينة تقع في الحب، على الرغم من اختلافاتهم، خاصة "فراولة / نيلي كريم" التي لها خلفية إنسانية من صعودها من الفقر والفشل، إلى شخصية لها كاريزما لها قدرة هائلة على التأثير في الآخرين، ويقدم المسلسل نموذج الإنسان الذي يمنح فرصة ثانية رومانسية بعد علاقة زواجه فاشلة، من خلال الدكتور إبراهيم الطبيب النفسي (صدقي صخر)، وتكون "فراولة" فرصة لإشعال الحب من جديد بداخله.
أما الحب الممنوع، والمعتمد على عدم قدرة الشخصيات على التواجد معاً؛ بسبب الحواجز الاجتماعية أو الثقافية أو الشخصية، فتمثله الجارة القعيدة علا رشدي (دينا)، وحبها لابن الجيران الذي ترفضها أمه منذ الطفولة.
مسلسل "فراولة" بمثابة دعوة إلى التشكيك في الواقع، بدلاً من أخذه على محمل الجد، إنه يتحدث عن حاجة الإنسان إلى حرية الاختيار والحقيقة، يتم عرض الاثنين، الحرية والحقيقة، كزوج مترابط، حزمة كاملة يجب على المرء أن يسعى إليها بنشاط من أجل تأكيد إنسانيته، يبدو هذا من خلال شخصية زوجة دكتور إبراهيم، التي تركت الطب من أجل العمل في مجال الأزياء.
الإلهام والتأثير
تتميز شخصية "فراولة" كما كتبها المؤلف، وقدمها المخرج بتكوين غني ومتنوع، وتظهر شعبيتها المستمرة في أي وقت، بقدرتها على الإلهام والتأثير على المواقف المجتمعية تجاه الحب والعلاقات، ومن خلال استكشاف موضوعات مثل اكتشاف الذات والكذب والخيانة والسيطرة على الآخرين، لتصبح "فراولة" بمثابة منصة لتعزيز الرسائل الإيجابية، وتحدي الصور النمطية الضارة، نظراً لقدرتها على التواصل وإثارة المشاعر وإلهام التغيير الإيجابي.
نجحت نيللي كريم من خلال المسلسل في التأكيد على أنها شخصية ثلاثية الأبعاد، وتحتوي على نقاط القوة والضعف والعيوب التي تجعلها قابلة للتواصل، مع رسم تفاصيل "فراولة" على أن تكون الشخصية الكاريزمية ذات المهارات الاجتماعية والقيادية، لديها الدفء والكفاءة التي تجذب الآخرين وتقنعهم، وبالطبع كان لشكل وطلة نيللي كريم سبباً في نجاح شخصية "فراولة".
يحسب للمسلسل تحقيق التوازن بين قصة صعود "فراولة" وعناصر سرد القصص الأخرى، بأسلوب الفكاهة والدراما والحركة، لإبقاء الأحداث جذابة وديناميكية، خاصة مع تشعب الشخصيات وتشابكها.
جعل المسلسل "فراولة" محوراً للعمل، لكن الأحداث والشخصيات في حياتها تتغير وفقاً لقراراتها، وكيف يمكن لقرار صغير أن يكون له تأثير كبير على كيفية تطور الحياة، لذا؛ هي نفسها في صراع شديد بشأن ما حدث لها من إخفاقات في الحياة الخاصة والعمل، إلى جانب أزمة نفسية يظهر المخرج تفاصيلها بشكل تدريجي في تترات الحلقات، مما يجعل المشاهد يرسم خريطة نفسية واضحة المعالم لشخصية "فراولة" يسيطر عليها خطى الحزن والتحدي.
الشخصيات الثانوية
طرح المسلسل تساؤلات عدة، لكنه لم يعط لها إجابة، ومنها العلاج بالأحجار، يعيد ذلك إلى قوة تأثير العلاج الوهمي، وهذا معناه أن العلاج فعلاً لا يسبب أي تحسن للمرض، لكن بسبب أن المريض يؤمن بأن هذا العلاج له القدرة على شفائه، فيتوهم أن العلاج فعلا يشفيه، وظهر ذلك في تخلص أم من القلق والعصبية بمجرد اقتناعها أن هذا الحجر الذي تمسكه يخلصها من التوتر، وعلاج د. إبراهيم لمريض له لا يستطيع النوم لعدة أيام، بأن يضع قرص دواء تحت وسادته وأقنعه د. إبراهيم بأنه يصدر موجات كهرومغناطيسية تسبب له النوم.
الشخصيات الثانوية بالمسلسل متشعبة، ومتداخلة فيما بينها كأنها فسيفساء تحيط بالخط الدرامي للعمل، ومنها شيماء سيف (سامية)، التي نتعرف من خلالها على كيفية خلق وهم التريند، وكيفية تحول هذا الأسلوب إلى وسيلة للعمل، واختيار شيماء سيف للدور أضاف الكثير من البهجة والمرح على الحدث الدرامي بحضورها الكوميدي الطاغي.
قدم أحمد فهيم بتمكن شخصية (حسن الشندويلي)، نموذج الزوج البخيل والذي يخشى زوجته "إيمان السيد"، صاحبة الأداء البسيط، والمتفرد دوما والكوميديا قدمت من خلال (حسن الشندويلي) الذي لا يعرف من الطاقة الإيجابية.
* ناقدة فنية