في فيلم "اللعب مع العيال"، المعروض في موسم أفلام عيد الأضحى، نحن أمام عمل من المستحيل أن يُنسب إلى تاريخ صانعه المخرج شريف عرفة، ورغم المستوى المتذبذب لأعمال عرفة الأخيرة إلا أنه من المستحيل تصديق أنك أمام فيلم يحمل توقيعه، وقد تظن أنه فيلم أنتج خصيصاً للأطفال، وفي تلك الحالة ستتناوله من منطلق أنه فيلم متوسط القيمة، يتناول بعض الأفكار الوطنية بمنتهي السطحية والمباشرة.
يبدو فيلم "اللعب مع العيال" وكأنه لقطات تم العثور عليها، وقرر المخرج تجميعها كنموذج لصناعة عمل بلا هوية، يفتقر إلى أبسط قواعد السينما المتعارف عليها.
شعارات غير متوازنة
وفي "اللعب مع العيال" أُحْبِطت طموحات المشاهد في مجال الإثارة والحركة إلى حد بعيد، من خلال قصة مفككة، وتمثيل مفتعل، وميزانية منخفضة، ومجموعة رديئة من الكليشيهات عن التاريخ والوطن، ستترك المشاهدين يتساءلون عن تلك الشعارات غير المتوازنة، بحبكة مثيرة للسخرية وحوار مفتعل يتضمن هذه المهزلة، التي جاهد مقدموها في التفاعل معها، إلا أنها تفتقر إلى السرد المصقول والمتماسك.
في "اللعب مع العيال" تشاهد هذه الكوميديا المزعومة، التي تبحث عن مواقف تفتقر للمنطق، لدعم النكات غير الحكيمة المتعلقة بالمفارقات، وبالعودة إلى ما يبدو أنها بئر لا نهاية لها من الفكاهة، والقوالب النمطية التي لا معنى لها، لكن الاتجاه المسطح للفكرة والممثلون الذين يبدون محرجين من الظهور على الشاشة، يجعلان "اللعب مع العيال" أسوأ مما تقترحه الفرضية.
خيبة أمل
حاولت إقناع نفسي بتجاوز خيبة الأمل، والاستمتاع بهذا الزخم البصري الذي تفرضه علينا تلك البيئة الصحراوية البكر، وأنك تشاهد فيلماً لمخرج له رؤيته البصرية، ويمتلك الإيقاع والتغيرات في الزمان والمكان والنوع، لكن خاب ظني في تلك الفرضية أيضاً.
لأن أحداث "اللعب مع العيال" من المفروض أنها تقع في صحراء شرم الشيخ، وتتناول سيطرة الجهل وقوانين القبيلة والصراع مع رجال العصابات، فقد أشار الفيلم في بدايته إلى أن الأحداث تدور في عام 2010، وبالتالى تجنب الدخول في أزمة رقابية.
حبكة الفيلم عادة ما يتم تقديمها كمفاجأة باهرة مع تصاعد الأحداث، هذه الخدعة الفعالة من جانب كاتب السيناريو والمخرج تجذب المشاهدين في حلقة ممتعة، وتسحب البساط من تحتهم، عندما يتم تنفيذها جيداً، تؤدي إلى تلك الشرارة المراوغة التي يحاول كل صانع أفلام تجربتها، لكن للأسف الحبكة التي بني عليها الفيلم منتهية الصلاحية، قُدمت في أعمال عدة، وأسوأ تناول لها على الإطلاق هو ما شاهدناه في فيلم "اللعب مع العيال".
افتقر الفيلم إلى إنشاء شخصيات شاملة ومتعددة الأوجه، مثل الأشخاص في العالم الحقيقي، شخصيات تملك قصصاً درامية وأحلاماً وأهدافاً تجعلهم يبحثون عن علاقات معينة ويتصرفون بطرق محددة، مع بناء أقواس الشخصيات، والتي تعد مكونات حيوية في أي قصة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ماذا أراد شريف عرفة تقديمه من خلال فكرة مستهلكة تعتمد على الصدمة التي يتعرض لها البطل عند الانتقال إلى مكان مخيب للآمال؟ ولماذا كانت شخصيات أبطاله دون جذور؟ وهي توليفة لشخصيات ظهرت في أفلام سابقة فشخصية البطل (علام/ محمد إمام) صورة باهتة من بطل فيلم "فول الصين العظيم" لمحمد هنيدي، وأبعاد تكوين شخصيته المهزوزة بسبب الأب والعائلة، بينما في فيلم هنيدي ورائها الجد والأعمام.
ونموذج (أبو السعود/ مصطفى غريب) قريب الشبه من بطل فيلم "تيتة رهيبة"، أما بطلة الفيلم (كمامة/ أسماء جلال) فتفاصيلها متطابقة مع صورة النموذج الأنثوي في كل الأفلام المقدمة عن البدو والصحراء، وحدود الدور لا تضيف لها جديداً كممثلة.
شخصية (أبو مغزوم/ باسم السمرة) باهتة، أبعادها غير منطقية، ومبررات تكوين الشخصية افتعالية، قريبة من شخصية السفاح في فيلم فؤاد المهندس "أنت اللي قتلت بابايا"، والذي يمكن السيطرة عليه بالأغنية التي كانت تسمعها له أمه، كما أنه كممثل ليس في أحسن حالاته،
كما لا يوجد جديد في شخصية (أرواح/ ويزو)، فهي استنساخ لمجموع الشخصيات التي قدمتها في أعمال أخرى، والمشاهد يتوقع ما ستفعله وتقوله بمجرد ظهورها على الشاشة، وهو ما عمق الشعور بالملل والافتعال طوال أحداث الفيلم، بيومي فؤاد في دور "أبو عقيلة" كما هو دوماً، صاحب أداء نمطي، حصر نفسه فيه مهما كانت طبيعة الشخصية.
تقنيات الجرافيك
ولأن فن تطوير الشخصية يعد أمراً ضرورياً لصياغة الشخصيات، التي يجدها الجمهور مقنعة ومترابطة، سواء كانوا بشراً أو مخلوقات خارقة للطبيعة، أخياراً أو أشراراً، فإن الشخصيات المطورة بالكامل هي التي تقود السرد، وهذا للأسف لم يطبق مع شخصية الذئب الموجودة بالفيلم، والتي هي استنساخ من فيلم "الرقص مع الذئاب"، وإذا كان شريف عرفة نجح في خلقها بتقنيات الجرافيك؛ إلا أنه لم يعط لها أبعاداً تجعلها صديقة للبطل وتدافع عنه.
إنها النموذج الأمثل لعدم وجود ترابط يفسر التصاعد في الأحداث بين الأبطال في الفيلم، فالعلاقات الإنسانية بين أبطاله مبتورة، ولا توجد مشاهد تمهيدية لحالة الترابط التي ستحدث بين البطل وأهل القبيلة، هناك دائماً حائط صد لم يذب الجليد بين الشخصيات.
ارتفع استخدام الجرافيك بشكل كبير خلال الفيلم من خلال الأمطار والذئب والدماء، وصعود بطلي الفيلم للسماء والاقتراب من النجوم بشكل أكثر واقعية، تم مزجهما بأسلوب تبدو فيه حالة الإتقان من قبل شريف عرفة، لتوصيل رسائله وإثارة المشاعر على الشاشة.
ومع ذلك نحن أمام عمل لا يعرف الصراع الداخلي والخارجي بين أبطاله، ولا يعرف أبعاد تلك الضغوط الخارجية التي تبطئ من سحق الشخصية، مثل الهجوم الوشيك من الذئب، أو علاقة البطل بشخصية باسم سمرة، وبالتالي لم نجد حجم صراع بنفس أهمية المخاطر أو الشخصية التي تواجه المعركة.
في "اللعب مع العيال" لم نتعرف على تقنيات شريف عرفة الإبداعية في مجموعة من اللقطات وزوايا الكاميرا المختلفة، بما في ذلك اللقطات القريبة والمتوسطة، ما يسمح للكاميرا بالتقاط تعبيرات الوجه والعواطف الدقيقة للأبطال، وربما يرجع ذلك إلى الكاتب شريف عرفة الذى يعرف ما قدمه من أحاسيس مبتورة ودون معالم بين الشخصيات.
ونفس الشئ ينطبق على الممثلين، الذين افتقروا إلى استخدام قدراتهم البدنية وإسقاطاتهم الصوتية لنقل المشاعر، وجعل أدائهم مرئياً للجميع عن بعد، ولم نجد أي تركيز على المشاعر الداخلية للأبطال.
ويبقى في النهاية أنه حان الوقت لأن يتراجع شريف عرفة عن فكرة التأليف، التي ثبت فشله فيها على طول الخط، فهو لا يملك قدرات المخرج المؤلف.
أما محمد إمام فيبدو أن خروجه من جلباب عادل إمام يحتاج إلى مزيد من الوقت، وربما هي من نقاط قوته عند البعض، لكن سيكون مهماً له البحث عن عمل عمل فني يعتمد على فكر مختلف، كما فعل والده فى سلسلة أفلامه مع وحيد حامد وشريف عرفة، التي كانت بمثابة تحول مبهر في تاريخه الفني.
* ناقدة فنية