بعد الصاروخ الروسي.. هل يشهد الفضاء مواجهة وشيكة؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
محطة الفضاء الدولية - REUTERS
محطة الفضاء الدولية - REUTERS
دبي-الشرق

أقرت روسيا، الثلاثاء، باختبار صاروخ دمر أحد أقدم أقمارها الاصطناعية في مدار الأرض، وسط انتقادات أميركية وأوروبية للخطوة الروسية التي وصفها مسؤولون أميركيون بـ"غير المسؤولة".

وأحيت التجربة الروسية المخاوف من تحوّل الفضاء إلى ساحة حرب بين القوى الكبرى، المتعطشة لاختبار وسائل تكنولوجية عسكرية جديدة، وأعادت التساؤل بشأن إمكانية أن يتجه العالم إلى "حرب في الفضاء"، وعسكرة العمل الفضائي.

واستبعد رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية قسطنطين سيفكوف، أن يشهد الفضاء حرباً، واستدرك أنه ستكون هناك مجابهة وتنافس مستمر بين الولايات المتحدة وروسيا لـ"استعراض العضلات"، مثل مواجهات البلدين في المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها.

وأوضح سيفكوف في حديثه لبرنامج "دائرة الشرق" على قناة "الشرق"، أن الاختبارات الصاروخية في الفضاء لم تبدأ من روسيا، وإنما بدأتها الولايات المتحدة منذ عدة أعوام، مشيراً إلى استخدام واشنطن صاروخ "ستاندارد-3" لإسقاط قمر صناعي على ارتفاع 230 كيلومتراً.

وانتقد المسؤول الروسي تشكيل الولايات المتحدة قوة عسكرية فضائية، قائلاً إن واشنطن شكلت "قوة خارقة تدفع لها ميزانية هائلة بهدف الهيمنة في الفضاء"، مؤكداً أن موسكو وبكين لن تسمحا لها بالوصول لذلك الهدف. 

"أمر خطير ومستفز"

واتفق فريدريك فليتز  رئيس مركز  السياسات الأمنية في واشنطن، مع رأي المسؤول الروسي بأنه لن تكون هناك حرب بالفضاء، مؤكداً أن الفضاء الخارجي مشترك بين كافة الدول، ولا يمكن استخدامه في أغراض سلبية.

وقال فليتز خلال مشاركته في "دائرة الشرق"، إن تدمير موسكو لقمر صناعي أدى لدوران الحطام في الفضاء، ووصف ذلك بـ"الأمر الخطير والمستفز".

وذكر أن قرار تدمير القمر الصناعي ربما اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ"استعراض العضلات وربما صرف الأنظار عن حشد قوات روسية على الحدود الأوكرانية"، لكنه أعاد التأكيد على أن ذلك لا يعني الدخول في حرب فضائية.

وأشار فليتز إلى أن إنشاء قوة عسكرية أميركية بالفضاء في عام 2019، بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب، كان بهدف ضمان مصالح الولايات المتحدة، ومنع أي استهداف من "الأعداء" للأقمار الصناعية الأميركية، مؤكداً أن روسيا والصين ستحاولان إحباط المحاولات الصاروخية الأميركية في الفضاء.

 ورأى علاء النهري نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، أن حرب الفضاء لن تكون وشيكة، لأن قدرات الدول الخمس المتواجدة عسكرياً في الفضاء شبه متساوية ما يحقق "التوازن العسكري"، وتلك الدول هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والهند والصين.

استغلال المعادن

وتطرق النهري في حديثه خلال "دائرة الشرق" إلى محاولات بعض الدول السيطرة على الفضاء، لأسباب أخرى غير عسكرية، مثل محاولة الولايات المتحدة استخراج معادن من كويكبات متواجدة بين كوكبي المريخ والمشتري، إذ تحوي عناصر نادرة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

ولفت إلى إعلان الولايات المتحدة أنها سترسل في عام 2026 مسباراً إلى كويكب "سايكي- 16" لاستكشافه، في ظل احتوائه على معادن نفيسة من الذهب والتيتانيوم وغيرها.

وشكك رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية في إمكانية الاستفادة من تلك المعادن، ووصف الحديث الأميركي عن ذلك بأنه "ضرب من الخيال"، ولا تستطيع دولة بمفردها تحقيق ذلك حسب قوله، مضيفاً أنه "منذ ستينيات القرن الماضي نسمع عن خطط أميركية غير منطقية". 

وعقب الخبير الأميركي على تشكيك سيفكوف بالقول إنه يتفهم موقفه، "ولكن العلم يتقدم"، في إشارة إلى احتمالية استغلال واشنطن للمعادن في الفضاء قريباً.

خطر المخلفات

وحذر  نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، من خطورة المخلفات والشظايا الفضائية، مؤكداً أنها تهدد رواد الفضاء والأقمار الصناعية والمحطة الفضائية الدولية، مشيراً إلى مسؤولية كافة الدول في التصدي لذلك الخطر.

وأوضح النهري أن "الصواريخ غير الموجهة جيداً" تشكل الخطر الأكبر، ودلل على ذلك بصاروخ صيني سقطت بعض شظاياه العام الماضي على سواحل كوت ديفوار بغرب إفريقيا، وسقطت أغلب الشظايا في المحيط الأطلسي، كما "كتم العالم أنفاسه" عند عودة صاروخ صيني، ولكن لحسن الحظ سقط في المحيط الهندي.

وأضاف: " لكي نحافظ على كوكب الأرض يجب تجنب الصواريخ غير الموجهة جيداً".

وقال النهري إن هناك نحو نصف مليون من الشظايا الجوية في الفضاء، ولفت إلى أن أي شظية قطرها أكثر من سنتيمتر واحد يمكن أن تؤثر في المحطة الفضائية الدولية، لذلك تم عمل "واقٍ" لحماية المحطة، وإعطاء تعليمات لرواد الفضاء باستخدام الكبسولات الفضائية عند حدوث أي طوارئ.

اعتراف روسي

وبعد لزوم الصمت يوماً كاملاً بعد التجربة الفضائية، اعترفت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، بأنها أجرت "بنجاح تجربة دمر بنتيجتها الجسم الفضائي تسيلينا-د الموضوع في المدار منذ 1982 وهو غير نشط"، بدون أن توضح السلاح المستخدم في العملية.

وقالت الولايات المتحدة إن التجربة ولّدت "سحابة" من قطع الحطام، من شأنها أن تهدد سلامة طاقم محطة الفضاء الدولية وأن تشكل خطراً على العديد من الأقمار الصناعية.

وذكرت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، أن روّاد الفضاء السبعة على متن المحطة، وهم 4 أميركيين وألماني وروسيان، اضطرّوا للجوء إلى مركباتهم الملتحمة بالمحطّة استعداداً لاحتمال عملية إجلاء طارئة.

لكن وزارة الدفاع الروسية نددت بالاتهامات الأميركية "الخبيثة" بشأن مخاطر الحطام، وأكدت في بيان أن "الولايات المتحدة على يقين بأن أجزاء الحطام هذه لن تشكل أي خطر".

وأوضحت وزارة الخارجية الروسية أن هذه التجربة تمت "بما يتفق تماماً مع القانون الدولي ولم تكن موجهة ضد أحد".

انتقادات غربية

وكان رئيس وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بيل نيلسون قال الاثنين: "صدمني هذا العمل غير المسؤول والمزعزع للاستقرار" الذي يشكل خطراً أيضاً على المحطة الفضائية الصينية.

كذلك حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن قطع الحطام "ستهدّد الآن ولعقود" الأنشطة الفضائية.

من جانبها، أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية أن "الفضاء ملك مشترك ... مخربو الفضاء يتحملون مسؤولية فادحة بتوليدهم حطاماً يثير تلوثاً ويشكل خطراً على رواد الفضاء التابعين لنا وأقمارنا الاصطناعية".

واعتبرت الحكومة الألمانية أنه ينبغي بصورة "عاجلة" اتخاذ إجراءات "تعزز الأمن والثقة". وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان: "ندعو جميع الدول للانخراط بشكل بناء في هذه العملية وفي تطوير مبادئ السلوك المسؤول في الفضاء".

وندد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ينس ستولتنبرج بـ"عمل غير مسؤول"، يثبت أن روسيا تطور أسلحة جديدة، قادرة على تدمير أنظمة اتصالات وملاحة أرضية أو أنظمة إنذار مضادة للصواريخ في الفضاء.

وسبق أن أجرت 3 دول فقط هي الولايات المتحدة والصين والهند مثل هذه التجارب لاستهداف قمر اصطناعيّ، فيما كانت موسكو تشدد على أنها تكافح أي محاولة لعسكرة الفضاء.

وبدوره، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الولايات المتحدة بـ"تجاهل اقتراحات روسيا والصين من أجل اتفاق دولي لمنع سباق تسلح في الفضاء".

وقال إن الأميركيين "استحدثوا في 2020 قيادة فضائية واعتمدوا استراتيجية من أهدافها فرض هيمنة عسكرية في الكون" متهماً البنتاجون بالإعداد لوضع أنظمة مضادة للصواريخ في المدار.

"تعايش آمن"

وأعلنت وكالة الفضاء الروسية، الثلاثاء، أنها لا تزال تأمل في بذل "جهود مشتركة من جميع القوى الفضائية" من أجل "ضمان تعايش آمن إلى أقصى حد ممكن" في الفضاء.

وأعلن رئيس وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس دميتري روجوزين، أنه تحادث هاتفياً مع نظيره من وكالة ناسا بيل نيلسون.

وكتب روجوزين على تويتر: "نواصل ونضمن سلامة طواقمنا في محطة الفضاء الدولية ونقوم بمشاريع مشتركة".

وبحسب وكالة "فرانس برس" فقد ولّد إطلاق الصاروخ كمية كبيرة من الحطام، تهدد آلاف الأقمار الاصطناعية التي تعتمد عليها دول العالم في العديد من الأنشطة مثل الاتصالات وتحديد المواقع وغيرهما.

والقدرة على تدمير أقمار اصطناعية تابعة لدول أخرى أو على شن هجمات من الفضاء، يمكن أن تشكل ميزة عسكرية استراتيجية، لكن تطوير مثل هذه القدرات يهدد بإثارة سباق تسلح لا يمكن التكهن بعواقبه.

وقطاع الفضاء المدني هو من المجالات القليلة التي تشهد تعاوناً هادئاً نسبياً بين الأميركيين والروس، فيما يتواجهون بشدة في العديد من الملفات الدولية.