تشهد الجزائر، الاثنين، مشاورات سياسية على مستوى الأمناء العامين لوزارتي الشؤون الخارجية الجزائرية والفرنسية، تتناول العلاقات الثنائية، وسط تساؤلات بشأن تأثير تحركات فرنسية في ملف الذاكرة على علاقات الجزائر وباريس.
وتأتي المشاورات بعد يومين من اتصال هاتفي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في أهم تواصل رسمي بين البلدين، منذ الأزمة غير المسبوقة في العلاقات الثنائية، على خلفية تصريحات أدلى بها ماكرون في أكتوبر الماضي، شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر عام 1830.
وتناول الرئيسان خلال مباحثاتهما الهاتفية، السبت، قضايا الذاكرة والتاريخ بين البلدين وفق الرئاسة الفرنسية.
وأعرب الرئيس الفرنسي خلال المكالمة عن عزمه تهدئة ذكريات "الاستعمار والحرب في الجزائر"، وقال إنه مستعد للعمل في هذا الموضوع مع نظيره الجزائري، لا سيما في ما يتعلق بالبحث عن المفقودين، وصيانة المقابر الأوروبية في الجزائر.
تحركات فرنسية
وصادق مجلس الشيوخ الفرنسي، الأربعاء الماضي، على نص مشروع قانون يطلب "الاعتذار" من الحركيين الجزائريين الذين ساندوا فرنسا خلال الثورة الجزائرية، وتخلت عنهم بعد حرب التحرير الجزائرية التي امتدت بين عامي 1954 و1962، إذ يهدف القانون إلى محاولة "إصلاح" ما لحق بهم من أضرار ومعاناة.
وخلال لقاء ماكرون بجمعيات تمثل "الأقدام السوداء"، وهم فرنسيون ولدوا في الجزائر ثم انتقلوا للعيش في فرنسا بعد الاستقلال، اعتبر الرئيس الفرنسي حادثة إطلاق النار في شارع إيسلي بالجزائر العاصمة في مارس 1962، والتي قتل خلالها الجيش الفرنسي العشرات من أنصار "الجزائر الفرنسية" حادثة "لا تغتفر" بالنسبة للجمهورية الفرنسية.
وجاءت تلك التحركات الفرنسية المتعلقة بملفي "الحركيين والأقدام السوداء"، خلال يناير الجاري، وسط صمت رسمي جزائري، وأعادت للواجهة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، كما أثارت ردود فعل متباينة بين من يعتبرها قضايا فرنسية داخلية ومن يرى أنها خطوات مستفزة للجزائر .
شأن فرنسي
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الجزائري محمد هاني لـ"الشرق"، إن الجزائر لم تعلق على الخطوات الفرنسية، على اعتبار أن ملف الحركيين شأن داخلي فرنسي لا يخص الجزائر، لأن "الحركيين والأقدام السوداء مواطنون فرنسيون".
وجدد هاني مطالب بلاده باعتذار شامل من فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر، مضيفاً أن هناك اتصالات جزائرية فرنسية، التمس من خلالها الطرف الجزائري نوايا جادة من فرنسا لإقامة علاقات متوازنة بين البلدين.
من جهته، اعتبر النائب عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية علي ربيج لـ"الشرق" أن خطوات ماكرون في ملف الذاكرة تغذيها حسابات الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتهدف إلى كسب أصوات الناخبين من الحركيين والأقدام السوداء، مشيراً إلى أن ماكرون يواجه منافسة من زعيمة اليمين مارين لوبان وأيضا اليميني إريك زمور.
وأكد ربيج، وهو أستاذ في العلاقات الدولية، أن الخطوات الفرنسية الأخيرة لا تخدم العلاقات الجزائرية الفرنسية في جانبها التاريخي.
"خطوة مستفزة"
وأثارت الخطوات الفرنسية حفيظة أوساط سياسية جزائرية. وقال زكريا بلخير، وهو منسق مبادرة برلمانية عن مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي لـ"الشرق"، إن الخطوة الفرنسية مستفزة ومراوغة لمطالب الجزائر بالاعتراف والاعتذار عن جرائمها الاستعمارية، إضافة إلى إعادة الأرشيف وكشف خرائط التفجيرات النووية في الجزائر.
كما اعتبر المؤرخ لحسن زغيدي في حديثه لـ"الشرق" أن فرنسا تعالج ملف الذاكرة مع الجزائر وفق منظور واتجاه أحادي وانتقائي، وفي إطار ما لا يغضب اليمين الفرنسي المتطرف.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية محمد سي البشير لـ"الشرق" تأثر علاقات البلدين بالخطوات الفرنسية الأخيرة، خلال فترة الحملات الانتخابية، على اعتبار أن الجزائر تنتظر نتائج الانتخابات الفرنسية المقبلة، لفتح نقاش رسمي بين صانعي القرار في البلدين، في إطار بناء علاقات جديدة بين البلدين، قائمة على الندية أساسها تسوية ملف الذاكرة، بما يحفظ حقوق الجانب الجزائري الذي يطالب بالاعتراف والاعتذار.
كانت وزارة الخارجية الجزائرية قد استدعت سفيرها في 2 أكتوبر الماضي، على خلفية تصريحات ماكرون التي ردت عليها الجزائر بمنع مرور الطائرات العسكرية الفرنسية في أجوائها، وجمّدت الاتصالات السياسية بين البلدين.
وفي ديسمبر الماضي، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجزائر، وأجرى مباحثات مع تبون بهدف إحياء العلاقات بين البلدين.