لعبة التوازنات الجيوسياسية تعيد "أرض الصومال" للواجهة

time reading iconدقائق القراءة - 14
وزير خارجية أرض الصومال خلال لقائه رئيسة تايوان تساي إينج وين في العاصمة التايوانية تايبيه 9 فبراير 2022 - REUTERS
وزير خارجية أرض الصومال خلال لقائه رئيسة تايوان تساي إينج وين في العاصمة التايوانية تايبيه 9 فبراير 2022 - REUTERS
دبي-الزبير الأنصاري

أعادت التحركات الأخيرة لـ"جمهورية أرض الصومال"، غير المعترف بها دولياً، هذا الإقليم الواقع شمال الصومال إلى الواجهة، في ظل مساعيه للحصول على اعتراف بالاستقلال.

وزار وفد من أرض الصومال خلال الأسبوع الجاري تايوان، لبحث العلاقات الاقتصادية وفرص الاستثمار في قطاع التعدين بالإقليم، وهو ما قابلته الصين بتنديد رسمي.

وتعتبر بكين تايوان جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وتتوعد بإعادة ضمها في المستقبل ولو بالقوة إذا لزم الأمر. وفي السنوات الأخيرة، شكل مصير تايوان التي تدعمها أميركا، مصدر توتر بين بكين وواشنطن.

ورداً على تنديد بكين بهذه الزيارة، قال وزير خارجية "أرض الصومال" عيسي كايد، الجمعة، إن الصين "لا يمكنها" أن تملي على بلاده مع من يجب أن تقيم علاقات، لأنها ذات سيادة وولدت حرة"، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز".

وأضاف كايد: "ولدنا أحراراً وسنظل أحراراً.. سندير شؤوننا كما نريد.. لا الصين ولا أي بلد آخر يمكن أن يملي علينا ما نفعل". ولفت إلى أن أرض الصومال "منفتحة على التعامل مع كل من يحترمها كبلد ذي سيادة"، مضيفاً أنهم "يريدون التعامل دون أي قيود أو شروط".

وكان كايد أفاد في حديث مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في فبراير الجاري، أن أرض الصومال تستعد لتقديم عرض للولايات المتحدة، من أجل استخدام أراضيها من قبل الجيش الأميركي، مقابل الاعتراف بها.

أرض الصومال

حاولت أرض الصومال، المحمية البريطانية السابقة في شمال غربي الصومال، مرات عدة الحصول على اعتراف دولي، لكنها لم تحصل عليه.

وتقع أرض الصومال في موقع استراتيجي بالقرن الإفريقي، ويحدها خليج عدن من الشمال وتشترك في حدودها مع جيبوتي في الغرب وإثيوبيا في الجنوب، وتبلغ مساحتها أكثر من 176 ألف كيلومتر مربع، مع خط ساحلي يمتد حتى 800 كيلومتر على طول البحر الأحمر.

ونالت "أرض الصومال" استقلالها عن بريطانيا في عام 1960، قبل أيام قليلة من حصول بقية الصومال، الذي كان تحت الإدارة الإيطالية، على استقلاله.

واعترفت حينها عشرات الدول بأرض الصومال، قبل أن تدخل في اتحاد مع الصومال، لكن اتهامات بتهميش المناطق الشمالية دفعت ساسة أرض الصومال إلى محاولات للتمرد على مقديشو.

وتطورت هذه المحاولات إلى حرب أهلية في أواخر الثمانينات، مع قيام جيش الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري بقصف منطقة هرجيسا، عاصمة أرض الصومال، وسقط خلالها عشرات الآلاف من الأشخاص.

إعلان الاستقلال

وعقب الحرب الأهلية، وما تلاها من الإطاحة بحكومة البلاد في بداية عام 1991، تمكنت مجموعة "الحركة الوطنية الصومالية" المعارضة من تأمين المناطق التي تُشكل ما كان يعرف سابقاً بالصومال البريطاني، ثم في مايو 1991 أعلنت هذه المجموعة من طرف واحد أن النظام الفيدرالي لم يعد سارياً، وأن الإقليم بات دولة مستقلة، تعرف بـ"جمهورية أرض الصومال".

وعلى الرغم من عدم الاعتراف الدولي بهذه الدولة، إلا أنَّ الإقليم يشهد حالة من الاستقرار النسبي، تجعله بمثابة النقيض التام للمشهد العام في الصومال. واستغلت حكومة "أرض الصومال" هذا الاستقرار لإعادة بناء أجزاء كبيرة من البنية التحتية للإقليم، التي تضررت خلال سنوات الحرب الأهلية.

ومنذ أواخر التسعينات، عاش الإقليم حالة من التوتر مع إقليم "بونتلاند" (أرض البنط) الواقع في الأجزاء الشمالية الشرقية من الصومال، والذي أعلن إقامة حكم ذاتي، وذلك بسبب تنازعهما السيادة على إقليمي "سناج" و"صول". وأدى هذا الخلاف إلى مواجهات عسكرية متفرقة.

وفي عام 2001، وبعد 10 أعوام من إعلانها الانفصال عن الصومال، نظمت حكومة أرض الصومال استفتاء أظهرت نتائجه دعم سكان الإقليم لدعاوى الاستقلال. وفي عام 2003 رفضت حكومة الإقليم دعوات للمشاركة في محادثات سلام كانت تهدف إلى إعادة توحيد الصومال، متذرعة بأن وضعها المستقل يمنعها من أن تكون طرفاً في مثل هذا النوع من المحادثات.

متطلَّبات الدولة

ومنذ إعلانها الاستقلال، تعاقب على "أرض الصومال" خمسة رؤساء، كان أولهم عبدالرحمن أحمد علي طور، الذي أدى اليمين رئيساً في 7 يونيو 1991، وفي عام 1993 تم انتخاب محمد إبراهيم عقال رئيساً، ليعقبه بعد وفاته في عام 2002 نائبه ضاهر ريالي كاهين.

وفي يونيو 2010 تم انتخاب أحمد محمود سيلانيو رئيساً، ومنذ ديسمبر 2017 يرأس أرض الصومال موسى بيهي عبدي.

 وترى حكومة أرض الصومال أنها تفي بجميع متطلبات الدولة، فلديها عدد سكان دائم يقدر بـ4 ملايين نسمة، ومنطقة محددة بمساحة إجمالية تزيد على 176 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى القدرة على الدخول في علاقات مع الدول ذات السيادة، ووجود مؤسسات للحكم من رئاسة وبرلمان ومستشارين محليين منتخبين.

كما أنها تتمتع أيضاً بجيشها الخاص وعملتها الخاصة وعلمها الخاص، ولها دستور مستقل في مواده وتكوينه عن دستور الصومال. 

التوازنات الجيوسياسية    

ومؤخراً كثفت "أرض الصومال" تحركاتها في اللعب على التوازنات الجيوسياسية الدولية في محاولة للحصول على اعتراف من بعض القوى الدولية الكبرى.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن موسى بيهي عبدي، رئيس "أرض الصومال" يستعد لتقديم عرض للرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن استخدام الجيش الأميركي ميناء بحرياً ومطاراً جوياً، استراتيجيين، مقابل "الاعتراف بالمنطقة كدولة ذات سيادة".

ونقلت الصحيفة عن وزير خارجية أرض الصومال عيسى كايد، توقعه أن بايدن "سيرحب بالتأكيد بوجود الولايات المتحدة وحماية الممرات المائية في مدينة بربرة"، إذ تقع المدينة على خليج عدن، وهو طريق رئيس يربط بين المحيط الهندي وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.

ورأت الصحيفة أن عوامل عدة، بينها خيبة الأمل الأميركية في الصومال الغارق في خلاف سياسي، وفشل واشنطن في القضاء على "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، إلى جانب المخاوف بشأن الوضع في كل من إثيوبيا والسودان، ستزيد من تعاطف الكونجرس مع "أرض الصومال".

التنافس الصيني الأميركي

كما أن افتتاح الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، المتاخمة لأرض الصومال على مضيق باب المندب، قد يدفع أيضاً بالأمور في هذا الاتجاه، خصوصاً في ظل تسابق الولايات المتحدة والصين على النفوذ في إفريقيا.

وترى سلطات "أرض الصومال"، بحسب "وول ستريت جورنال"، أن المنافسة الشديدة بين القوتين العظميين بمثابة "فرصة لضمان الوضع الدولي"، الذي طالما سعت إليه.

وتأتي زيارة مسؤولي أرض الصومال إلى تايوان الأسبوع الجاري أيضاً في سياق هذا التوجه من أرض الصومال للعب على التنافس الصيني الأميركي في القرن الإفريقي، ومحاولة انتزاع الاعتراف الأميركي عن طريق انتهاج مواقف أقرب إلى رؤية الولايات المتحدة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية الأسبوع الجاري، إن تايوان "تُذكي النيران لتقويض استقلال ووحدة البلدان الأخرى وتضر الآخرين دون تحقيق النفع لنفسها، باستضافة وفد وزاري رفيع المستوى من أرض الصومال".

ووفقاً لموقع "ذا أفريكان ريبورت" المتخصص في الشأن الإفريقي، فإنه من المتوقع أن يجري رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي أول زيارة له إلى الولايات المتحدة منذ انتخابه في 2017، وذلك عقب زيارة في نوفمبر الماضي أجراها وزير خارجية أرض الصومال عيسى كايد.

ورأى الصحافي السوداني المختص في الشأن الإفريقي محمد حسن كبوشية في تصريحات لـ"الشرق"، أنَّ هذا التقارب قد يدفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بأرض الصومال، للاستفادة مما يمكن أن تقدمه في دعم وانتشار القوى الدولية الكبرى في منطقة القرن الإفريقي، وإنشاء القواعد العسكرية التي تتيح التحكم بالعقدة البحرية الرابطة ما بين مضيق المندب والمحيط الهندي.

قصة مدينتين

ويرى أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الإفريقية في جامعتي زايد والقاهرة، الدكتور حمدي عبد الرحمن، أن قصة أرض الصومال، ودولة الصومال أشبه ما تكون بقصة مدينتين استطاعت إحداهما أن تنجح في ما فشلت فيه الأخرى.

وقال حمدي في تصريحات لـ"الشرق"، إن أرض الصومال "تقوم مقام الدولة الناجحة حيث تمكنت حتى الآن من تنظيم 5 انتخابات، وفيها تداول للسلطة والاستقرار، والآن المعارضة تسيطر على البرلمان، بينما عجزت دولة الصومال عن تحقيق الاستقرار على الرغم من الاعتراف الدولي".

وأشار حمدي إلى أن هذا الاستقرار يفسر انعدام الحركات المسلحة مثل حركة الشباب في أرض الصومال، معتبراً أن "أرض الصومال استطاعت تقديم نموذج في التنمية على الرغم من محدودية مواردها واعتمادها على التحويلات المالية من الخارج".

الاعتراف الدولي

لكن مع هذا الاستقرار السياسي، إلا أن أرض الصومال لا تحظى حتى الآن باعتراف دولي، وليست هناك دولة تعترف بها، على الرغم من وجود ممثليات لبعض الدول في الإقليم.

وتقول حكومة "أرض الصومال" على موقعها الإلكتروني إن "لديها ممثلين في أكثر من 20 دولة، وهناك أعداد متزايدة من القنصليات الأجنبية والمكاتب التمثيلية العاملة في أرض الصومال".

وقال حمدي عبد الرحمن إن الاعتراف في العلاقات الدولية يظل في الأخير "عنصراً مكملاً وليس منشئاً"، لافتاً إلى أن هناك تحركات في هذا الاتجاه خلال الفترة الأخيرة، بما في ذلك نقاش في البرلمان البريطاني حول وضع الإقليم، وقيام إثيوبيا بتعيين سفير لها في هرجيسا عاصمة أرض الصومال.

واعتبر حمدي أنَّ أرض الصومال تحظى بنوع من الاعتراف بحكم الأمر الواقع "دي فاكتو"، فعندما تستقبل دولة مثل إثيوبيا رئيس أرض الصومال، وتعين سفيراً لها، فهذا لا يمكن تسميته بغير الاعتراف، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة تحركاً في اتجاه إثارة قضية الاعتراف الدولي بأرض الصومال، خصوصاً في ظل الأهمية الاستراتيجية لميناء مدينة بربرة في الإقليم، ومحاولة بعض الدول إيجاد موطئ قدم لها في هذه المدينة.

لكن أستاذ العلوم السياسية بـ"جامعة إفريقيا العالمية" في الخرطوم، الدكتور محمد خليفة صديق، يرى أنه "من الصعب جداً في هذا التوقيت أن تحصل أرض الصومال على الاعتراف الدولي"، مشيراً إلى وجود معارضة قوية لهذا الأمر في الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وهما المنظمتان اللتان تعد الصومال عضواً فيهما.

ولفت صديق في حديث مع "الشرق"، إلى أنَّ "معظم الدول التي تتعامل مع هذا الإقليم، إنما تفعل ذلك في إطار العلاقات مع الدولة الأم، وباعتبار الإقليم جزءاً من الصومال وليس جمهورية مستقلة"، على حد وصفه.

وقال صديق إنه "ما لم تحدث تغيرات كبيرة في المنطقة فلن يكون هناك أي اعتراف بأرض الصومال"، مشيراً مع ذلك إلى أن تطورات مثل الوضع الإثيوبي، واحتمالية انفصال إقليم مثل تيجراي، قد يشجع أرض الصومال على المضي في مطالباتها بالاعتراف الدولي.

خلافات داخلية

لكن حالة الاستقرار السياسي التي ميزت أرض الصومال ليست مسألة مضمونة دائماً، مع بدء ظهور الخلافات والتنافس المحموم بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة في أرض الصومال.

ونشأت هذه الخلافات، وفقاً لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، عقب انتخابات 2017 الرئاسية، عندما طعن حزب المعارضة الرئيسي "واداني" في نتائج الانتخابات التي فاز بها الحزب الحاكم "كولمي"، مشيراً إلى وجود مخالفات منهجية، ومعلناً أنه لم بعد يثق في اللجنة الوطنية للانتخابات في أرض الصومال.

وعلى الرغم من تمكن الجانبين من طي هذه الخلافات في أغسطس 2020، إثر وساطات قادتها شخصيات من المجتمع المدني ودبلوماسيون أوروبيون، إلا أن مجموعة الأزمات الدولية توقعت تجدُّد الخلافات في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر 2022.

وأشارت المجموعة إلى أن هذه الخلافات قد تهدد الاستراتيجية الأساسية لأرض الصومال، القائمة على المطالبة بالاعتراف الدولي من خلال تكريس صورة الإقليم المستقر سياسياً وأمنياً، في وسط مضطرب.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات