ترتبط السمنة ارتباطاً وثيقاً بزيادة خطر الإصابة بأنواع عدة من السرطان، إذ تؤدي للإصابة بالتهاب مزمن منخفض الدرجة، وفيه تفرز الأنسجة الدهنية العديد من الجزيئات التي ترفع مستويات الالتهابات، مثل السيتوكينات والأديبوكينات، والتي تعزز بدورها نمو الورم وتطوره.
ويمكن أن يؤدي الالتهاب المزمن أيضاً إلى تلف الحمض النووي والطفرات، ما يزيد من خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، لكن هل يُمكن أن ترفع أنواع محددة من السمنة احتمالات الإصابة بالسرطان مقارنة بأنواع أخرى؟
أفاد بحث جديد من المنتظر عرضه في المؤتمر الأوروبي حول السمنة، بأن كل أشكال السمنة الأيضية وغير الأيضية مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات، مع وجود علاقة أقوى في السمنة غير الصحية من الناحية الأيضية.
والسمنة غير الصحية الأيضية هي مصطلح يستخدم لوصف نوع فرعي معين من السمنة التي تتميز بوجود تشوهات التمثيل الغذائي إلى جانب الدهون الزائدة في الجسم.
وتشمل هذه الاضطرابات الأيضية عادة مقاومة الأنسولين، وعسر شحميات الدم (مستويات غير طبيعية من الدهون في الدم، مثل ارتفاع الدهون الثلاثية وانخفاض كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة)، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب مزمن منخفض الدرجة.
مخاطر متزايدة
وأشارت الدراسة إلى أن المصابين بالسمنة الأيضية لديهم مخاطر متزايدة لتطوير ظروف صحية مزمنة مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بصحة جيدة، على الرغم من إصابتهم بالسمنة. وقد تشمل هذه الحالات مرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض الكبد الدهني غير الكحولي.
ويُعتقد أن الالتهاب المزمن في حالة السمنة الأيضية يلعب دوراً في التسبب في السرطانات المرتبطة بالسمنة.
وفي البحث الجديد، حقق المؤلفون في مؤشر كتلة الجسم بشكل مشترك وفي التفاعل مع الحالة الصحية الأيضية، في ما يتعلق بمخاطر الإصابة بالسرطان المرتبطة بالسمنة بين أكثر من 797 ألف شخص أوروبي.
وتم استخدام درجة التمثيل الغذائي، التي تضم ضغط الدم وجلوكوز البلازما والدهون الثلاثية (دهون الدم)، لتحديد الحالة الصحية وغير الصحية من الناحية الأيضية، واستخدمت النمذجة الإحصائية لتقدير أي علاقة.
دراسة على 6 فئات
ووفقاً للدارسة، قُسم المشاركون إلى 6 فئات مختلفة هي المصابين بالسمنة غير الصحية الأيضية (6.8% من المشاركين)، السمنة الصحية الأيضية (3.4%)، وزيادة الوزن غير الصحية الأيضية (15.4%)، وزيادة الوزن الصحية الأيضية (19.8%)، والوزن الطبيعي غير الصحي من الناحية الأيضية (12.5%)، والوزن الطبيعي الصحي الأيضي (42.0%).
وكانت السمنة غير الصحية من الناحية الأيضية، مقارنة بالوزن الطبيعي الصحي من الناحية الأيضية، مرتبطة بزيادة المخاطر النسبية لأي سرطان مرتبط بالسمنة والقولون والمستقيم والبنكرياس وبطانة الرحم والكبد والمرارة وسرطان الخلايا الكلوية، مع أعلى تقديرات لمخاطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم والكبد، والخلايا الكلوية بمعدل زيادة يبلغ نحو 3 أضعاف.
وفي النساء، مقارنة بنظيراتهن ممن يتمتعن بصحة جيدة من الناحية الأيضية وذوات الوزن الطبيعي، كان لدى النساء المصابات بالسمنة الأيضية خطر متزايد بنسبة 21% للإصابة بسرطان القولون، وزيادة خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم بمقدار 3 مرات، و2.5 ضعف خطر الإصابة بسرطان الكلى.
وتزداد مخاطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم لدى النساء الأصحاء من الناحية الأيضية المصابات بالسمنة بمقدار 2.4 مرة، ويزيد خطر الإصابة بسرطان الكلى بنسبة 80%، لكن العلاقة مع سرطان القولون لم تعد ذات دلالة إحصائية.
"الكلى والقولون" في الرجال
أما لدى الرجال، مقارنةً بالأصحاء منهم ممن يتمتعون بصحة جيدة من ذوي الوزن الطبيعي، فإن الرجال المصابين بالسمنة الأيضية والمصابين بالسمنة يزيد لديهم خطر الإصابة بسرطان الكلى بنسبة 2.6 مرة، ويزيد خطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة 85% ويزيد خطر الإصابة بسرطان البنكرياس والمستقيم بنسبة 32%.
وكان لدى الرجال الأصحاء من الناحية الأيضية والمصابين بالسمنة خطر متزايد للإصابة بسرطان الكلى بنسبة 67%، وخطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة 42%، لكن العلاقة مع كل من سرطان البنكرياس وسرطان المستقيم لم تكن ذات دلالة إحصائية.
وفي اكتشاف غير معتاد، كان لدى كل من الرجال الأصحاء وغير الأصحاء الذين يعانون زيادة الوزن وليس السمنة، خطراً متزايداً بنسبة 50% للإصابة بالورم النقوي المتعدد السرطاني، ومع ذلك لم يكن لدى الرجال الأصحاء أو غير الأصحاء المصابين بالسمنة خطراً متزايداً للإصابة بهذا السرطان.
وبين الرجال فقط، تشير البيانات إلى أن السمنة مع المضاعفات الأيضية تزيد من خطر الإصابة بهذه السرطانات المرتبطة بالسمنة أكثر من المتوقع من مجموع عامل الخطر على حدة.
السمنة المركزية والمحيطية
وأشارت بعض الدراسات السابقة إلى ارتباط أنواع مختلفة من السمنة بمجموعات متنوعة من الأمراض، فالسمنة المركزية والتي تتميز بتراكم الدهون بشكل أساسي في منطقة البطن، ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع 2 ومتلازمة التمثيل الغذائي.
أما السمنة المحيطية والتي تؤدي لتراكم الدهون في الغالب في الوركين والفخذين والأرداف تُزيد من خطر حدوث مضاعفات التمثيل الغذائي، إذ تزيد السمنة الصحية الأيضية والتي تُقاس بناءً على مؤشر كتلة الجسم مع التمتع بصورة استقلابية صحية نسبياً بزيادة حساسية الأنسولين الطبيعية وضغط الدم ومستويات الدهون.
وتؤدي السمنة المرضية، والمعروفة أيضاً باسم السمنة المفرطة أو السمنة من الدرجة الثالثة وتشير إلى الأفراد الذين يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم 40 أو أعلى، فترتبط بزيادة كبيرة بخطر الإصابة بحالات صحية خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع 2 وتوقف التنفس أثناء النوم ومشكلات المفاصل وبعض أنواع السرطان.
ويُنصح دائماً بالحفاظ على وزن ونمط حياة صحي لتقليل خطر الإصابة بالسرطانات المرتبطة بالسمنة، إذ يمكن أن يساعد النشاط البدني المنتظم والنظام الغذائي المتوازن والفحوصات الصحية المنتظمة في الوقاية والكشف المبكر عن هذه السرطانات.