قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال جلسة عامة من أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي بمدينة سان بطرسبرغ الروسية شارك فيها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن الجهود الغربية لعزل روسيا، مشدداً على أن بلاده ستبقى منخرطة بقوة في الاقتصاد العالمي رغم عقوبات الغرب.
وقال بوتين إنه وبالرغم من العقوبات الغربية "لم تمش روسيا على درب العزلة"، مشيراً إلى أن بلاده رفعت خلال العام الماضي المعاملات التجارية مع شركائها.
وأوضح أن هذه المعاملات التجارية لعبت "دور القاطرة في تطوير اقتصادنا". مشيراً إلى أن لروسيا "آفاقاً تجارية واعدة مع الصين والهند وتركيا".
وأضاف: "الدول الرائدة التي لا تخضع للضغوطات الغربية، زاد حجم التعاملات معها، والآن أصبحت الأسواق الاقتصادية تعمل بشكل أكبر مقارنة بالتغيرات السياسية"، معتبراً أن "النظام الاستعماري القديم بدأ يزول لصالح عالم متعدد القطبية".
وانتقد الرئيس الروسي محاولات الغرب لعزل الاقتصاد الروسي من النظام المالي العالمي، قائلاً إن "أعداء روسيا تعودوا على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغبون في أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية ولا يرغبون بأي منافسة، ويكبحون مراكز التنمية والتطور".
وشدد على أن روسيا كانت ولا تزال منخرطة بقوة في النسيج الاقتصادي الدولي، مشيراً إلى أن 90% من معاملات روسيا التجارية مع دول الاتحاد الأوراسي تجري بالروبل الروسي، فيما تجري 80% من المعاملات التجارية مع الصين بالروبل واليوان.
الشركات الأجنبية
وأكد بوتين أن بلاده تشجع الاستثمار الخارجي في روسيا وتوفر الظروف المناسبة لذلك، منتقداً في الوقت ذاته ضغوط الدول الغربية على الشركات الأجنبية للانسحاب من روسيا.
وقال إن روسيا لم تطرد أي شركة أجنبية من السوق الروسية، قائلاً إن "تلك الشركات لم تستطع مقاومة الضغوط الغربية".
غير أنه أشار إلى أن انسحاب تلك الشركات لم يؤثر على السوق المحلي، قائلاً إن روسيا تضمن رواتب موظفي هذه الشركات، فيما تدعم العلاقات التجارية المحلية.
إلى ذلك، شدد على أن أبواب بلاده ستظل مفتوحة أمام الشركات الأجنبية وتوفر الظروف اللازمة لعودتها.
وقال إن "روسيا لا تخاف من منافسة الشركات الأجنبية، ولكن سلوكها (سياساتها مع الغرب) سيؤخذ في عين الاعتبار".
"الاستراتجية الروسية نجحت"
واعتبر بوتين أن الربع الثاني كان هو الأشد صعوبة بالنسبة للاقتصاد الروسي في 2022، مع تصاعد العقوبات الغربية ضد موسكو عقب غزو أوكرانيا.
وأضاف: "حينها تطورت الأمور بسرعة واليوم يمكنني القول بكل تأكيد أن استراتيجية روسيا نجحت"، مشيراً إلى أن حكومته حافظت على تنافسية الاقتصاد الروسي في مجال التنمية.
وفي السياق أشار الرئيس الروسي إلى أن الناتج المحلي زاد بنسبة 3.3% في أبريل الماضي، وتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة تتراوح بين 1.5 و2% بحلول نهاية العام الجاري.
وفيما أشار إلى زيادة في عائدات روسيا النفطية، قال إن التخلي عن "لعنة النفط والغاز يكتسب زخماً". وفي السياق، أوضح أن مؤشرات الصناعات التحويلية بلغت 2.9% على الرغم من تعرض هذا القطاع للضربة الأكبر من "الحصار"، في إشارة إلى العقوبات الغربية.
كما أشار إلى أن بلاده تسعى إلى زيادة قدراتها في مجالات الزراعة والصناعة والنقل، مضيفاً: "نحن ننتقل إلى مستوى جديد من التنمية وهو الاقتصاد السيادي".
وأشار بوتين إلى أن روسيا حافظت على السياسة المالية الائتمانية المتزنة بالرغم من اضطرارها لرفع الإنفاق العسكري، وهو ما مكنها من تسجيل أدنى مستويات البطالة والتضخم.
وقال إن التضخم في روسيا توقف عند 2.2% "في سابقة تاريخية"، مشيراً إلى أن ذلك أقل من "المستويات المسجلة في الدول الغربية".
الصناعة العسكرية
ودافع الرئيس الروسي عن زيادة الإنفاق العسكري، قائلاً إن "موسكو ملزمة بزيادة الإنفاق الدفاعي لضمان أمن البلاد".
وبسؤاله عن الهجوم الأوكراني المضاد، قال إن بعض الوحدات الأوكرانية تصل إلى خط الدفاع الأول في بعض جبهات القتال، لكنها تفشل في مناطق أخرى.
وتابع: "القوات الأوكرانية تستخدم الاحتياطي الاستراتيجي لخرق الدفاعات الروسية، دون أن يحققوا أي نجاح في أي قطاع من الجبهة".
وأشار إلى أنه "كل يوم تتزايد خسائر أوكرانيا من العتاد العسكري والجنود. لكن أهم شيء لم يحقق الجانب الأوكراني أي نجاح في الهجوم المضاد، مشدداً على أن "القوات الأوكرانية ليس أمامها أي فرصة لتحقيق أي تقدم في الهجوم المضاد".
وأضاف أن "البلدان الغربية تبذل قصارى جهدها لكي تلحق بروسيا هزيمة استراتيجية في ساحة القتال"، مشدداً في الوقت ذاته على أن بلاده وضعت "أمام أعينها مهمة القضاء على النازية في أوكرانيا وتدمير آلتها العسكرية".
وأردف: "قريباً لن يتبق لأوكرانيا أي عتاد عسكري.. كل ما تستخدمه كييف حالياً هو عتاد حربي غربي. وهذا الأمر لن يستمر للأبد".
في المقابل، يقول بوتين، "فإن الصناعة العسكرية الروسية تتطور من حيث الإنتاج والقوة. بعض المؤسسات والمصانع العسكرية في روسيا تعمل ليل نهار، وهو ما يضمن لنا احتياطياً كبيراً من العتاد".
بوتين: أسلحتنا أكثر من الناتو
وأضاف بوتين أن بلاده "لديها أسلحة أكثر مما لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)"، مشيراً إلى أن "هناك مجموعة أولى من الرؤوس والأسلحة النووية التكتيكية وصلت بيلاروس بالفعل".
وتابع: "الجيش الروسي بإمكانه تدمير أجزاء من وسط كييف لكنه اختار ألّا يفعل ذلك لعدة أسباب (لم يحددها)".
وأشار إلى أن "الهجمات التي تتعرض لها المناطق الروسية الحدودية تهدف إلى تشتيت انتباه القوات الروسية عن جبهات أخرى".
تبون يشجع على العمل المشترك
من جانبه، أشاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال خطابه في الجلسة العامة لأعمال المنتدى الاقتصادي الدولي، بـ "الخطة الاقتصادية الكبرى" التي عرضها بوتين خلال الجلسة العامة، وقال إنه يتمنى التوفيق لروسيا في تطبيقها.
وقال تبون إنه ليس بإمكان أي دولة أن تواجه الأزمات المتفاقمة التي يشهدها العالم المعاصر، مشيداً بمساهمة موسكو في تخفيف جانب من الأزمة الراهنة وذلك عبر تسهيل تصدير الحبوب ومساهمتها في استقرار أسعار الطاقة العالمية.
ودعا الرئيس الجزائري إلى تضافر المساعي والعمل الجماعي وفق مقاربة تضامنية تأخذ بعين الاعتبار مصالح وانشغالات كل الأطراف، لاسيما الدول الفقيرة التي تعاني من الاضطرابات والحروب.
ولفت إلى أن التعاون بين الجزائر وروسيا لا يتوقف على التبادل التجاري، بل يشمل كذلك الصناعي والفلاحي والعلمي والتقني، ويحرص على التشاور المنتظم وتبادل وجهات النظر على مستوى "أوبك+" لضمان استقلال أسعار سوق الطاقة العالمي.
وأشار تبون إلى أن المحادثات التي أجراها، الخميس ،مع بوتين كانت "فرصة لتجديد إرادة البلدين للارتقاء بالعلاقات الاستراتيجية إلى المستويات التي يطمح إليها البلدان".
الاستثمار في الجزائر
وقال تبون إن الجزائر تشهد "مرحلة مهمة في مسيرتها التنموية، إذ أصبحت وجهة واعدة للاستثمار بفضل الإصلاحات التي جسدتها الحكومة والتحفيزات التي تقدمها للمتعاملين الاقتصاديين".
وشدد على أن بلاده عازمة "على تنفيذ خطة استثمارية طموحة في السنوات المقبلة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والفلاحية والمنتجات الصيدلانية والصناعات المختلفة، بما فيها الصناعة الغذائية والصناعة التحويلية".
وفي السياق، أكد أن "المجال مفتوح أمام المتعاملين الاقتصاديين الذين يمكنهم الاعتماد على دعم الحكومة الجزائرية للمستثمر".
ودعا الشركات العمومية والخاصة في روسيا والعالم إلى "استكشاف بيئة الأعمال في الجزائر والاستفادة من المحفزات التي تتيح لهم الاستفادة من إنجاز مشاريع استثمارية في مختلف المجالات، وفق مبدأ رابح رابح".
واعتبر أن الجزائر "ضمن البلدان الإفريقية القليلة التي ليست لها مديونية خارجية، فيما تسجل في الوقت الحالي نوماً بنسبة 4.3%، وهو عكس ما يجري في البلدان الأخرى المجاورة في القارة"، على حد تعبيره.
وأوضح أن هذه الوثيرة ستزداد انطلاقاً من سنة 2023 الجارية بوضع قانون استثمار جديد يعطي كل الامتيازات للمستثمرين ويمنحهم حماية خاصة،مع ضمانات بعدم تغير القانون بمجرد تمريره لمدة 10 سنوات القادمة.
وكان الرئيس الجزائري حل الثلاثاء بموسكو في زيارة رسمية تمتد لـ3 أيام، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين، على خلفية دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأجرى رئيسا البلدين، الخميس، مباحثات وصفها بوتين بـ"المثمرة"، أعقبها التوقيع على "إعلان الشراكة العميقة" بين البلدين.
اقرأ أيضاً: