بعد أسابيع من الجدل والسجال بين مجلسي العموم واللوردات، أقر قانون حظر المهاجرين غير الشرعيين في المملكة المتحدة. لم يعد هناك سوى تصديق القصر الملكي على التشريع، حتى يحرم كل مهاجر يصل البلاد بطريقة غير قانونية من تقديم طلب لجوء، أو العودة لبريطانيا بعدما يتم ترحليه إلى وطنه الأم أو وجهة ثالثة آمنة.
القانون تعرض لانتقادات وإدانات داخلية وخارجية، لكن حكومة "حزب المحافظين" تراه خطوة هامة لتنفيذ وعودها في وقف "هجرة القوارب" إلى بريطانيا. أما الخطوة التالية فهي الطعن أمام المحكمة العليا، ضد قرار القضاء بعدم قانونية خطة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا في القارة الإفريقية.
وبالتزامن مع إقرار القانون الجديد، رست البارجة "بيبي ستوكهولم" في ميناء دورست جنوب غربي البلاد، لتصبح موطناً لأكثر من 500 مهاجر، ينتظرون حسم مصيرهم بين قبول طلبات لجوئهم أو إبعادهم.
تنازلات الحكومة
ويتيح القانون الجديد للسلطات المختصة احتجاز وإبعاد الأشخاص الذين يدخلون إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني.
ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية، لن يتمكن هؤلاء من الاستئناف أو الطعن في محاولات إبعادهم إلى وطنهم الأصلي أو جهة ثالثة آمنة، ولن يكون لهم الحق في العودة أو التسوية أو الجنسية، بمجرد تنفيذ إبعادهم.
السجال حول القانون الجديد استمر في مجلس اللوردات حتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الماضي. والمفاجأة أن المجلس قرر سحب اعتراضاته على التشريع، وتخلى عن المطالبة بأي تعديلات، بعدما تعهدت الحكومة بأنها ستراعي احتجاز الأطفال المهاجرين عند تنفيذ القانون، كما ستمنع استغلاله لتعزيز العبودية الحديثة.
وكان التعهد الحكومي كافياً لتمرير القانون في "غرفة النواب غير المنتخبين من الشعب"، كما يقول الصحافي توم هارولد. فمجلس اللوردات لا يستطيع دستورياً وقف التشريعات الجديدة، بعد أن يوافق عليها مجلس نواب الشعب، في وقت تمتلك حكومة "المحافظين" أكثرية برلمانية كافية لتمرير أي تشريع جديد مرة ثانية وثالثة ورابعة.
ويوضح هارولد في حديث مع "الشرق"، أن معارضي التشريع الجديد بين نواب الحزب الحاكم كانوا قلة، وأبرزهم رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي تخشى تأثير التشريع على إنجازاتها في محاربة العبودية الحديثة. كما نوه إلى أن المعارضة لا تريد ترك انطباع لدى البريطانيين بـ"التساهل مع الهجرة غير الشرعية".
إدانة أممية
وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية، إيفيت كوير، لم تعلّق على "قانونية" أو "إنسانية" القانون الجديد، ولكنها قالت إنه "مجرد خدعة ستزيد من فوضى اللجوء التي أحدثها حزب المحافظين". كما نوهت الوزيرة المعارضة إلى أن أعداد المهاجرين المتزايدة، تؤكد مرة أخرى أن الحكومة "فشلت في وقف هجرة القوارب".
من جهته، قال رئيس أساقفة كانتربري جاستين ويلبي، زعيم الكنيسة الأنجليكانية، وعضو مجلس اللوردات، إنه لا يرى كيف سيوقف القانون الجديد قوارب المهاجرين، وهو لم يقتنع بأي شيء سمعه من الحكومة في هذا الخصوص.
وبعيداً عن البرلمان، تعرّض التشريع لاستنكار عشرات المنظمات الحقوقية والقانونية. كما سارعت الأمم المتحدة إلى التنديد به، ووصفه بـ"السابقة الخطيرة" التي قد تقتدي بها دول أخرى حول العالم، رغم مخالفتها لمبادئ القانون الدولي بشأن المهاجرين.
وفي بيان مشترك، قال رئيس مفوضية الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك ورئيس مفوضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، إنّ "التشريع يتعارض مع التزامات القانون الدولي لحقوق الإنسان واللاجئين، وسيحمل عواقب وخيمة على الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية".
البيان الأممي أوضح أن القانون البريطاني يمنع أي شخص يقع في نطاقه من الحصول على الحماية في المملكة المتحدة، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم والمنفصلين عنهم، بغض النظر عما إذا كانوا معرضين لخطر الاضطهاد، أو قد عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان، أو إن كانوا ناجين من الاتجار بالبشر.
وتابع البيان الأممي، أنه "من دون وجود ترتيبات ترحيل قابلة للتطبيق مع دول ثالثة، أو القدرة الكافية لإبعاد أعداد كبيرة من طالبي اللجوء، من المتوقع أن يبقى آلاف المهاجرين في المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى في أوضاع قانونية غير مستقرة"، وهو ما يثير قلق كثيرين في الشارع البريطاني في الوقت الراهن.
ترحيل المهاجرين
وبغض النظر عن الجوانب الإنسانية، تبقى فعالية القانون الجديد معلّقة بسبب قرار محكمة الاستئناف البريطانية الشهر الماضي، المعارض لخطط ترحيل اللاجئين إلى رواندا. واعتمد القرار على أسباب "تدفع للاعتقاد بأن الدولة الإفريقية قد تعيد طالبي اللجوء إلى بلدانهم الأصلية التي فرّوا منها"، رغم أن وزارة الداخلية أكّدت ثقة حكومة لندن بالتزام كيجالي بالتعهدات الواردة في مذكرة التفاهم الموقعة في هذا الشأن.
وأعلنت الحكومة البريطانية عن خطة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا في عام 2022. وتقوم الخطة على إرسال اللاجئين إلى البلد الإفريقي، من دون إمكانية العودة للمملكة المتحدة، حتى وإن حصلوا على حق اللجوء. فهؤلاء سيعيشون في أماكن إقامة تمولها لندن، أو يمكنهم طلب الانتقال إلى دولة أخرى يعتبرونها آمنة.
وأعدت الحكومة البريطانية أول رحلة في سياق خطة رواندا خلال يونيو من العام الماضي، لكن الطائرة منعت من الإقلاع في آخر لحظة، بعد قرار من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وبحسب الأرقام الرسمية للحكومة، سيكلف ترحيل اللاجئ الواحد إلى الدولة الإفريقية نحو 170 ألف جنيه إسترليني (الجنيه يساوي 1.29 دولار) في المتوسط.
ومنذ بداية العام وحتى التاسع من يوليو الجاري، وصل إلى الشواطئ البريطانية نحو 13 ألف مهاجر عبر القوارب الصغيرة القادمة من سواحل فرنسا. وهذا الرقم يتضمن 3824 شخصاً وصلوا في يونيو الماضي وحده. وتشير البيانات إلى أن 45% من القادمين على الأقل، يتقدمون بطلبات لجوء إلى المملكة المتحدة.
احتجاز المهاجرين
وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، أكدت أنها ستلجأ إلى المحكمة العليا للطعن بمنع خطط الترحيل إلى رواندا. ومن وجهة نظر المحامية المختصة في شؤون الهجرة سالي ديفيز، يعزز إصدار القانون الجديد من موقف الحكومة في دعواها أمام المحكمة العليا، خاصة وأن تلك المحكمة أبدت مرونة تجاه تطبيق الترحيل سابقاً.
وتلفت المحامية في حديث مع "الشرق" إلى أن التشريع الجديد سيصعب على المهاجرين التقدم بطلبات لجوء في المملكة المتحدة، ولكنه لن يجعلها مستحيلة. ومع غياب وجود خطط مجدية وفعالة لترحيل اللاجئين، قد تواجه الحكومة قضايا كثيرة في المحاكم تتعلق بسوء معاملة المحتجزين أو عدم إنسانية شروط إقامتهم في البلاد.
وهرباً من الكلفة الكبيرة التي تتحملها خزينة الدولة على إقامة المهاجرين في الفنادق إلى حين ترحليهم أو البت في طلبات لجوئهم، لجأت الحكومة إلى استخدام بوارج بحرية لإسكان اللاجئين، فاشترت خلال الشهر الماضي ناقلتين تتسعان لأكثر من ألف شخص، وأعدتهما بكل ما يلزم، وفق ما صرح به رئيس الوزراء.
ويقيم في فنادق المملكة المتحدة اليوم أكثر من 51 ألف لاجئ، وهم يكلفون خزينة الدولة نحو 6 ملايين جنيه إسترليني يومياً. وفيما انتقدت المعارضة العمالية في مجلس العموم الظروف التي قد يعيشها المهاجرون في مراكز الاحتجاز البحرية، قال متحدث باسم مجلس الوزراء إن "السفن مجهزة بكل ما هو ضروري وأساسي".
اقرأ أيضاً: