وسط ارتفاع الرسوم وقيود الهجرة.. جامعات بريطانيا تفقد جاذبيتها

time reading iconدقائق القراءة - 11
طلاب داخل جامعة كامبريدج البريطانية.
طلاب داخل جامعة كامبريدج البريطانية.
لندن-بهاء جهاد

أظهر استبيان حديث أجرته شركة "إيبسوس"، أن ربع الشباب البريطاني يعتقد أن الدراسة الجامعية لم تعد مُجدية، وذلك وسط مشكلات عدة أبرزها ارتفاع الرسوم وقيود الهجرة.

وأظهر الاستبيان أن الرسوم المرتفعة كانت المبرر الأبرز لنفور الشباب من الالتحاق بالجامعات في بريطانيا، خصوصاً مع ارتفاع كلفة المعيشة، في حين يرى 37% منهم أن التعليم العالي بات ضرورياً للحصول على عمل جيد، بينما يعتقد 29% أن هذا التعليم لم يعد مواكباً لمتطلبات السوق. 

وعكست نتائج الاستطلاع في رأي الخبراء والمراقبين، مشكلات فعلية تعيشها الجامعات البريطانية منذ عدة سنوات.

وهي مشكلات تقع المسؤولية في غالبيتها على الحكومة أولاً، ومن ثم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وبعدها إدارات الجامعات ذاتها.

أما الحلول فتحتاج إلى قرارات سياسية ومالية صعبة لابد من اتخاذها في أسرع وقت ممكن، لحماية المكانة العالمية للتعليم العالي البريطاني. 

غير أن مشكلات الجامعات البريطانية لم تعد قضية محلية وحسب، بل اتسع تأثيرها  لتشمل الطلاب الأجانب الحالمين بإكمال دراستهم في المملكة المتحدة، إذ تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الوافدين من الخارج يشكلون اليوم أكثر من 20% من إجمالي الطلبة المسجلين في مراحل التعليم العالي المختلفة، ويتوزعون على الأقاليم الأربعة للدولة، إنجلترا، وإسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية.

شُح الموارد

صحيفة "فاينانشيال تايمز" نشرت مؤخراً تقريراً حذرت فيه من تراجع تنافسية الجامعات البريطانية في حال تجاهل الحاجة لإعادة النظر في سبل تمويل ودعم هذه المؤسسات بما يواكب متطلباتها واحتياجات سوق العمل، منوهة إلى أن ارتفاع كلفة الحياة والأسعار في المملكة المتحدة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الصدد.

وأوضحت الصحيفة أن رسوم الطالب المحلي، والتي لا تتجاوز 9 آلاف و250 جنيهاً إسترلينياً، لا توزاي كلفة تعليمه.

وتشير التقديرات إلى أن كلفة الدارس تزيد عن 13 ألف جنيه كل عام، وهذا الفارق بين الكلفة والرسوم تتحمله الجامعات بمفردها رغم تراجع موارد تمويلها المختلفة، سواء لأسباب اقتصادية أو نتيجة لقرارات حكومية.

ولفتت إلى أن الطلبة الأجانب يوفرون للجامعات البريطانية ما يفوق الـ20% من مواردها المالية.

ولسنوات عديدة اعتادت الجامعات على توظيف هذه الموارد في دعم البحث العلمي لديها، أما اليوم فقد باتت تستعين بهذه العائدات من أجل تغطية الفارق بين كلفة الطلبة المحليين والرسوم التي تتقاضاها منهم في التخصصات المختلفة.

وأردفت الصحيفة، أن "بريكست" حرَم الجامعات البريطانية من الحصول على مئات الملايين الجنيهات سنوياً في إطار برامج تبادل الطلبة التي كان يرعاها الاتحاد الأوروبي.

وتوقف هذا التمويل الخارجي لم يقابله دعم حكومي أو محلي عموماً، يعين مؤسسات التعليم العالي على تغطية تكاليفها، وتطوير أدواتها في المنافسة الدولية الشديدة.

تسرب المدرسين

ولم تتوقف خسارات "بريكست" بالنسبة للجامعات البريطانية على توقف التمويل الأوروبي، فقد قرر كثير من أعضاء الهيئة التدريسية الوافدين من دول التكتل، مغادرة المملكة المتحدة بعدما أصبحت عروض العمل أقل تنافسية وجاذبية مقارنة بدول أخرى في القارة العجوز أو حتى خارجها، فأصبح هناك نقصاً في العدد وتراجعاً في الجودة.

وبحسب أستاذ القانون المقارن بجامعة "ميديلسيكس"، نهاد خنفر، لا تزال تداعيات "بريكست" على الجامعات البريطانية مستمرة، رغم مرور 3 أعوام على الخروج.

وأشار إلى الحكومة لا توفر لهذه المؤسسات بدائل الدعم التي خسرتها بعد "طلاق" لندن وبروكسل، ولا تسهل لها إجراءات استقدام المدرسين أو الطلبة من خارج قارة أوروبا. 

وأوضح خنفر لـ"الشرق"، أن حكومات حزب المحافظين المتتالية منذ عام 2010 لم تضع دعم الجامعات البريطانية في أولوياتها، وحتى بعد "بريكست" لم تتغير هذه السياسة، بل على العكس ضيَّق المحافظون على الجامعات فرص استقدام الأجانب من طلبة ومدرسين وموظفين من خلال التشدد بسياسات الهجرة.

ووفقاً لأستاذ القانون المقارن، اجتمعت تداعيات "بريكست"، والتضخم، وتشديد الهجرة على الجامعات حتى باتت تئن تحت وطأة ارتفاع كلفة تشغيلها مقارنة بمواردها وعائدات نشاطها البحثي.

ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن بعض الجامعات تخلت عن مواكبة تطور أدوات التعليم تقنياً ومنهجياً فتراجعت جاذبيتها وتقلص عدد طلابها عموماً، وفقاً لخنفر.

إضراب الجامعات

وحتى الأساتذة المحليين أو من بقيوا على رأس عملهم في الجامعات البريطانية، دفعهم تآكل أجورهم بسبب التضخم، وارتفاع الأسعار، للاحتجاج ومطالبة الحكومة وإدارات المؤسسات التعليمية، بزيادة رواتبهم، فقرر اتحاد الجامعات والكليات المكون من 146 مؤسسة، مقاطعة تصحيح امتحانات واختبارات الطلبة خلال العام الدراسي الحالي.

بحسب صحيفة "الجارديان"، حذر اتحاد الجامعات والكليات من الدخول في جولة أخرى من الإضرابات في سبتمبر، مع استمرار المقاطعة التي تركت عشرات الآلاف من الطلاب دون الحصول على نتائج شهاداتهم هذا الصيف.

وجاء إعلان الاتحاد، الأسبوع الماضي، بعد اجتماع لكبار المسؤولين لتحديد الخطوات التالية في النزاع الجاري مع الحكومة وإدارات المؤسسات التعليمية.

وفي وقت سابق، كتب وزير التعليم العالي روبرت هالفون إلى كلا الجانبين، وحثهما على استئناف المفاوضات لإنهاء المقاطعة والإضرابات.

ونقلت الصحيفة عن الأمين العام لاتحاد الجامعات والكليات جو جرادي قوله: "وافقت لجنة التعليم العالي لدينا اليوم على ضرب الجامعات بعدة أيام من الإضراب في بداية العام الدراسي المقبل إذا رفض نواب رئيس الجامعة العودة إلى المفاوضات".

وقالت النقابة إنها ستحدد عدد أيام وتواريخ الإضراب في وقت لاحق. وفي الوقت نفسه، ستستمر مقاطعة تصحيح الامتحانات، والتي أثرت على الطلاب في 145 جامعة منذ أن بدأت لأول مرة في أبريل.

ورفض أعضاء اتحاد الجامعات والكليات تصحيح الامتحانات النهائية والأطروحات والدورات الدراسية كجزء من نزاعهم، وعانى الكثيرون من تخفيضات في الأجور نتيجة لذلك.

وأصدرت الجامعات نتائج أو شهادات مؤقتة للسماح للطلاب بالتخرج في الوقت المحدد، وتم إخبار الطلاب المتأثرين بأن شهادتهم ستصدر عند الانتهاء من التقييمات في عدة أشهر.

وصوت أعضاء الاتحاد لصالح رفض عرض بزيادة الأجور بنسبة تتراوح بين 5٪ و 8٪ للعام 2023- 2024. وقال جرادي: "يقدم قطاع التعليم العالي في المملكة المتحدة نفسه كرائد عالمي، لكنه مليء بالأمور العارضة وانعدام الأمن والأجور المنخفضة - ليس لدى أعضائنا خيار سوى الدفاع عن أنفسهم".

وأضاف: "لذلك، ستستمر مقاطعة تصحيح الامتحانات، وسندعو إلى مزيد من الإضرابات في سبتمبر وسنبدأ الآن خططاً لبحث اتخاذ المزيد من الإجراءات في العام الدراسي المقبل".

المنافسة والجدوى

برأي طالب الدراسات العليا في جامعة "ساوث لندن"، شوان كريب، توسعت دائرة المنافسة بين الجامعات البريطانية بعد وباء كورونا، وخاصة في المناهج التي يمكن دراستها عن بعد، وهو ما جعل سوق التعليم العالي يتجاوز قائمة أفضل 10 جامعات في المملكة المتحدة، والتي يصنف بعضها ضمن أفضل 10 على المستوى العالمي.  

ولفت كريبل إلى أن البريطانيين أمامهم بدائل محلية عدة للدراسة اليوم، والجامعات عموماً تلتزم بمعايير واحدة تضعها الجهات الرقابية في التدريس، وامتحان الطلبة، والمخرجات المتوقعة من كل منهج، كما أن الحكومة في لندن توفر قروضاً ميسرة في السداد لأي طالب يرغب بمواصلة تعليمه العالي في أي جامعة.

واستدرك طالب الدراسات العليا حقيقة وجود فروقات في التدريب العملي والنشاط البحثي بين الجامعات وخاصة في المجالات العلمية.

وأضاف: "لكن محدودية عدد المقاعد في تلك الجامعات، خلقت الحاجة إلى وجود بدائل محلية أمام الطلبة البريطانيين والأجانب. وقد نجحت مؤسسات تعليمية عديدة بفرض نفسها على الساحة المحلية والدولية حتى".

وأشار كريب إلى أن تجاوز الامتحانات المؤهلة للتعليم الجامعي عادت اليوم لتكون واحدة من أهم التحديات التي تواجه الطلبة المحليين، فقد عادت الجامعات إلى معايير ما قبل كورونا في الاختبارات النهائية للمرحلة الثانوية، وصفوف التحضير للدراسة الجامعية، ونتائج هذا العام أظهرت تراجعاً في عدد الحاصلين على الدرجات المطلوبة.

تكلفة المعيشة  

أوردت صحيفة "ذا جارديان" أن عدد الطلبة الذين نالوا هذا العام درجات عالية في التعليم ما قبل الجامعي يقل بواقع نحو 70 ألف طالب مقارنة بالعام الماضي.

وقد قاربت نتائج 2023 ما عرفته المدارس في عام 2019، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن كلفة المعيشة باتت من أبرز العوامل المؤثرة على قرار انضمام الطالب إلى الجامعة من عدمه. 

وقال متحدث باسم الاتحاد الوطني للطلبة، إن الأوضاع المعيشية تضغط على كثير من خريجي التعليم الثانوي، إذ أن 43% منهم يخشون الاقتراض من أجل الدراسة في الجامعة، وواحد من كل 4 طلاب يذهبون للمدارس دون طعام أو حاجات أساسية. منوهاً إلى ضرورة إجراء تغيرات جوهرية في نظام التعليم الجامعي للمحافظة على استدامته.

ولفت المتحدث باسم اتحاد الطلبة، في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، إلى أن الحكومة لم تفعل ما يستحق الذكر للتخفيف من معاناة الطلبة.

ورأى أن ما يتوجب فعله اليوم هو إلغاء الرسوم الجامعية على الطلبة المحليين، والعودة إلى مجانية التعليم، ودعم مؤسسات التعليم العالي بالتمويل المطلوب من أجل تعزيز جودتها وتنافسيتها عالمياً.

وشدد المسؤول الطلابي على أن تقريراً حديثاً للجنة التعليم في البرلمان، أكد على أن الأحزاب لم تقدم للقطاع الدعم المطلوب.

ولم تضغط الأحزاب على الحكومة من أجل النظر بجدية إلى المشكلات المالية التي تواجهها الجامعات، والأزمات التي يعيشها الطلبة الراغبين بإكمال دراستهم العليا سواء من حيث الرسوم، أو من جهة الكلفة المرتفعة للحياة الجامعية، بحسب المسؤول الطلابي.

الطلبة الأجانب

ولا يبدو واقع الحال بالنسبة للأجانب أفضل كثيراً من الطلبة المحليين، فكلفة المعيشة تؤثر على قراراتهم أيضاً في القدوم إلى المملكة المتحدة، أو اختيار وجهة أخرى أقل غلاء وصعوبة في العيش.

وخاصة هؤلاء الذين يأتون إلى المملكة المتحدة على نفقتهم الخاصة، ويحتاجون لدفع رسوم تعليم عالية جداً إضافة إلى مستلزمات المعيشة والإقامة. 

وذكر تقرير لصحيفة "أي نيوز"، أن بعض الجامعات تقدم للطلبة الأجانب تقديرات مغلوطة لكلفة المعيشة في المملكة المتحدة.

وهذه التقديرات وفقاً للصحيفة، تقوم على أساس الأسعار التي كانت سائدة قبل ارتفاع قيمة التضخم، "حتى أن بعض الجامعات لم تقم بتحديث صفحاتها المعنية بهذه المعلومات على مواقعها الإلكترونية منذ عام 2018". 

وحتى الطلبة الأجانب الذين يتدبرون كلفة الدراسة والمعيشة في المملكة المتحدة، يواجهون صعوبة في الحصول على الإقامات المطلوبة.

وحذرت مسؤولة في مؤسسة "خدمات الطلبة الأجانب في الجامعات والمعاهد البريطانية"، من أن التشدد في استقطاب هؤلاء وعائلاتهم سيجعلهم يبحثون عن بدائل في كندا وأستراليا والولايات المتحدة.

في حديث مع صحيفة "تليجراف"، لفتت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة كلير مارشنت، إلى أن تقييد منح الإقامات للطلبة الأجانب هذا العام كان واضحاً مقارنة بالسنوات السابقة، ولكن التخلي عن التعلم في بريطانيا لصالح دول أخرى، لم يتحول بعد إلى سلوك عام. ولا تزال الجامعات في المملكة المتحدة ضمن صدارة اهتمامات الطلبة حول العالم. 

وتشير الأرقام إلى أن نهاية العام 2022 كان هناك أكثر من 679 ألف طالباً أجنبياً في المملكة المتحدة، من بينهم نحو 153 ألفاً من الاتحاد الأوروبي، وما يزيد على 452 ألفاً من خارجه، ونحو 144 ألفاً بينهم من الصين، و85 ألفاً من الهند، ثم نيجيريا 21 ألفاً، أميركا 19 ألفاً، والسعودية في المرتبة الثامنة بإجمالي 8 آلاف و825 طالباً وطالبة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات