تشهد الكويت في الخامس من ديسمبر الجاري، الانتخابات البرلمانية الأولى في ظل حكم الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، والتي يتنافس خلالها 322 مرشحاً بينهم 28 سيدة، للوصول إلى قاعة الشيخ عبد الله السالم، في مجلس الأمة، في الفصل التشريعي السادس عشر.
ورغم الوضع الوبائي العالمي بسبب جائحة كورونا، إلّا أن مجلس الوزراء الكويتي وافق على السماح للمصابين بـ"الفيروس" بالمشاركة في الانتخابات، إضافة إلى دعوته 3 جمعيات مستقلة للمشاركة في الاطلاع على سير العملية الانتخابية في انتخابات مجلس الأمة لعام 2020 سعياً لتحقيق أعلى معايير الشفافية.
وخلال مسيرته منذ أول دورة له في عام 1963، مرّ البرلمان الكويتي بمحطات مهمة أثّرت في شكل العملية الانتخابية، ومثّلت خطوة في المسيرة التي قطعتها الكويت نحو النهج الديمقراطي، والتي شهدت أزمات عديدة.
وتأتي في مقدمة أبرز تلك الأزمات التعثر المتكرر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ما يؤدي إلى حل البرلمان، واستقالات للأعضاء، وتعليق العمل بالدستور.
وترصد "الشرق" أهم محطات مجلس الأمة الكويتي في السطور التالية.
مرحلة التأسيس
يتكون مجلس الأمة من 50 عضوًا، عن 5 دوائر انتخابية، يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب العام السري المباشر، ومدة الدورة البرلمانية 4 سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له، ويجري التجديد خلال الستين يوماً السابقة على نهاية تلك المدة، ويحق للمواطن الانتخاب بعدما يتم 21 عاماً، ولا يحق للعسكريين أن ينتخبوا باستثناء أفراد الحرس الوطني.
وتحمل القاعة الرئيسية بالبرلمان الكويتي، اسم الشيخ عبد الله السالم الصباح، أمير الكويت الحادي عشر، والذي حصلت البلاد على استقلالها في عهده، في عام 1961، ثم بادر إلى الدعوة لوضع دستور يحقق مبدأ المشاركة الشعبية من خلال مجلس منتخب، والذي أُعلن 11 نوفمبر 1962.
وحدد الدستور سلطات مجلس الأمة بتشريع القوانين، فلا يصدر قانون في الدولة إلًا بعد إقراره من مجلس الأمة وتصديق الأمير عليه حتى يكون نافذاً.
ويختص المجلس بمناقشة المراسيم الأميرية والمعاهدات الدولية مع الدول، بالإضافة إلى مناقشة الشئون المالية للدولة والمصادقة عليها أو رفضها وكذلك حساباتها الختامية السنوية بما فيها موازنة مجلس الأمة نفسه.
وينص الدستور على أن يصبح الوزير عضواً في مجلس الأمة بحكم منصبه، غير أنّه قيّد تعيين الوزراء بحيث لا يتجاوز عددهم ثلث عدد أعضاء المجلس، كما سمح بضم عضو منتخب واحد على الأقل إلى التشكيل الحكومي، وحث على التوسع في (توزير) النواب المنتخبين.
الدور الرقابي
ويتمتع مجلس الأمة الكويتي بدور رقابي على الأداء الحكومي، وحدد الدستور أدوات للمجلس لممارسة هذا الحق من خلال توجيه الأسئلة البرلمانية واستجواب الوزراء بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء.
ويحق لمجلس الأمة طرح الثقة بالوزير المستجوب بعد مناقشة الاستجواب في قاعة المجلس، فيما تختلف حقوق الوزراء عن النواب في المجلس، بحيث لا يحق للوزير في الحكومة التصويت على طلب طرح الثقة بالوزير المستجوب، وإنما يقتصر هذا الحق على الأعضاء المنتخبين فقط.
وفيما يتعلق برئيس الوزراء، فبموجب الدستور لا يتم طرح الثقة فيه، وإنما يتقدم 10 نواب منتخبين بطلب عدم التعاون معه.
وفي حال موافقة مجلس الأمة بأغلبية أعضائه المنتخبين على الطلب، يُرفع إلى أمير البلاد الذي يرأس جميع السلطات، وحينها له الحق في إعفاء رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب مجلس الأمة، أو إصدار مرسوم بحل المجلس والدعوة لانتخابات مبكرة.
ويعد ديوان المحاسبة في الكويت، ذراع رقابية مالية لمجلس الأمة، فهو ملحق بحكم الدستور بمجلس الأمة ويقوم على معاونة السلطتين التشريعية والتنفيذية في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، ويقدم تقاريره عن الأداء المالي للمؤسسات الحكومية ومجلس الأمة أيضاً إلى مجلسيّ الوزراء والأمة.
من يترشح ومن ينتخب؟
ووفقاً للقوانين المنظمة للعملية الانتخابية، يشترط في من يرشح نفسه لعضوية المجلس أن يكون كويتياً بصفة أصلية، ولا يقل عمره يوم الانتخاب عن 30 عاماً، ويكون اسمه مدرجاً في جداول الانتخاب، ويجيد القراءة والكتابة.
كما يشترط القانون في المرشح ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، كما يحرم من الانتخابات كل من أُدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية، أو الأنبياء، أو الذات الأميرية.
أما حق الانتخاب فيمنحه القانون لكل كويتي بالغ من العمر 21 عاماً، ويُستثنى من ذلك المتجنّس الذي لم يمض على تجنيسه 20 عاماً ميلادي.
حقوق المرأة السياسية
تعرض قانون الانتخاب لعدد من التعديلات منذ صدوره عام 1963، ففي عام 1995 تم التعديل على شروط الناخب بما يمد الفترة اللازمة لمنح المتجنس حق الانتخاب إلى 20 عاماً على منحه الجنسية الكويتية بعد أن كانت 10 سنوات فقط في قانون 1963.
وفي عام 2005، وقع التعديل الأبرز الذي منح المرأة حق الترشح والانتخاب، عندما وافق مجلس الأمة على مشروع قانون تقدمت به الحكومة يقضي بتعديل قانون الانتخاب بإضافة جملة (كما يشترط القانون في منح المرأة حق الترشيح والانتخابات الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية) كما ألغيت صفة (كويتي ذكر) من النص السابق.
وبناءً على التعديل الأخير، اُختيرت معصومة المبارك، كأول وزيرة في الحكومة الكويتية، وذلك بعد تعديل القانون بأيام، حيث يشترط الدستور في الوزير نفس شروط عضو مجلس الأمة المنتخب.
وفي 2006، شاركت المرأة الكويتية لأول مرة في الانتخابات ترشحاً وانتخاباً، غير أنها لم تتمكن من الوصول الى البرلمان إلّا في عام 2009 عن طريق معصومة المبارك وأسيل العوضي وسلوى الجسار ورولا دشتي.
أزمات برلمانية
بدأ مجلس الأمة مسيرته بنظام انتخابي يُقسّم البلاد إلى 10 دوائر انتخابية، يختار الناخبون في كل دائرة منها 5 من المرشحين لعضوية مجلس الأمة وهو النظام الذي استمر حتى عام 1975.
وفي عام 1967 اتهم مرشحون من القوميين العرب، الحكومة بتزوير الانتخابات فتقدم 7 أعضاء ممن نجحوا في الانتخابات باستقالاتهم من مجلس الأمة، ما دعا لإجراء انتخابات تكميلية.
وفي نفس العام، أصدر أمير الكويت آنذاك الشيخ صباح السالم الصباح مرسوماً حلّ بموجبه مجلس الأمة، وعلّق العمل بالدستور، إثر تعثر التعاون بين السلطتين، واستمرت الحكومة تقوم بالدورين التشريعي والتنفيذي حتى عام 1981.
عودة مجلس الأمة
في عام 1981، أعيدت الحياة البرلمانية مرة ثانية، ودعا أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح، إلى انتخاب مجلس الأمة وفقاً لنظام انتخابي جديد يقسم البلاد إلى 25 دائرة انتخابية، يتم اختيار نائبين من كل دائرة.
وفي عام 1985، انتخب الكويتيون مجلس الأمة الخامس، وعاد التأزم بين السلطتين مرّة أخرى إلى المشهد السياسي الكويتي، فكان الحل غير الدستوري الثاني للمجلس بعد عام من انتخابه كما هو حال مجلس 1975، حيث أصدر الأمير الشيخ جابر الأحمد مرسوماً حلّ بموجبه المجلس وعلّق العمل بالدستور.
وفي يناير 1990، انتقلت الكويت إلى تجربة جديدة طرحتها الدولة كبديل لمجلس الأمة متمثلاً في المجلس الوطني الذي يتألف من 75 نائباً يتم انتخاب 50 منهم فيما يتم تعيين 25 نائباً، وهو ما يعادل ثلث أعضاء المجلس، غير أن هذه التجربة لم تستمر بسبب الغزو العراقي للكويت في أغسطس من نفس العام.
تعديل قانون الانتخابات
أعيد العمل بـ"دستور 1962"، في عام 1992، وأقيمت انتخابات مجلس الأمة وفقاً لما ينص عليه الدستور وفق نظام الـ25 دائرة انتخابية بحيث تقدم كل دائرة عضوين منتخبين، وهو النظام الذي استمر حتى عام 2008.
وأقرّ مجلس الأمة تعديلاً على قانون الانتخاب يقسم البلاد إلى 5 دوائر انتخابية، بحيث تقدم كل دائرة 10 نواب ويكون لكل ناخب حق التصويت لـ4 مرشحين بحيث يفوز بالانتخابات أول عشرة من المرشحين بعدد الأصوات.
الصوت الواحد
وكانت الفترة من (2003 حتى 2012)، كافية لولاية مجلسين في 8 سنوات، ولكن ما حدث أن تلك السنوات التسع شهدت حل المجلس والدعوة لانتخابات مبكرة 4 مرات نتيجة استمرار التأزم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وتمّ تغيير النظام الانتخابي ليمنح الناخب حق التصويت لمرشح واحد فقط على أن يتم اختيار أعلى 10 مرشحين حصولاً على الأصوات من كل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس.
وعمل النظام الانتخابي الجديد على كسر التحالفات التي تؤدي إلى سيطرة الفئات المجتمعية الأكبر على الساحة الانتخابية، وإتاحة الفرصة للفئات الأقل عدداً بالوصول إلى البرلمان.
واُعتمد نظام الصوت الواحد اعتباراً من ثاني انتخابات برلمانية يشهدها عام 2012، ما أدّى إلى مقاطعة أعضاء المعارضة للعملية الانتخابية احتجاجاً على هذا النظام، لكن لم تستمر المقاطعة طويلاً، حيث ترشح عدد من النواب السابقين المعارضين في انتخابات عام 2016، ونجحوا في الوصول إلى مجلس الأمة.
الحياة الحزبية في الكويت
رغم أن الدستور الكويتي لم يُفسّر بشكل واضح آلية تأسيس الأحزاب السياسية، إلّا أن هناك تكتلات أو تحالفات تتأسس على التوافق السياسي أو الروابط العائلية أو الدينية.
وتنص المادة 43 من الدستور الكويتي على "حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة".
وتوضح المذكرة التفسيرية لهذه المادة، حرية تكوين الجمعيات والنقابات دون النص على الهيئات التي تشمل في مدلولها العام بصفة خاصة الأحزاب السياسية، وذلك حتى لا يتضمن النص الدستوري الإلزام بإباحة إنشاء هذه الأحزاب.
ووفقاً لما سبق، فالنص الدستوري المذكور لا يُلزم بحرية الأحزاب ولا يحظرها وإنما يفوض الأمر للمشرّع العادي دون أن يأمره في هذا الشأن أو ينهاه.
القبائل والانتخابات
ويشهد العمل الحزبي في الكويت حالة خاصة، فهي غير موثقة ولا مُشهرة في دواوين الدولة، لكنها مشهرة من خلال أشخاصها وما تصدره من بيانات تحمل اسم الحزب.
وتقوم الخريطة الانتخابية في الكويت على أسس اجتماعية أكثر، وذلك من خلال المكونات الاجتماعية من قبائل وفئات مجتمعية تلجأ إليها الأحزاب (غير المشهرة رسمياً) للاستفادة من ثقل تلك الفئات، بدفع أحد المنتمين إليها للمشاركة في الانتخابات، للاستفادة من كتلتها التصويتية.
وتلعب "القبيلة"، دوراً بارزاً في تشكيل الخريطة السياسية لمجلس الأمة، كونها الفئة الاجتماعية الأكثر عدداً وتقارباً، إضافة إلى "نظام الإسكان" والذي يظهر في تركيز شرائح مجتمعية في مناطق تشكل دائرة انتخابية واحدة.
ويبلغ عدد من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الأمة 567 ألفًا و694 ناخبًا وناخبة، تشكل نسبة الإناث 51.7% منهم.
تاريخ الأحزاب في الكويت
وتعد الحركة التقدمية الكويتية، أقدم الأحزاب السياسية في الكويت وتأسست عام 1975، لتّعبر عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية، فيما تأسس التحالف الوطني الديمقراطي وهو حزب ليبرالي، بعد الغزو العراقي للكويت، ومن أبرز مؤسسيه رئيس غرفة التجارة والصناعة الحالي، محمد جاسم الصقر.
كما تضم الخريطة السياسية أحزاباً إسلامية من أبرزها الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، وتم إعلان إنشائها عام 1991 من قبل "تنظيم الإخوان المسلمين"، وذلك بعدما سجل الكويتيون على "التنظيم"، موقفاً سلبياً من الغزو العراقي لبلادهم.
وهناك التجمع السلفي الذي تأسس مع عودة الحياة البرلمانية عام 1981، وهو حزب سياسي سني يتبنى الخط السلفي.
كما يعمل في الساحة السياسية الدينية حزبين شيعيين، أقدمهما التحالف الإسلامي الوطني وهو حزب سياسي شيعي تأسس عام 1988، وتعود جذوره إلى فترة الستينيات. وفي عام 2004 تأسس تجمع العدالة والسلام ككتلة سياسية شيعية.