أعلن مسؤول في الخارجية الأميركية، كان يعمل في صفقات نقل الأسلحة إلى حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة، استقالته من منصبه، الأربعاء، احتجاجاً على طريقة تعامل إدارة الرئيس جو بايدن، مع تصعيد إسرائيل في قطاع غزة.
وقال جوش بول، وهو مدير الشؤون العامة وشؤون الكونجرس في مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية الأميركية، وهو المكتب الذي يتولى عمليات نقل الأسلحة، إنه "لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل".
وفي استقالته، وصف استجابة إدارة بايدن، والكثير من استجابات الكونجرس أيضاً، بأنها "رد فعل متهور مبني على تأكيد التحيز، وملاءمة الأغراض السياسية، والإفلاس الفكري، والجمود البيروقراطي. وهذا يعني أن الأمر مخيب للآمال للغاية، وغير مفاجئ على الإطلاق".
ووصف بول هجوم حركة "حماس" على إسرائيل، والذي أسفر عن قتل أكثر من 1400 شخص بأنه "بشاعة البشاعات"، لكنه أضاف "لكنني أؤمن في أعماقي بأن الرد الذي تتخذه إسرائيل، ومعه الدعم الأميركي لهذا الرد وللوضع الراهن للاحتلال، لن يؤدي إلا إلى معاناة أكبر وأعمق لكل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني".
وفيما يتعلق بدوافعه لاتخاذ قرار الاستقالة، قال بول لـ"الشرق"، إنه لم يتخذ هذا القرار إلا بعد العديد من المناقشات والجدالات مع المسؤولين الأميركيين حول عمليات نقل الأسلحة "المثيرة للجدل" لإسرائيل، مشيراً إلى أنه "لا يمكنه أنه يغير من الأمر شيء"، كما لا يمكنه "القيام بشيء فعال لتحسين النتائج".
قتل المدنيين الفلسطينيين
وتعد استقالة المسؤول الأميركي، إجراء نادر الحدوث للتعبير عن "انزعاج داخلي" بشأن دعم الإدارة القوي لإسرائيل، أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعلى نطاق أوسع، تمثل إبداءً علنياً غير معتاد للمعارضة داخل جهاز السياسة الخارجية للرئيس بايدن، الذي عمل على منع مثل هذه التعبيرات عن الاستياء من الظهور، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وأمضى بول أكثر من 11 عاماً في منصبه، وكان ينسق العلاقات مع الكونجرس والرسائل العامة لمكتب يتعامل مع المساعدات العسكرية.
وكتب في استقالته، إنه "لا يمكنه قبول الاستمرار" في وظيفة، قال إنها تساهم في "قتل مدنيين فلسطينيين".
وقال بول في مقابلة مع موقع "هافينجتون بوست" الأميركي: "ينبغي أن نشير بالتأكيد إلى فظاعة ما فعلته حماس وحجم ما حدث. ولذلك أخشى حجم الرد الإسرائيلي المحتمل أو الرد الإسرائيلي المستمر".
وأضاف: "إنني أقر بحق الحكومة الإسرائيلية في الرد والدفاع عن نفسها. لكني أتساءل كم من الأطفال الفلسطينيين يجب أن يموتوا في هذه العملية".
دعم مطلق لإسرائيل
واعتبر بول أن المساعدات العسكرية الأميركية القوية لإسرائيل، تعطي الضوء الأخضر لتل أبيب لفعل ما يروقها ضد غزة، بغض النظر عن الخسائر في صفوف المدنيين.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية، أنها تخطط لتدمير حماس، وطلبت من سكان شمال قطاع غزة التحرك جنوباً، وهو طلب أعلن مراقبو الأمم المتحدة أنه سيشكل "كارثة إنسانية".
وأمضى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي في التنقل في الشرق الأوسط، في محاولة لخلق دعم إقليمي لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتجنب حرب إقليمية، ولكن أيضاً لدفع إسرائيل إلى احترام المخاوف الإنسانية في غزة.
وأعلن بايدن، الذي وصل إسرائيل، الأربعاء، أن الولايات المتحدة "ستقف إلى جانبكم"، لكنه حض الإسرائيليين على التمييز بين الفلسطينيين وحماس، وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
وقال إن "الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من حماس. الشعب الفلسطيني يعاني أيضاً بشدة".
"تنازلات أخلاقية"
وأشار المسؤول المستقيل، إلى أن "القرارات قصيرة النظر" التي اتخذتها إدارة بايدن ساهمت في اضطراره إلى تقديم "تنازلات أخلاقية لا تحتمل".
وكتب بول: "خلال عملي منذ 11 عاماً، قدمت تنازلات أخلاقية أكثر مما أستطيع أن أتذكر، كل منها كان ثقيلاً، ولكن في كل منها كان عهدي لنفسي في ذهني ودون تغيير".
وتابع: "سأغادر لأنني أعتقد أنه في نهجنا الحالي فيما يتعلق بتوفير الأسلحة الفتاكة المستمر، بل الموسع والمتسارع، لإسرائيل، فقد وصلت إلى نهاية تلك الصفقة".
وقال بول إنه واجه معضلات أخرى أثناء عمله في المساعدة العسكرية داخل وزارة الخارجية، لكنه كان يشعر دائماً أنه قادر على "تحريك الأمور في الاتجاه الصحيح"، لافتاً إلى أن الأمر ليس كذلك هذه المرة، وهو السبب الرئيسي لاستقالته.
وتابع: "ليس هناك شك في هذا الأمر. لا توجد مساحة للمعارضة الموضوعية داخل النظام في هذا الشأن. وهذا ما دفعني إلى اتخاذ قراري".
وقال إنه "لم تكن هناك لحظة تعجل واحدة أدت إلى استقالته، بل كان ببساطة الشعور بأنه طرف في عدد كبير من القرارات، التي اختلف معها وشعر بالعجز عن التأثير فيها".
وعلى الرغم من أن مكتب الشؤون السياسية والعسكرية التابع لوزارة الخارجية الأميركية، كان له أيضاً دور رئيسي في عمليات نقل الأسلحة إلى أوكرانيا بعد الغزو الروسي، العام الماضي، لكن الخلفية الأكاديمية والمسيرة المهنية لبول مرتبطة منذ فترة طويلة بإسرائيل والأراضي الفلسطينية، بحسب "واشنطن بوست".
وأشار بول إلى أنه كتب أطروحته للماجستير حول مكافحة إسرائيل للإرهاب والحقوق المدنية، وعمل في رام الله بالضفة الغربية على إدارة قطاع الأمن مع السلطة الفلسطينية. وقال في خطاب استقالته إن يرتبط "بعلاقات شخصية عميقة مع طرفي الصراع".
أصوات رافضة
وأثار إعلان بول استقالته على الملأ، "صدمة" في وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، في حين رفضت الوزارة التعليق، متذرعة بسياسة (عدم) مناقشة المسائل المتعلقة بالموظفين.
وفي تصريحاته لـ"الشرق"، أشار المسؤول الأميركي المستقيل، إلى أنه يوجد "أصوات كثيرة" داخل إدارة بايدن "رافضة لنهج الإدارة في التعامل مع التصعيد بين إسرائيل وغزة".
وقال إن "هناك الكثير من الأشخاص داخل الإدارة يجدون أن التعامل مع هذا الوضع، ونهج السياسة الحالي، أمر صعب للغاية، لا يمكنني أن أسميهم أصوات معارضة؛ لأنني أعتقد أن الجميع يعملون من أجل الحصول على أفضل النتائج كما يرونها، ولكن من المؤكد أن هناك الكثير ممن يخالفون المسار الذي نتبعه".
وقال العديد من المسؤولين داخل إدارة بايدن، الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تشجع إسرائيل على ضبط النفس، والقلق على المدنيين في الوقت الذي تسعى فيه الدولة للانتقام من "حماس"، لموقع "هافينجتون بوست" إنهم يعانون من "تأثير سلبي".
وأشار إلى أنه تفاجأ بالطريقة التي تلقى بها زملاؤه في الحكومة، وفي الكونجرس رسالته الداخلية، قائلاً: "لقد فوجئت بعدد الأشخاص الذين قالوا: نحن نفهم تماماً نواياك فيما تقوله، ولدينا مشاعر مماثلة ونتفهم ذلك".
ولفت بول، إلى أنه أمضى الأسبوع الماضي في إجازة مخططة مسبقاً، ما أتاح له مساحة أكبر لمراقبة ما كان يحدث من الخارج، والتفكير في قراره.
وقال للموقع، إنه كان في إجازة الأسبوع الماضي، مضيفاً: "لقد كنت محظوظاً نوعاً ما، لأنني أعتقد أنه لو لم أكن كذلك لكنت طردت بدلاً من أن يكون لدي الوقت للتفكير في الأمر والاستقالة".
ومنذ أن أعلن استقالته على الملأ في بيان من صفحتين نُشره على حسابه عبر موقع LinkedIn، قال إنه تلقى العديد من عبارات الدعم من زملائه في وزارة الخارجية الأميركية، مضيفاً: "ما سمعته هو: شكراً لك، نحن معك، كل تلك الأمور".