السينما الفلسطينية على خط النار

أفلام عن القضية تنجح في اختراق الحصار والوصول إلى العالم

time reading iconدقائق القراءة - 7
الملصق الدعائي لفيلم "غزة.. مونامور" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
الملصق الدعائي لفيلم "غزة.. مونامور" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
القاهرة-عصام زكريا*

كُتب على الفلسطينيين الكفاح، والكفاح أنواع، قد يكون بالسلاح، أو بالعلم، أو الاقتصاد، أو الفن، وقد لعبت السينما الفلسطينية دوراً كبيراً في هذا الكفاح خاصة خلال العقدين الماضيين، مع ظهور أجيال من الفلسطينيين في الداخل والخارج، قدموا أفلاماً استطاعت أن تضع القضية الفلسطينية على خارطة السينما العالمية.

ولكن للأسف، يقتصر وُجود هذه الأفلام في المهرجانات الكبيرة والقليل منها على منصات البث التدفقي، ونادراً ما يتم توزيعها عالمياً أو عربياً، وربما آن الأوان أن تبذل جهود أكبر في محاولة توصيل هذه الأعمال إلى أكبر عدد ممكن من الناس في العالم، فقد ينسى المرء مئات الأخبار التي يشاهدها يومياً، ولكنه لا ينسى فيلماً واحداً جيداً أثر فيه، وبقيت صوره حية في الذاكرة.

فيما يلي رصد لبعض من أفضل الأفلام الفلسطينية، عل القارئ يحب أن يبحث عنها ليشاهدها، وعل المسؤولين عن الأنشطة الثقافية يسعون لبرمجتها في فعاليات عالمية وعربية.

عمق الفن وتسطيح الإعلام

في ذروة المأساة والمعاناة التي تشهدها غزة الآن، يلجأ الناس إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تنقل كل شيء على الهواء، لكن، وبحكم طبيعتها التجريدية والاختزالية، فإن وسائل الإعلام ومواقع التواصل تسطّح هذه المعاناة، وتحولها إلى أرقام ومعلومات وصور ذات بعدين لا غير، تتعاقب على العين مثلما يتوالى الموج على الشاطئ، فتبقى ثوان أو دقائق، وسرعان ما تأتي أخبار أخرى تزيل تأثيرها.

وخلال السنوات العشر الماضية تعرضت غزة لموجات من العنف غير المسبوق في تاريخ الشعوب، وتحولت إلى سجن ومعسكر تعذيب كبير، محاصر من الشمال والجنوب، ومن الداخل أيضاً. وفي كل مرة تضرب حماس ضربتها، وتنتقم إسرائيل بمعاقبة الشعب الفلسطيني كله لأيام وأسابيع وشهور، وتهدأ الأمور، وسرعان ما ينسى الناس أمر غزة والأرض المحتلة والصراع الدائر، ليفاجئوا به ينفجر مجدداً.

الأوسكار يعترف بفلسطين

من أبرز الأفلام التي رصدت بدايات التصعيد في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عقب الانقلاب الذي قامت به حركة "حماس" في 2007، فيلم "5 كاميرات محطمة" الذي صنعه كل من الفلسطيني عماد برناط والإسرائيلي جاي دافيدي في 2011، عندما كان هناك بعض الآمال والإمكانيات للتعاون بين الطرفين.

والفيلم يرصد جزءا من حياة عماد الذي يهوى التصوير الفوتوغرافي، والذي قام بشراء كاميرا لتصوير مولد ابنه في 2005، ولكن سرعان ما تحولت الكاميرا إلى أداة لرصد الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها الفلسطينيون، وعلى مدار السنوات التالية تحطمت 5 كاميرات قام عماد بشرائها في خضم أحداث العنف المتصاعد.

حقق الفيلم نجاحا دوليا، حيث عرض في مهرجان صندانس بأميركا، وفاز بجائزة كبرى، كما فاز بعدد كبير آخر من الجوائز العالمية، وكان أول فيلم فلسطيني يصل للترشيحات النهائية كأفضل فيلم وثائقي طويل في جوائز الأوسكار، وذلك بعد أن حقق فيلم "الجنة الآن" لهاني أبو أسعد سبق الترشح لأوسكار أفضل أجنبي في 2005، واضعاً اسم فلسطين لأول مرة ضمن جوائز وترشيحات أكاديمية علوم وفنون السينما.

قبلها بثلاث سنوات كان إيليا سليمان، وهو فلسطيني من عرب 48، قد صنع فيلمه الطويل الأول "يد إلهية" الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة اتحاد النقاد الدوليين (الفيبريسي)، وجاب العالم كله، ولكن عندما وصل إلى الأوسكار طُلب منه أن يرشح باسم إسرائيل؛ لأنه لا توجد دولة اسمها فلسطين في قوائم الأكاديمية المانحة للأوسكار، ورفض إيليا سليمان الذي يصر على أن تحمل أفلامه الجنسية الفلسطينية، واضطرت الأكاديمية إلى إعادة النظر والاعتراف بدولة فلسطين ضمن قوائمها.

أسماء صنعت مجدها

ميشيل خليفي، إيليا سليمان، هاني أبو أسعد، رشيد مشهراوي، آن ماري جاسر، مي المصري، شيرين دعبس، مهدي فليفل، هذه بعض أسماء المخرجين الفلسطينيين الذي صنعوا أفلاماً استطاعت أن تخترق الحصار المفروض على الصوت الفلسطيني، وأن تحلق عاليا في فضاء السينما العالمية، وهناك بالقطع عشرات غيرهم معظمهم من الشباب، لعل أحدثهم هو أمين نايفة الذي حقق فيلمه "200 متر" نجاحات كبيرة، وهو يعرض على منصة "نتفليكس" ضمن عدد من الأفلام الفلسطينية التي وصلت إلى المنصة.

معظم هذه الأفلام وثائقية، حيث الواقع أغرب وأقسى من أي خيال، ومن أكثر الذين رصدوا الأوضاع على مدار سنوات وأفلام متتالية المخرج مهدي فليفل، بداية من رائعته "عالم ليس لنا"، الذي يرصد فيه أوضاع الفلسطينيين في مخيم "عين الحلوة" بجنوب لبنان، (مسقط رأس المخرج الذي هاجر طفلاً إلى الدانمارك، مثل ملايين الفلسطينيين في الشتات).

يرصد "عالم ليس لنا" (2012) محاولات أحد شباب "عين الحلوة" الهجرة إلى أوروبا، وتحديدا اليونان، ثم يعود إليه بعد عامين في فيلم بعنوان "إكسينوس" (التي تعني أجنبياً) رحلة الشاب غير الشرعية واعتقاله وترحيله عائدا إلى المخيم، ثم يتابع في "رجل يغرق" (2017) حياة الشاب بعد أن عاد إلى المخيم مدمنا للمخدرات، ومرة أخرى يعود فليفل إلى المخيم ليرصد محاولات الهجرة في فيلمه "3 مخارج منطقية"، الذي يعرض ضمن أعمال أخرى على منصة "نتفليكس".

بسبب الوضع الاستثنائي والأحداث الجسيمة التي تعرضت لها مدينة غزة، أكثر من أي أرض فلسطينية أخرى، فقد أصبحت محوراً لعشرات الأفلام الوثائقية والروائية التي صنعت خلال العقد الماضي، بعضها عبر الحدود، وحقق نجاحاً وتأثيراً كبيرين.

من هذه الأعمال فيلم "غزة مونامور" للأخوين التوأم عرب وطرزان ناصر، وهو ثاني أعمالهما الطويلة بعد فيلمهما "ديجارديه" الذي شارك في مسابقة مهرجان "كان"، ويرصد الحياة داخل صالون حلاقة في غزة.

يروي "غزة مونامور" الذي يشارك في بطولته هيام عباس وسليم ضو، قصة حب بين صياد عجوز وبائعة تخطت منتصف العمر، على خلفية من الواقع السياسي الصعب الذي يعيشه سكان المدينة بين الحصار الإسرائيلي من ناحية وتطرف "حماس" من ناحية ثانية.

وميزة أفلام الأخوين ناصر أنهما يرويان قصصا بسيطة، لا تتناول الحرب والعنف بشكل مباشر، ولكنها ترصد نتيجتها على حياة الناس اليومية، وهما مثل كثير من أهل غزة، قادرون على التفاؤل والضحك في أحلك الظروف، ومن ثم تسري في أعمالهما نبرة كوميدية شديدة اللطف.

حصل "غزة مونامور" على عشرات الجوائز العالمية ومثل فلسطين في الأوسكار، وفوق ذلك تم توزيعه في بلاد كثيرة، وهو من الأعمال الفلسطينية القليلة التي عرضت في دور العرض العربية في مصر ولبنان.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك