كشف المسؤول الأميركي البارز جوش بول أسباب استقالته من منصبه في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية، قائلاً إن الوزارة لم ترغب في مناقشة الأضرار التي تلحقها الأسلحة الأميركية المقدمة إلى إسرائيل بالمدنيين، وخص بالذكر ذخائر جو -أرض، ولفت إلى أنه "كان هناك توجه واضح بضرورة تحركنا بأسرع ما يمكن لتلبية طلبات تل أبيب في ظل ضغط من الكونجرس".
وأوضح بول، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الثلاثاء، أنه عمل في المكتب المسؤول عن عمليات نقل الأسلحة والمساعدات الأمنية المُقدمة للحكومات الأجنبية بوزارة الخارجية لأكثر من 10 سنوات، وشارك في العديد من النقاشات المعقدة التي تحمل تحديات أخلاقية حول أنواع الأسلحة، والأماكن التي تُرسل إليها، واستدرك: "لكن ما لم أشهده حتى هذا الشهر، هو عملية نقل معقدة تنطوي على تحديات أخلاقية دون إجراء نقاش. لذلك قدمت استقالتي الأسبوع الماضي".
"السلاح مقابل دولة فلسطينية"
وأوضح بول أن الفرضية الرئيسية التي تستند إليها المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، منذ إبرام اتفاقيات أوسلو (1993)، تتمثل في "الأمن مقابل السلام"، وأن تل أبيب ستقدم بسهولة التنازلات التي تسمح بقيام دولة فلسطينية إذا شعرت بالأمان، عبر الأسلحة التي تمولها الولايات المتحدة سنوياً بمليارات الدولارات.
وتابع: "مع ذلك، يُظهر التاريخ أن الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لم تدفع إسرائيل إلى السلام، لكنها ساعدت على تسهيل زيادة عدد المستوطنات في الضفة الغربية، ما يجعل قيام دولة فلسطينية أمراً غير مرجح على نحو متزايد. وفي قطاع غزة المكتظ بالسكان، أحدثت التفجيرات صدمات نفسية جماعية، وأدت إلى سقوط ضحايا، دون أن تسهم في تحقيق الأمن لإسرائيل".
وقال المسؤول المستقيل من الخارجية الأميركية: "في 7 أكتوبر، عندما قتلت حماس المدنيين الإسرائيليين، شعرت بالغثيان، بسبب الرعب الذي أصاب الأبرياء، ولأنني كنت أعرف ما سيحدث بعد ذلك". وأضاف أن إسرائيل تمتلك حق الدفاع عن نفسها، لكن سجلها الذي شهد أكثر من 6 اشتباكات كبيرة خلال السنوات الـ 15 الماضية يفيد بأن "آلاف المدنيين الفلسطينيين سيموتون في هذه العملية".
ذخائر لا يمكن استخدامها
وتابع أن الطلبات الإسرائيلية للحصول على الذخائر بدأت في الوصول على الفور، متضمنة مجموعة متنوعة من الأسلحة التي لا يُمكن استخدامها في الصراع الحالي. وأكد بول أن هذه الطلبات كانت تستلزم الاهتمام الذي يوليه مكتبه لعمليات نقل الأسلحة الكبرى، وأنه حث على إجراء مناقشة صريحة بشأنها.
ومضى قائلًا: "قوبل إلحاحي بالصمت، وكان هناك توجه واضح بأننا يجب أن نتحرك بأسرع ما يمكن لتلبية طلبات إسرائيل. وكان يضغط علينا الكونجرس لأجل ذلك، رغم منعه سابقاً عمليات بيع أسلحة إلى دول أخرى لديها سجلات مشكوك فيها في مجال حقوق الإنسان".
وأضاف بول أن التأكد من عدم استخدام الأسلحة الأميركية لقتل المدنيين "لم يكن أبداً مسألة مثيرة للجدل في أي من الإدارات الأربع التي عملت في فيها".
وأشار إلى القاعدة التي تمنع نقل الأسلحة إذا كان من المرجح أن تستخدم في انتهاك حقوق الإنسان، وذلك بموجب السياسية الجديدة المتعلقة بعمليات نقل الأسلحة التقليدية.
وفي أغسطس الماضي، أخطرت وزارة الخارجية الأميركية جميع سفاراتها بإرشادات الاستجابة لحوادث الأضرار المدنية، والتي تحدد مجموعة من الإجراءات التي يتعين اتخاذها بعد الإبلاغ عن وقوع أضرار مدنية ناجمة عن استخدام أسلحة أميركية. وقال بول إن الأسلحة الأميركية المقدمة لإسرائيل، وخاصة الذخائر جو-أرض، تشكل خطراً واضحاً، وستلحق أضراراً بالمدنيين، وتنتهك حقوق الإنسان.
وأضاف أن الوزارة "كانت مصرة للغاية على تجنب أي نقاش حول هذا الخطر، ومنعت إصدار بيان حول إرشادات الاستجابة لحوادث الأضرار المدنية".
وأكد بول أن عدم وجود رغبة في إجراء تلك المناقشة -عندما يتعلق الأمر بإسرائيل- "لا يعكس التزام الولايات المتحدة تجاه أمن إسرائيل، بل يدل على التزام الولايات المتحدة بسياسة ستؤدي إلى طريق مسدود، واستعدادها للتخلي عن قيمها، وغض الطرف عن معاناة الملايين في غزة عندما يكون ذلك مناسباً من الناحية السياسية".
وقال: "هذه ليست وزارة الخارجية التي أعرفها، ولذلك اضطررت إلى الاستقالة".