حرب غزة تفجر أزمة داخل حزب العمال البريطاني بسبب موقف زعيمه كير ستارمر

ستارمر أيد قطع إسرائيل للماء والكهرباء والغذاء عن غزة قبل أن يتراجع لاحقاً

time reading iconدقائق القراءة - 9
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر  خلال زيارته مسجداً في جنوب ويلز ببريطانيا. 23 أكتوبر 2023 - twitter/@Keir_Starmer
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر خلال زيارته مسجداً في جنوب ويلز ببريطانيا. 23 أكتوبر 2023 - twitter/@Keir_Starmer
لندن-بهاء جهاد

يواجه حزب العمال البريطاني المعارض أزمة داخلية بسبب حرب غزة، ففيما يؤيد أكثر من 100 نائب عمالي، أي نصف نواب الحزب في مجلس العموم، وقف الهجمات الإسرائيلية على غزة، وإنهاء الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، لا يقبل زعيم الحزب كير ستارمر "إجبار إسرائيل" على وقف هجومها وحربها على القطاع المحاصر.

وتصاعدت الأزمة، بحيث باتت تهدد بانقسام الحزب الذي يقود المعارضة، حيث امتد التمرد على ستارمر من القاعدة الشعبية وصولاً إلى الصف الأول من القيادات ووزراء حكومة الظل، مروراً بأعضاء مجالس البلديات والموظفين على امتداد دول المملكة المتحدة، والذين تقدم كثير منهم باستقالاتهم منذ تفجر الحرب قبل نحو 3 أسابيع.

ويقول مراقبون إن ستارمر يعيش بين خيارين أحلاهما مر، فإن طالب بوقف الحرب انقلب عليه أصدقاء إسرائيل في الشارع وأروقة السياسة، بالإضافة إلى تجدد الاتهامات للحزب بـ"معاداة السامية"، أما إذا استمر بتجاهل الأصوات المؤيدة لوقف القتال، فإنه يغامر بخسارة أصوات المسلمين ومؤيدي فلسطين في الانتخابات العامة المقبلة.

مخالفة مبادئ العمال

ثمة مطلب واحد ينادي به جميع المعارضين للحرب على قطاع غزة بين صفوف العمال، وهو وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء حالة "الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين في القطاع.

هذا المطلب تفجر بعد مقابلة أجراها زعيم العمال كير ستارمر مع إذاعة "LBC"، في الثاني عشر من أكتوبر الجاري، قال فيها إنه يؤيد قطع إسرائيل للماء والكهرباء والغذاء عن الفلسطينيين في إطار حربها على حركة "حماس" في غزة، وهو ما اعتبره كثيرون في الحزب مخالفاً لمبادئ "العمال" وقيمه وحقوق الإنسان.

الاحتجاج على تصريحات ستارمر تجسد على الفور في استقالة 3 من أعضاء مجالس البلديات في مدن بريطانية مختلفة، ومع مرور الوقت ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 23 شخصاً، 9 منهم أعضاء في بلدية أكسفورد وحدها، وأدت استقالتهم إلى خسارة حزب العمال لأكثريته في المجلس لصالح حزب المحافظين الحاكم.

الاستقالات لم تكن وسيلة الاعتراض الوحيدة على تصريح زعيم الحزب، فقد تسلم ستارمر رسالة من 1500 شخصية ثقافية وعلمية وفنية ودينية تطالبه فيها بتوضيح موقفه، وإعادة النظر في تصريحاته، ثم رسالة من 150 عضو بلدية مسلم، تطالبه بالضغط من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على قطاع غزة.

زيارة وبيان توضيح 

الاستجابة الأولى لزعيم "العمال" لم تكن ناجحة إلى حد ما، إذ زار ستارمر مسجداً جنوب ويلز، ثم نشر تغريدة يقول فيها "إنه استمع لمخاوف الجالية المسلمة، ويكرر مطالبته بالإفراج عن جميع الرهائن لدى حركة حماس، وإطلاق هدنة إنسانية لإدخال مزيد من المساعدات إلى الفلسطينيين، وإعادة الكهرباء والمياه لهم".

المسجد أصدر بياناً قال فيه "إن الحاضرين بحثوا مع ستارمر حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهم"، متهماً ستارمر بـ"تحريف" نتائج زيارته التي لم يعلم بها الحاضرون إلا قبل ساعات قليلة. فاللقاء "كان مرتباً أصلاً بين أفراد الجالية المسلمة ومسؤولين محليين، وليس مع زعيم العمال".

مع استمرار الغضب الشعبي، أصدر زعيم العمال توضيحاً بشأن تصريحاته الأولى، وتراجع عنها قائلاً إنه "في تلك المقابلة مع LBC أيد فقط حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهذا لا يتضمن قطع الكهرباء والماء عن الفلسطينيين، وأنه يقود جهداً كبيراً منذ أسبوعين من أجل هدنة تسمح بدخول المساعدات لغزة".

تصاعد الاحتجاج

شيستا عزيز، عضو مجلس بلدية أكسفورد المستقيلة من حزب العمال، قالت إن "تصريحات ستارمر الأولى صدمتها، وكل ما فعله ويفعله زعيم الحزب في هذه المسألة، لا يعكس تراجعه عن دعم إسرائيل ضد الفلسطينيين"، منوهة في تصريح لصحيفة "الجارديان" إلى أن موقف كير ستارمر يخالف تماماً مبادئ حزب العمال.

من جهتها أكدت عضو مجلس بلدية مانشستر آمنة عبد اللطيف، أن استقالتها جاءت بعد أيام من تصريحات ستارمر، ورفض مسؤولو الحزب في المدينة مناقشة الأمر، لافتة في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية إلى أنها "محبطة من تأييد قادة في الحزب لجريمة الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة".

مستويات الاحتجاج الداخلي على تصريحات ستارمر تصاعدت مع اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ انضمت قيادات إلى أعضاء المجالس البلدية والقاعدة الشعبية المؤيدة للفلسطينيين. وأعرب نواب في البرلمان عن خشيتهم من تأثير مواقف زعيم الحزب إزاء الحرب، على تأييد الجالية المسلمة للعمال في الانتخابات المقبلة.

سقف مطالب المحتجين على ستارمر ارتفع أيضاً، إذ باتوا ينادون بوقف الحرب، وإنهاء محاولة إسرائيل إبادة الفلسطينيين أو تهجيرهم من قطاع غزة.

وضمت قائمة الشخصيات التي انضمت إلى هذا الحراك "العمالي"، وزراء في حكومة الظل، إضافة إلى عمدة لندن صادق خان ورئيس الحزب في اسكتلندا، أنس سيروار.

ويطالب 13 نائباً في حزب العمال ستارمر صراحةً بتأييد وقف الحرب على قطاع غزة، بينهم 3 من حكومة الظل هم ناز شاه وبول باركر وأفضل خان. وهذا يعني أن الخلاف حول هذه الحرب قد وصل إلى قيادات الصف الأول، وبات "العمال" أمام خطر استقالات قد تشق صفوف الحزب، وتضعه أمام مستقبل مجهول.

الوزراء الثلاثة في حكومة الظل أعلنوا رسمياً مواقفهم المؤيدة للفلسطينيين، ونشروا تغريدات على موقع إكس (تويتر سابقاً) تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ومع انضمام رئيس حزب العمال في اسكتلندا وعمدة لندن إليهم، ازدادت الأزمة تعقيداً. وأصبح ستارمر في موقف محرج لا تجدي فيه المماطلة كثيراً.

تأثيرات محتملة

استطلاع حديث للرأي أجرته شركة "يوجوف" أظهر أن 42% من الناخبين الذين صوتوا للعمال في عام 2019، يجدون أن ستارمر تعامل بطريقة خاطئة مع حرب غزة، فيما يؤيد نصف ناخبي المحافظين ما فعله رئيس الوزراء ريشي سوناك في ذات الأمر. رغم أن الاثنين حالياً يدعوان إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة.

ونقلت صحيفة "الإندبندنت" عن نائب عمالي لم تسمه، أن قلقاً متزايداً داخل "العمال" بشأن تأثير هذه الحرب على نتائج الانتخابات العامة المقبلة، يشغل بال قيادات الحزب، منوهة إلى أن أكثر من 100 نائب في الحزب صرحوا لها بأنهم يؤيدون تبديل ستارمر لمواقفه إزاء الحرب، ويرغبون في تأييده لوقف إطلاق النار فوراً.

لم يستجب ستارمر حتى الآن لكل هذه الضغوط التي تمارس عليه من قبل نواب الحزب ومسؤوليه وقاعدته الشعبية، كما لا زال يتمسك بموقفه الموحد مع رئيس الوزراء، والمطالب بهدنة إنسانية تسمح بإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة، وإخراج الأجانب المحتجزين لدى حركة "حماس" في القطاع.

حراك داخلي واسع

ويلفت عضو حزب العمال حمزة كاظم، إلى أن المطالبة بوقف الحرب داخل الحزب الذي يقود للمعارضة، لا تأتي من المسلمين فقط، وإنما هو حراك داخلي واسع، يضم أعضاء من خلفيات عدة، مشبهاً ذلك بالاحتجاج الشعبي الذي نراه في الشوارع لذات الغرض، ويشارك فيه بريطانيون من أعراق وأحزاب وخلفيات عديدة. 

وشدد كاظم على أن تصريحات "أصدقاء إسرائيل" في حزب العمال تظهر تأييداً كبيراً لموقف ستارمر من الحرب. وهذه الجماعة لعبت دوراً حاسماً في إزاحة زعيم الحزب السابق جيرمي كوربين بعد اتهامه بتفجير معاداة السامية في الحزب"، مشيراً إلى أن "مخاوف ستارمر من عودة هذه الاتهامات تمنعه من إعلان تأييده لإنهاء الحرب على غزة". 

وأشار كاظم في حديث مع "الشرق" إلى أن النواب المؤيدين لوقف الحرب يعكسون توجهات دوائرهم الانتخابية، قائلاً إن "التأييد الشعبي لإنهاء المأساة التي يعيشها سكان غزة لن ينحسر".

وأضاف كاظم أن أعضاء كثيرين في حزب العمال ينخرطون بكل نشاط يخدم هذا الغرض، ويطالبون ممثليهم في البرلمان بضغوط أكبر على ستارمر.

عريضة إلى البرلمان

ولفت كاظم إلى توقيع أعضاء كثيرين في "العمال" على عريضة تطالب البرلمان البريطاني بتأييد وقف الحرب وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية.

وبرأيه، سيشكل إدراج هذه الوثيقة لمناقشتها تحت قبة مجلس العموم أداة ضغط على ستارمر، ويمنح النواب المعارضين للحرب فرصة التعبير عن مواقفهم. 

وبلغ عدد الموقعين على العريضة المشار إليها، أكثر من 160 ألف شخص حتى الآن، وهو رقم قابل للزيادة. ويلزم القانون البرلمان بمناقشة كل عريضة تجمع أكثر من 100 ألف توقيع.

تصنيفات

قصص قد تهمك