تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى استعادة قدرتها الاقتصادية التنافسية، من خلال وضع استراتيجية جديدة في ظل المخاوف من التخلف أكثر عن الولايات المتحدة والصين، وفق ما أوردته صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وأشارت الصحيفة إلى أن المشكلات الهيكلية القائمة، التي تقوض فعالية السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي؛ تفاقمت منذ سنوات طويلة بسبب أزمات عدة، أهمها جائحة فيروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا وصولاً إلى ارتفاع أسعار وتكاليف الطاقة، إضافة إلى الضغوط الديموغرافية ومعوقات التعليم ونقص العمالة.
كما أن تدفق المساعدات الحكومية والدعم المالي المقدم من بروكسل إلى الشركات الأوروبية؛ أدى إلى حدوث تغيير جذري في "تكافؤ الفرص" بين الدول وشركاتها، الأمر الذي كان يعتبر الركيزة الأساسية للسوق الموحدة.
وارتفع الإنفاق الحكومي على المعونات من 102.8 مليار يورو في عام 2015 إلى 334.54 مليار يورو في عام 2021.
وفي الفترة بين مارس 2022 وأغسطس 2023، أٌقرت مساعدات حكومية بقيمة 733 مليار يورو، وفقاً لأرقام أصدرتها لجنة غير رسمية اطلعت عليها الصحيفة، كما تفاقم الوضع مع الرغبة في تسريع التحول الأخضر، والتخلي عن استخدام الوقود الأحفوري في القارة، والاستثمار في التكنولوجيات الجديدة التي تنتج انبعاثات كربونية أقل.
وناقش رؤساء حكومات الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي الـ27، في أغسطس الماضي في بروكسل، استمرار دعم أوكرانيا، لكن ذلك الموضوع لم يكن على رأس أولويات أي منهم، إذ قال مصدر مطلع على المناقشات لـ"فاينانشيال تايمز": "الجميع كانوا يعودون إلى مسألة القدرة التنافسية، وتحسين وضع اقتصاد الاتحاد الأوروبي".
وبعد 3 أسابيع من اجتماع بروكسل، قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خطابها السنوي عن حالة الاتحاد أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، إذ تضمن الإنجازات السابقة والطموحات المستقبلية للسلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.
تشكيل اقتصاد الكتلة
وكان التصريح الأبرز لفون دير لاين بمثابة "مفاجأة"، إذ أعلنت عن عودة رئيس الوزراء الإيطالي السابق والرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي، لكتابة تقرير عن حالة القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي وكيفية إصلاحها.
ورغم إقرارها بـ"مولد اتحاد جيوسياسي"، في إشارة إلى دعم أوكرانيا واتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الصين، خصصت فون دير لاين ثلث خطابها تقريباً للحديث عن إعادة "تشكيل اقتصاد الاتحاد الأوروبي".
وقالت آنذاك: "نحن بحاجة إلى النظر إلى أبعد من ذلك وتحديد كيفية الحفاظ على قدرتنا التنافسية، لأن أوروبا ستفعل كل ما يلزم للحفاظ على قدرتها التنافسية"، وهو تصريح مشابه لتصريح أدلى به دراجي في عام 2012، ويُنظر إليه باعتباره نقطة تحول في أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، إذ قال إن على البنك المركزي الأوروبي القيام "بكل ما يلزم" للحفاظ على اليورو.
وفي غضون ذلك، يعمل رئيس وزراء إيطالي سابق آخر، وهو إنريكو ليتا، على إعداد تقرير منفصل عن حالة السوق الداخلية، إذ من المقرر أن يُقدم في مارس المقبل.
وبدأ ليتا، وهو رئيس معهد "جاك ديلور"، جولة في العواصم الأوروبية "للخروج من فقاعة بروكسل للاستماع إلى المخاوف على أرض الواقع"، على حد تعبيره.
ويرى ليتا أن معضلة أوروبا تكمن في "الحفاظ على قوة السوق الموحدة مع ضمان حرية التنقل، ورؤوس الأموال، والسلع، والخدمات أثناء التنافس مع الولايات المتحدة، والصين، والهند، وغيرها من الدول".
تراجع أوروبي
لفتت "فاينانشال تايمز" إلى أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي يعادل 65% من حجم الاقتصاد الأميركي من حيث القيمة الدولارية، مقارنة بـ91% في عام 2013.
وأضافت أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة يزيد عن ضعف نظيره في الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى تراجع الاتحاد في مؤشرات أخرى، مثل أكبر شركات التكنولوجيا، وأفضل الجامعات في العالم، والقدرة على تصنيع أشباه الموصلات.
في الإطار، قال المدير العام لاتحاد الشركات الأوروبية "بيزنس يوروب"، ماركوس باير: "يجب أن تكون هناك جدية في بروكسل في إصلاح السوق الموحدة، لأنه لا يمكن الحديث عنها باعتبارها جواهر تاج الاتحاد دون التعامل معها بهذه الطريقة".
وفي الوقت ذاته، أدت الجهود المبذولة لمساعدة الاتحاد الأوروبي على تجاوز أسوأ التأثيرات القصيرة الأمد لأزمتي جائحة كورونا وأوكرانيا إلى خلق مخاطر متوسطة الأمد، بحسب "فاينانشال تايمز".