كشفت المناظرة الرابعة للمرشحين الجمهوريين المحتملين لانتخابات الرئاسة الأميركية في 2024، عن احتفاظ الرئيس السابق دونالد ترمب بقبضته المُحكمة على الحزب، إذ لا يزال متقدماً بشكل كبير في استطلاعات الرأي الأولية على منافسيه الأربعة المتبقين، رغم مواجهته 91 تهمة جنائية موزعة على 4 لوائح اتهام.
وأظهرت المناظرة الرابعة والحاسمة التي جرت مساء الأربعاء في ولاية ألاباما، والتي سيطر عليها تبادل الإهانات بين المرشحين الأربعة، أنهم يتنافسون على المركز الثاني وراء ترمب، الذي لا يزال يغرد بعيداً بتصدره للسباق الجمهوري بفارق شاسع يزيد عن 45 نقطة عن أقرب منافسيه.
وفضل ترمب التغيب عن المناظرات الأربعة، وقضى ليلة المناظرة الأخيرة في فلوريدا، حيث حضر فعالية في هالاندال بيتش لجمع التبرعات لصالح "MAGA"، وهي لجنة العمل السياسي التي تدعم ترشيحه.
وتأهل إلى المناظرة الرابعة، أربعة مرشحين فقط هم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، والمندوبة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، وحاكم نيوجيرسي السابق كريس كريستي، ورجل الأعمال من أصول هندية فيفيك راماسوامي.
وقال خبراء ومحللون لـ"الشرق"، إن الرئيس السابق لا يزال "الورقة الرابحة" في الحزب الجمهوري، لافتين إلى أنه كلما اقترب انطلاق التصويت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، والذي يبدأ في ولاية أيوا 15 يناير المقبل، كلما نفد الوقت أمام منافسيه لإحراز أي تقدم حقيقي لمواجهته.
ومن بين الأربعة الذين حضروا المناظرة في توسكالوسا بولاية ألاباما، رأى الخبراء أن نيكي هيلي، قدمت أقوى أداء ليلة الأربعاء، بعكس استطلاعات الرأي التي أظهرت تفوق حاكم فلوريدا رون ديسانتيس عليها.
وأظهر استطلاع رأي بعد المناظرة التمهيدية الرابعة للحزب الجمهوري، أجرته شركة "إبسوس" لأبحاث السوق واستطلاعات الرأي، وصحيفة "واشنطن بوست" وشركة البيانات "538"، أن 30% من متابعي المناظرة اعتقدوا أن رون ديسانتيس قدم أفضل أداء، وهو ما يُمثل ارتفاعاً في حظوظ حاكم فلوريدا الذي صنّفه 23% على أنه الأفضل بعد المناظرة الثالثة.
وفي مقابل ارتفاع حظوظ ديسانتيس، انخفضت حظوظ هيلي هذه المرة، إذ اختارها 23% كأفضل المرشحين بعد المناظرة الرابعة، في مقابل 34% في المناظرة الثالثة، والتي اعتُبرت صاحبة أقوى أداء خلالها.
كما حافظ رجل الأعمال فيفيك راماسوامي على أسوأ الانطباعات لدى الناخبين، إذ قال 37% من متابعي المناظرة إن أداءه كان "الأسوأ"، في مقابل 29% في المناظرة الثالثة.
أما بالنسبة لترمب، فلم يشهد أي تراجع بين الناخبين الجمهوريين الأساسيين، وتصدّر خيارات المشاركين في الاستطلاع، الذي أُجري على مرحلتين من 28 نوفمبر إلى 7 ديسمبر، إذ قال 64% من الناخبين إنهم سيدعمونه قبل المناظرة وبعدها.
وسجّل الجمهوريون عموماً أقل إعجاب بأداء المرشحين في مناظرة الأربعاء، مما كانوا عليه بعد المناظرات السابقة.
ولم تحظ المناظرة الرابعة بمشاهدة مرتفعة، وكشف استطلاع الرأي أن واحد من بين كل 3 ناخبين جمهوريين محتملين في الانتخابات التمهيدية أفادوا بعدم مشاهدة أي جزء من المناظرة.
وشملت المرحلة الأولى قبل المناظرة عينة عشوائية قوامها 5175 ناخباً جمهورياً محتملاً، وانخفضت بعد المناظرة إلى 2608، وأفاد نحو 763 ناخباً جمهورياً محتملاً منهم بأنهم شاهدوا بعضاً أو كل المناظرة.
وتبيّن تلك الأرقام مدى انخفاض نسب المشاهدة التي حظيت بها المناظرة الرابعة للجمهوريين، وهو ما وجدته الباحثة السياسية ومستطلعة الآراء مادلين كونداي، "أدنى نسبة مشاهدة حتى الآن".
وفي حديثها مع "الشرق" قالت كونداي إنه من الصعب أن نتصور أن المناظرة الرابعة قد تفعل الكثير لتغيير مسار السباق.
وأضافت "أعتقد أنه في هذه المرحلة من مسار الحملة الانتخابية، يُكرر المرشحون في الغالب نفس رسائلهم، ولا توجد الكثير من المعلومات الجديدة، وبدون وجود ترمب على المسرح، لا يبدو أن أياً من المرشحين الجمهوريين الآخرين لديه القدرة على إظهار تناقضات قوية لدى الرئيس السابق، تمكنهم من جذب الناخبين الذين يدعمونه حالياً. ولم يكن لدى أي شخص آخر من المتنافسين الأربعة لحظة انطلاق حقيقية".
"إهانات أكثر ونقاشات أقل"
ورغم محاولات المتنافسين الأربعة، ترك بصمة قبل أسابيع قليلة من التصويت التمهيدي في ولاية أيوا، إلا أنهم تبادلوا الإهانات والانتقادات اللاذعة بدلاً من ذلك، وهو ما انتقدته أستاذة الشؤون الحكومية والمديرة الأكاديمية لمعهد إدارة الحملات في الجامعة الأميركية بواشنطن كانديس نيلسون، حيث وصفت المناظرة الرابعة بأنها "دون المستوى" بأكثر من سابقاتها
وقالت "كان هناك الكثير من الهجمات واللكمات المتزايدة والإهانات التي شنها المرشحون على بعضهم البعض، لكن لم يكن هناك الكثير من النقاش حول القضايا والسياسات التي تهم معظم الأميركيين".
من جانبه، لفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" ويليام هال إلى أن المناظرة قامت بعمل جيد جداً في توضيح وتحديد أي من الأربعة، الذين لا يزالون يشاركون في النقاشات، لديه القدرة على أن يكون مرشحاً جاداً للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، وأن يكون مرشحاً قابلاً للفوز في سباق الحملة الرئاسية المستمرة.
وفي حديثه لـ "الشرق"، انتقد هال ديسانتيس وراماسوامي، واصفاً كليهما بأنهما يتمتّعان بنقص المهارات الضرورية والمطلوبة للفوز بالترشيح، وأضاف "بدا ديسانتيس ضعيفاً للغاية ومتردداً بشكل كبير، بينما لم يفعل راماسوامي، الكثير لرفع وضعه أو مكانته المنخفضة بالفعل، التي إما فشلت في التحسن، أو انخفضت باستمرار طوال النقاشات".
"الورقة الرابحة"
الرئيس السابق، الذي غاب عن المناظرة، تلقى بعض الهجمات الحادة من كريس كريستي، الذي حذر من أن ترمب "يريد الانتقام، ولا يهتم إلا بنفسه، وليس بالأشخاص الذين سيمثلهم كرئيس، وتابع "إنه لا يهتم بالشعب الأميركي، إنه دونالد ترمب".
وكان ترمب قد أدلى بتصريحات في الليلة السابقة للمناظرة وُصفت بأنها "دكتاتورية"، حين سأله مضيف قناة "فوكس نيوز" شون هانيتي خلال لقاء في دافنبورت بولاية أيوا عما إذا كانت لديه "أي خطط، إذا أعيد انتخابه رئيساً، لاستخدام السلطة في الانتقام من أي شخص؟" أجاب ترمب: "باستثناء اليوم الأول".
وعلق كريستي على تصريحات ترمب بأنها "متوقعة تماماً،" ووصفه بأنه "رجل غاضب وحانق".
ورغم تصريحات ترمب الغاضبة، فإنه لا يزال يتقدم على المرشحين الآخرين في استطلاعات الرأي وبأفضلية عنهم في وجهات نظر الناخبين، وهو أمر تُفسره نيلسون بقبضة ترمب المحكمة على الحزب الجمهوري، لافتة إلى أن ناخبي ترمب "ملتزمون به"، واصفة إياه بأنه "الورقة الرابحة" بالنسبة للحزب، مضيفة أنه "سيحصل على بطاقة الترشيح في نهاية المطاف".
وتتفق كونداي مع نيلسون في أن كل الدلائل تشير إلى أن أغلبية واضحة من الناخبين الجمهوريين، على مدى الأشهر القليلة الماضية، تريد أن يكون ترمب مرشحهم في عام 2024 "ولم يحدث شيء في هذه الحملة لتغيير ذلك، لذا سيحظى ترمب بترشيح الحزب الجمهوري".
وقالت إنه كلما اقترب الناس من بدء التصويت في يناير، كلما نفد الوقت أمام منافسي ترمب لإحراز أي تقدم، واستبعدت كونداي أي منافسة حقيقية قد يُواجهها ترمب قائلة: "لست متأكدة من أن أياً من المنافسين يُشكل تهديداً حقيقياً لترمب".
ديسانتيس بمواجهة هيلي
ويتنافس ديسانتيس وهيلي على المركز الثاني بفارق كبير بعد ترمب، ويتبادلا الترتيب بدءاً من المناظرة الأولى حتى الرابعة.
وفي حين أظهرت استطلاعات الرأي تقدُم ديسانتيس تفضيلات الناخبين في المناظرة الأولى، ثم تخلفه عن هيلي في المناظرة الثانية والثالثة، عاد ديسانتيس مرة أخرى للتقدم على هيلي بعد المناظرة الرابعة.
وكانت هيلي، التي حصلت على تقييمات عالية في المناظرات السابقة، وفقاً لاستطلاعات الرأي، الهدف الرئيسي للهجمات من المرشحين الآخرين خلال المناظرة، في وقت قدم ديسانتيس أداءً أفضل، مقارنة بالمناظرات السابقة، ما جعله يتصدر تفضيلات الناخبين.
ومع ذلك، رأى الخبراء الذين تحدثوا لـ "الشرق" أن ديسانتيس كان "الخاسر" في تلك المناظرة بجانب راماسوامي، في حين اعتبروا أن هيلي وكريستي هما الفائزان الحقيقيان.
وقالت الباحثة السياسية ومستطلعة الآراء مادلين كونداي إن هيلي تواصل اكتساب الزخم باعتبارها البديل الأقوى لترمب، وهو أكدته المناظرة الأخيرة.
وتابعت "بدأ المرشحين الآخرين في مهاجمة هيلي لمحاولة إبطاء زخمها. ولذلك أمامها الآن طريق طويل لتقطعه حتى تتمكن من تهديد قدرة ترمب بشكل فعلي على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري. هيلي فقط التي تكتسب المزيد من الاهتمام من بين المنافسين الآخرين، لكن هذا يتم في الغالب من خلال سحب الأصوات من ديسانتيس وتعزيز الأقلية الجمهورية المناهضة لترمب. وأعتقد أنها المرشحة الوحيدة في هذا المجال التي يبدو أنها تحرز تقدماً".
أما بالنسبة لديسانتيس، فقالت كونداي إنه يستمر في فقدان الزخم في هذا السباق، ولم يُغيّر من ذلك أي شيء حدث في المناظرة الأخيرة.
وأضافت "رغم أن ديسانتيس بدأ حملته بتقديم نفسه كونه أقوى منافس لترمب، إلا أنه لم يكن ناشطاً قوياً في الحملة، ولم يتواصل مع الناخبين. ولم يفعل أي شيء لتغيير هذه الحقيقة في المناظرة الأخيرة، ولا يزال عالقاً على الحياد، كما أن كريستي وفيفيك راماسوامي لا يزالان في مرحلة لاحقة دون أي فرصة حقيقية لنيل بطاقة الترشح".
ووصف هال نيكي، كريس كريستي ونيكي هيلي بأنهما "الأفضل"، وقال "واصلت هيلي عرض وإظهار مستوى جاهزية على المستوى الرئاسي، كما فعلت سابقاً في المناظرات السابقة"، معتبراً أن هيلي قادرة على استقطاب الأصوات من ترمب "لذكائها ومعرفتها وخبرتها في السياسة الخارجية".
أما عن أداء ديسانتيس، فاكتفى هال بقوله "من الواضح أن كلاً من ديسانتيس وراماسوامي تركا انطباعات سلبية وسيئة للغاية".
"قفزة تجاوزت التوقعات"
حصد كريس كريستي المركز الثالث باستطلاع الرأي بعد ديسانتيس وهيلي على الترتيب، متقدماً على راماسوامي الذي استقر في ذيل القائمة.
وعلى الرغم من أن 31% من متابعي المناظرة وصفوا كريستي بأنه صاحب أسوأ أداء، فقد تجاوز التوقعات بعد المناظرة، وكان هو المرشح الوحيد الذي شهد قفزة كبيرة في التأييد من 21% قبل المناظرة إلى 29% بعدها.
واعتبر الخبراء أن حاكم ولاية نيوجيرسي السابق خاض أقوى مناظرة له منذ انطلاق المناظرات الرئاسية الجمهورية في أغسطس الماضي.
وفي وقت أشارت كل من نيلسون وكونداي أن كريستي ترك أفضل الانطباعات في تلك المناظرة متفوقاً على نفسه في المناظرات السابقة وعلى منافسيه، في عرض سياساته وحتى في انتقاد الرئيس السابق، فإن هال ذهب بعيداً إلى حد الاعتقاد في إمكانية حصول كريستي على ترشيح الحزب الجمهوري في السباق الرئاسي 2024.
ووصف هال كريستي بأنه "الفائز الأكبر"، لافتاً إلى تعليقاته الثاقبة وملاحظاته الذكية وتقييماته المدروسة لكل من القضايا المطروحة واستجابات المرشحين الآخرين وتوصيفاته الحكيمة لافتقار المرشحين الآخرين إلى الشجاعة لمواجهة أو تحدي دونالد ترمب، على حد قوله.
وأعرب أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" عن اعتقاده بأن كريستي وضع نفسه الآن في وضع جيد لمواصلة التقدم، وربما التفوق على كل من ديسانتيس وهيلي، "وربما يتقدم ليصبح المرشح الرائد القابل للنجاح ليكون قادراً بشكل فعلي على تحدي ترمب".
وتابع: "من المسلّم به أن حصول كريستي على ترشيح الحزب أمراً بعيد المنال، لكنني ما زلت أعتقد اعتقاداً راسخاً أن الشعب الأميركي، بحكمته اللامتناهية، لن يعيد الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أو مكتب الرئاسة الأميركية".