أعلنت إسرائيل، الأحد، أنها اختارت رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك للانضمام إلى هيئة قضاة بمحكمة العدل الدولية، من المقرر أن تنظر هذا الأسبوع دعوى تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية.
وبموجب قواعد محكمة العدل الدولية، "إذا لم تضم المحكمة قاضياً من جنسية الخصوم" في اللجنة المكونة من 15 قاضياً، "جاز لكل من هذه الأطراف اختيار قاضٍ على النحو المنصوص عليه"، للنظر في القضية، بحسب موقع الأمم المتحدة.
وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تعيين باراك، فيما ذكرت "القناة 12" أن اسم باراك اقترح من قبل الإدارة الدولية لمكتب المدعي العام، بدعم من المستشارة القضائية للحكومة جالي بهاراف ميارا، وبموافقة شخصية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فيما قالت وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا، التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حرب غزة، إنها عينت أيضا قاًضيا خاصاً، وهو النائب السابق لرئيس المحكمة العليا ديكجانج موسينيكي.
ولم تعلن إسرائيل بعد عن فريقها القانوني خلال الجلسة، وهي جلسة أولية تتناول مباشرة الإجراءات المؤقتة التي يمكن اتخاذها قبل صدور أي حكم، ومن بين هذه الخطوات يمكن إصدار إعلان من قبل المحكمة أنه يجب على إسرائيل وقف عمليتها العسكرية في غزة.
وفي الماضي، عارضت إسرائيل صلاحيات المحاكم الدولية، لكنها وافقت منذ عقود على صلاحية محكمة العدل الدولية في مثل هذه الحالات عندما صدقت على اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.
عضو بمفاوضات كامب ديفيد
ومن بين مرشحين آخرين لهذا المنصب، اختارت إسرائيل باراك لكونه خبيراً قانونياً معروفاً، حسبما ذكر مصدر مطلع على المداولات لم يذكر اسمه لموقع "والا" الإخباري.
ولعب باراك البالغ من العمر 87 عاماً "دوراً فعالاً"، في دعم الرهائن المحتجزين منذ 7 أكتوبر، بما في ذلك مخاطبة رئيسة "الصليب الأحمر" ميريانا سبولجاريك إيجر للمطالبة باتخاذ إجراء فوري، بحسب موقع "i24news"، ومن أبرز أدواره أنه كان مستشاراً قانونياً للوفد الإسرائيلي للتفاوض على اتفاقية السلام مع مصر (كامب ديفيد)، وكان منخرطاً بشكل مباشر في صياغة الاتفاقية، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، والرئيسان الأميركي جيمي كارتر حينها، والمصري أنور السادات، وأسامة الباز كبير مستشاري السادات.
وأثناء محادثاته مع أسر المختطفين، قال رئيس المحكمة العليا الإسرائيلي السابق إن "مذابح 7 أكتوبر التي ارتكبتها حماس أعادت إليه الذكرى الرهيبة التي عاشها عندما كان طفلاً في جيتو كوفنو في عام 1944"، على حد تعبيره.
وباراك هو خبير قانوني، نجا من "الهولوكوست"، عندما كان طفلاً، وهاجر إلى ما كان يعرف آنذاك بـ"فلسطين الانتدابية" التي كانت تديرها حكومة الانتداب البريطاني عام 1947، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".
وكان باراك، وهو أحد المدافعين عن أنشطة المحكمة العليا، محور معارضة أعضاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي أحدثت مساعيها لإصلاح القضاء، العام الماضي استقطاباً شديداً في الشارع والمؤسسات الإسرائيلية.
وقالت الصحيفة إن باراك لن يُنظر إليه على أنه حليف لنتنياهو، مشيرة إلى أن القاضي المتقاعد انتقد خطط حكومة نتنياهو، التي كانت تهدف إلى "تهميش صلاحيات" المحكمة العليا في إسرائيل.
ولطالما تعرض باراك للانتقاد من قبل الكثيرين في اليمين المتشدد بسبب نهجه النشط، وأدت تعليقاته ضد الإصلاحات القضائية إلى مزيد من الانتقادات اللاذعة ضده من مؤيدي الخطة. واحتشد المتظاهرون المؤيدون للتعديلات القضائية والمناهضون لها أمام منزله عدة مرات على مدار العام.
آراء متضاربة
ووفقا لما ذكرته هيئة البث الإسرائيلي "مكان"، أعرب الوزراء عن آراء متضاربة بشأن الاختيار في مجموعة "الواتساب" للحكومة.
وقال وزير التراث عميحاي إلياهو من حزب "عوتمسا يهوديت" اليميني المتطرف، إنه لا يظن أن لدى باراك "المفاهيم الصحيحة بشأن هذه المسألة".
لكن وزير الداخلية موشيه أربيل من حزب "شاس" قال إن بارك هو "خيار معقول للغاية، لا سيما على الساحة الدولية".
كما أشاد الوزير الإسرائيلي في مجلس الحرب بيني جانتس، زعيم حزب "الوحدة الوطنية"، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، بباراك باعتباره "وطني إسرائيلي لبى دائماً نداء بلده الذي يحبه كثيراً"، ووصف القرار بأنه "صحيح ومناسب".
وكتب زعيم المعارضة يائير لبيد، رئيس حزب "يش عتيد"، على منصة "إكس": "هذه ليست المرة الأولى التي تحتاج فيها دولة إسرائيل إلى العقل والمعرفة اللا محدودة والمكانة الدولية الفريدة للقاضي أهارون باراك. أهنئه على تعيينه، وأتمنى له التوفيق".
في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، كتبت زعيمة حزب "ميريتس" السابقة زهافا جال أون، أنه في لاهاي "سيواصل باراك تجاهل حقيقة أن الحكومة التي سيدافع عنها جعلته هدفاً لسنوات، بعد أكثر من عقدين من تركه منصبه. إنها حكومة لا تستحق مواطنيها".
وكتب عضو الكنيست وزير الوحدة الوطنية، جدعون ساعر وهو وزير العدل السابق، منصة "إكس"، أنه أشاد بقرار نتنياهو، والمدعي العام بتعيين باراك.
وقال: "في لحظة الحقيقة: التحريض والتشهير ونزع الشرعية يفسح المجال للمكانة الدولية، وللسمعة الطيبة التي اكتسبتها على مدى عقود، وللاحترافية".
"نموذج للتواطؤ"
في المقابل اتهم كبير مستشاري المجلس النرويجي للاجئين إيتاي إبشتين، رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق، بأنه "نموذج للتواطؤ القضائي".
وفي تعليق على اختياره، أشار إبشتين في تغريدة عبر منصة "إكس" إلى أن القاضي باراك "رفض طوال مسيرته المهنية البت في (مدى) مشروعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة".
نشأته ومسيرته المهنية
ولد أهارون باراك في ليتوانيا عام 1936، وكان أحد الأطفال القلائل الذين فروا من حي اليهود بمدينة كوفنو، عندما اختبأ مع والدته في منزل فلاح محلي، ثم هاجر مع والديه إلى إسرائيل عام 1947.
درس القانون والاقتصاد والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس، وحصل على درجة الماجستير في القانون عام 1958، والدكتوراه عام 1963.
عُيّن القاضي باراك أستاذاً مشاركاً للقانون في الجامعة العبرية عام 1968، وأستاذاً عام 1972، وعميداً لكلية الحقوق عام 1974. ومن عام 1978 إلى عام 1994، كان أستاذاً مساعداً في كلية الحقوق، كما حاضر في كلية الحقوق بجامعة نيويورك (1970-1972).
شارك القاضي باراك في إعداد معاهدة دولية بشأن سندات الصرف في إطار لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (1970-1972)، وشغل منصب المدعي العام لإسرائيل لمدة ثلاث سنوات (1975-1978)، قبل تعيينه نائباً لرئيس المحكمة العليا عام 1993، ورئيساً للمحكمة العليا عام 1995.
وحصل على "جائزة كابلان" للتميز في العلوم والبحث (1973)، وجائزة إسرائيل في العلوم القانونية (1975)، وعُين عضواً في الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم (1976). وفي عام 1978، عينه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيجن مستشاراً قانونياً للوفد الإسرائيلي للتفاوض على اتفاقية السلام مع مصر.
وألقى باراك محاضرات دولياً على نطاق واسع، في كلية الحقوق بجامعة "ييل"، وجامعة ألاباما، وكلية الحقوق بجامعة تورنتو. وألف العديد من الكتب باللغتين الإنجليزية والعبرية، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء.