في محاولة يائسة لتقديم نفسيهما كبديل للمرشح الجمهوري الأوفر حظاً دونالد ترمب، تبادل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، والسفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي اتهامات لاذعة في مناظرة فردية، أبرزت تنافسهما المحموم على الفوز بالمركز الثاني خلف الرئيس الأميركي السابق.
وشارك ديسانتيس وهيلي، الأربعاء الماضي، في مناظرة بجامعة "دريك" في دي موين بولاية أيوا، قبل 5 أيام فقط من إدلاء الناخبين بأصواتهم في السباق الرئاسي الجمهوري في المؤتمرات الحزبية في الولاية نفسها.
وفي الوقت الذي تحوَّل فيه النقاش بين الثنائي إلى خلاف لاذع استمر لساعتين تبادلا خلاله الاتهامات بـ"الكذب وعدم الاتساق"، اتخذ ترمب، قراره مرة أخرى بتخطي المناظرة الخامسة أسوة بالمناظرات السابقة، وظهر بدلاً من ذلك، في قاعة في بلدية أيوا في مقابلة تلفزيونية على قناة Fox News، على بعد 5 كيلومترات من مسرح المناظرة.
ويتقدم ترمب على أقرب منافسيه في ولاية أيوا بأكثر من 30 نقطة في معظم استطلاعات الرأي. وأظهر استطلاع رأي حديث أن ترمب حصل على دعم 51% من أعضاء الحزب المحتملين في ولاية أيوا. ووجد الاستطلاع الذي أجرته شبكة NBC News بالتعاون مع MEDIACOM، وظهرت نتائجه منتصف ديسمبر الماضي، أن ديسانتيس حصل على 19%، وحصلت هيلي على 16%.
وتجاوزت نسب مشاهدة مقابلة ترمب التلفزيونية 4.3 مليون مشاهد، في حين حصدت المناظرة الخامسة التي بُثت على شبكة (CNN) 2.5 مليون مشاهد خلال فترة المقابلة نفسها مع ترمب، مما يعني أن تلك المناظرة حصلت على أقل نسبة مشاهدة مقارنة بالمناظرات الأربعة السابقة، إذ شاهد المناظرة الرابعة نحو 4 ملايين شخص على شبكة NBC، وحصلت المناظرة الجمهورية الأولى على 12.8 مليون مشاهدة، أما الثانية فحصلت على 9 ملايين مشاهدة، وتم بثهما على قناتي Fox News، وFox Business، بينما شاهد المناظرة الثالثة 7 ملايين شخص على شبكة NBC.
أداء متقارب
واعتبر خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الشرق" أن ترمب ما زال يتمتع بـ"بقبضة قوية" على الحزب الجمهوري من الصعب زعزعتها، وأن قاعدته ملتزمة به بشكل كبير. وقالوا إن أداء ديسانتيس وهيلي في المناظرة الخامسة كان متقارباً إلى حد ما، وإن أظهرت الأخيرة بعض التقدم، لكنهما ما زالا يتنافسان على المركز الثاني، أملاً في صدور قرارات من المحكمة ضد ترمب قبل المؤتمر الجمهوري.
وانتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" ويليام هال أداء المرشحين، ووصف أجواء النقاش بأنها كانت "لاذعة ومسممة".
وفي حديثه مع "الشرق" قال هال إن أداء كلا المرشحين في المناظرة التمهيدية الخامسة للحزب الجمهوري كان مختلفاً بعض الشيء عن المناظرات السابقة، مرجعاً السبب إلى قلة عدد المرشحين المشاركين.
وتابع: "أعتقد أيضاً أن هذه الحقيقة مهدت الطريق لبيئة نقاش كانت لاذعة ومسممة، خاصة من حيث أنواع وعدد ودرجة ومستويات الهجمات الشخصية الموجهة من كلا المرشحين تجاه بعضهما باستمرار خلال سير المناقشة بأكملها".
واعتبر هال أن المرشحَين المشاركين في المناظرة، بذلا قدراً أكبر من الجهد والتركيز على الهجمات الشخصية، بدلاً من تكريس طاقتهما وتعليقاتهما تجاه المتسابق الأول الحالي في السباق التمهيدي للحزب الجمهوري للترشيح لمنصب الرئيس "دونالد ترمب".
هيلي تتقدم لأول مرة في أيوا
وبعد يوم واحد من المناظرة الرئاسية الأخيرة للحزب الجمهوري، وقبل إجراء الاقتراع الأول في انتخابات عام 2024، كشف استطلاع رأي، أن نيكي هيلي تتفوق على رون ديسانتيس في ولاية أيوا للمرة الأولى. ووجد الاستطلاع الذي أجرته جامعة Suffolk، وشمل 500 من المشاركين المحتملين في المؤتمرات الحزبية، أن 54% يقولون إن ترمب هو خيارهم الأول، تليه هيلي بنسبة 20%، ثم ديسانتيس بنسبة 13%.
ويأتي انسحاب حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي من السباق الرئاسي، وإعلانه ذلك قبل ساعات فقط من بدء المناظرة، في مصلحة هيلي، خاصة بين الناخبين المعتدلين، على حد قول، الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابي زاك مكيري.
وفي حديثه مع "الشرق"، قال مكيري إن المناظرة الأخيرة عززت هيلي باعتبارها البديل الرئيسي لترمب، في حين كان ديسانتيس في حالة هجوم معظم الليلة، لكنه "لم يفعل الكثير لإحياء حملته أو خلق أي مشكلات جديدة لهيلي".
واعتبر مكيري أن هيلي كانت الفائزة في تلك المناظرة، بينما كان ديسانتيس هو الخاسر، قائلاً: "حلت هيلي محل ديسانتيس كبديل رئيسي لترمب منذ وقت، ولم تغير المناظرة الأخيرة شيئاً من ذلك".
واتفق هال مع مكيري في أن نيكي هيلي ربما قدمت أداءً أفضل قليلاً إلى حد ما من ديسانتيس. ومع ذلك، لا يعتقد هال أن أياً من المرشحَين قدَّم ضربة قاضية للآخر، "وبالتأكيد لم يفعل أي منهما سوى القليل جداً لتحقيق مكاسب كبيرة، ولا تزال الصدارة حالياً، وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي، للرئيس السابق دونالد ترمب".
ووصف أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة "ماركيت تشارلز فرانكلين"، المناظرة بـ"القوية"، وقال في حديثه مع "الشرق" إن المرشحَين ركزا على بعضهما البعض دون مقاطعة، أو تشتيت انتباه الآخر كما في المناظرات السابقة.
ولفت فرانكلين إلى أن هيلي وديسانتيس انتقدا بعضهما البعض بشكل حاد، لكنهما جعلا بعض الاختلافات السياسية بينهما أكثر وضوحاً، مضيفاً أن كليهما أدى أداءً جيداً بما فيه الكفاية، ولم يرتكب أي منهما أخطاء كبيرة، لكن "لم يسجل أي منهما انتصارات حاسمة أيضاً".
واعتبر أن الفائز "يحدده المشاهد"، مشدداً على أن كليهما قام بعمل جيد بما يكفي ليعتقد أنصارهما أنهما فازا، لكنه شكك في الوقت ذاته في أن أداءهما قد حرّك الكثير من الناخبين المترددين.
وجادل فرانكلين في أنه إذا حصلت هيلي على المركز الثاني بشكل غير متوقع في ولاية أيوا، فإن ذلك من شأنه أن يمنحها دفعة للذهاب إلى نيو هامبشاير، حيث تحتل المركز الثاني بقوة إلى حد ما خلف ترمب، "لكن التغلب عليه هناك سيظل يمثل تحدياً".
انتقادات للرئيس السابق
بعكس المناظرات السابقة، انتقد المتنافسان الجمهوريان، المرشح الأوفر حظاً من الحزب الجمهوري، وسخرا من الاستئناف الذي قدَّمه محامو ترمب بأنه محصن من الملاحقة القضائية على الأفعال التي ارتكبها أثناء توليه منصبه. واتهم ديسانتيس ترمب بأنه يتجاهل احتياجات الأسر الأميركية، و"يركض لمتابعة قضاياه".
فيما هاجمت هيلي، ترمب على خلفية أحداث الكابيتول في 6 يناير 2021، وقالت: "ما حدث في السادس من يناير كان يوماً فظيعاً. وسيكون على ترمب أن يجيب على ذلك".
ومع تمتُع هيلي بوضع أفضل لخوض الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير في 23 يناير الجاري، وجهت ضرباتها بقوة إلى ترمب في المناظرة، وقالت إنها لا تعتقد أنه "الرئيس المناسب للمضي قدماً".
وكانت هيلي قد حصلت على دعم كبير في ولاية نيوهامبشير، حيث تقدمت على ديسانتيس بفارق كبير وتخلفت عن ترمب بفارق ضئيل. وأظهر استطلاع جديد أجرته شبكة CNN، وجامعة "نيو هامبشاير"، أن ترمب يحتفظ بتقدم كبير في الاستطلاع، إذ حصل على دعم 39% من الناخبين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات التمهيدية في الولاية مقارنة بـ32% لهيلي، و5% لديسانتيس.
وكشف الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه قبل يوم واحد من المناظرة، أن هيلي حصلت على دعم أكبر بنسبة 12 نقطة مئوية منذ آخر استطلاع أجرته شبكة CNN في نوفمبر الماضي، بينما بقيت نسب منافسيها كما هي دون ارتفاع.
وقال مكيري إن هيلي أصبحت أقوى منافس لترمب، لكنه في الوقت نفسه أثار نقطة تتعلق بمدى تشكيلها تهديداً للرئيس السابق.
وأشار إلى أن ما فعلته هيلي في الغالب هو توحيد صفوف الناخبين الجمهوريين الذين كانوا معادين لترمب بالفعل، مضيفاً: "لم تحرز أي تقدم في جذب ناخبين جدد من ترمب، ويبدو أنها مترددة في مهاجمته بقوة أيضاً. وبالنظر إلى ذلك، فمن الصعب أن نتصور أنها تشكل تهديداً حقيقياً له لضمان ترشيح الحزب الجمهوري".
ورجَّح مكيري أنه ربما يكون لدى هيلي فرصة للفوز بانتخابات تمهيدية في ولاية معينة مثل نيو هامبشاير، لكن "ترمب لا يزال يتمتع بقبضة قوية على الحزب الجمهوري تصعب زعزعتها، ومن الصعب للغاية تخيل أنه لن يكون المرشح الجمهوري في عام 2024".
ترمب الفائز الوحيد
من جهته، وصف الباحث السياسي ومنسق العلاقات الإعلامية في مركز السياسة بجامعة فيرجينيا، جي مايلز كولمان، ترمب بأنه كان "الفائز الوحيد" بعد تلك المناظرة.
وفي حديثه مع "الشرق"، قال كولمان إن خصمَي ترمب الرئيسيَين تبادلا الضربات الخشنة، في حين لم يقدما له كالعادة سوى انتقادات عرضية في أفضل الأحوال، "على كلٍ سنرى ما إذا كانت المنافسة المقبلة في ولاية أيوا ستغير الأمور، ولكن بافتراض فوز ترمب بها، كما تشير استطلاعات الرأي، فإنه لا يزال في مقعد السائق للفوز بترشيح الحزب الجمهوري".
واعتبر أستاذ القانون والسياسة العامة فرانكلين أن الرئيس السابق أفلت من انتقادات لاذعة داخل الحزب الجمهوري، ومن أي من خصومه الآخرين باستثناء كريس كريستي الذي انسحب من السباق الرئاسي مؤخراً.
وقال فرانكلين إن هيلي وديسانتيس لم يقولا الكثير على الإطلاق عن ترمب خلال المناظرة، مضيفاً: "لذلك لا أرى تأثيراً كبيراً لهما على فرص ترمب في الانتخابات. ويبدو أن حتى الانتقادات التي وجهت له لم تؤذه على الإطلاق. والواقع أنه نجح في تعزيز دعمه خلال العام الماضي".
ديسانتيس.. "تهديد أقل"
بدأ حاكم ولاية فلوريدا حملته الرئاسية كبديل ومنافس قوي لترمب، لكن حملته كانت تتعثر باستمرار، وانخفض تصنيفه في استطلاعات الرأي.
وبعد ذلك، أكمل حملته كمنافس على المركز الثاني خلف ترمب، وبينما كان يتعادل مع هيلي، أو يتقدم عليها في استطلاعات الرأي في ولاية أيوا خلال الشهر الماضي، تفوقت عليه بقوة في نيو هامبشاير. ولا يزال يتخلّف عن ترمب بأكثر من 30 نقطة في الولاية.
ورأى الخبراء الذين تحدثوا لـ"الشرق" أن ديسانتيس لم يقدّم في المناظرة الأخيرة أداءً يساعده على الخروج من كبوته، وإنقاذ حملته التي تتعثر منذ أشهر.
وفي حين تحفّظ كولمان على وصف ديسانتيس بـ"الخاسر" في هذا النقاش، قال إنه كان لديه الكثير ليخسره، مضيفاً: "إنه في حاجة ماسة إلى عكس مساره، ولا أعتقد أن أداءه في المناظرة قدَّم أي شيء غير عادي لإخراجه من كبوته".
من جانبه، أشار فرانكلين إلى أن ديسانتيس، قبل عام مضى، كان يشكل تهديداً حقيقياً لترمب، إذ إن الجمهوريين الذين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الرئيس السابق هم أيضاً مؤيدون تماماً لديسانتيس.
لكن فرانكين لفت إلى تغيُّر الوضع، وعدم تشكيل ديسانتيس تهديداً في الوقت الحالي، وقال: "كان يفوز بأكثر من 30% من مؤيدي ترمب، لكن مكانته تراجعت بشكل كبير على مدار العام، إذ فاز الآن بأقل من 10% من هؤلاء الجمهوريين. لذا فهو أقل تهديداً الآن، رغم أن أنصار الرئيس السابق ما زالوا يحبونه".
وأضاف: "لقد حصلت هيلي على الكثير من الدعم من الجمهوريين الذين لديهم وجهة نظر غير مواتية لترمب، لكن هذا لا يمثل سوى نحو 30% من الجمهوريين، مما يعني أنها ستظل تتخلّف عنه حتى لو فازت بجميع (أصوات) ناخبي الحزب الجمهوري غير المؤيدين للرئيس السابق".
المرشح الأوفر حظاً
ويتقدم الرئيس السابق استطلاعات الرأي بفارق كبير يصل إلى أكثر من 48 نقطة مئوية عن أقرب منافسيه الجمهوريين. كما يحظى بقبضة قوية على الحزب الجمهوري تمكنه من الحصول على ترشيحه ببساطة، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة.
وأرجع خبراء تصدُّر ترمب استطلاعات الرأي المتوالية إلى استراتيجيته الناجحة، والمتمثلة في تخطي المناظرات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة "ميشيجن" مايكل تراوجوت، أن ابتعاد ترمب عن الاتصال المباشر مع منافسيه مكنَّه من الفوز، وقال في حديثه مع "الشرق" إن الرئيس السابق هو "الفائز بتجنب التواصل".
وذكر تراجوت أن هيلي وديسانتيس يتنافسان على المركز الثاني، ويأملان صدور قرارات من المحكمة قبل المؤتمر الجمهوري، لافتاً إلى أن قاعدة دعم ترمب ملتزمة للغاية، ولا يتنافس أي من المرشحين الآخرين حقاً على المركز الأول أو الترشيح.
ولفت فرانكلين إلى أن كل التوقعات تشير إلى فوز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري، قائلاً: "إنه يحمل أقوى تقدُّم لأي مرشح في تاريخ الانتخابات التمهيدية على الأقل منذ السبعينيات. لا يتعلق الأمر فقط بإمكانية حصول هيلي أو ديسانتيس على دعم كبير، ولكن هل يمكن لشيء ما أن يقلل بشكل حاد من الدعم للرئيس السابق؟ لم نر ذلك حتى الآن".
فيما قال مكيري إن عدم مشاركة ترمب في المناظرات لم يتسبب في تقدمه فقط، لكنه أضر بالمنافسين الآخرين أيضاً، وقال: "بدون مشاركة الرئيس السابق، فإن هذه المناظرات لا تفعل الكثير لمساعدة أي من المرشحين الآخرين لأنهم لا يفعلون شيئاً سوى انتقاد بعضهم البعض. ومع اقتراب موعد الانتخابات الحزبية والانتخابات التمهيدية، أصبحت احتمالية أن يكون ترمب مرشح الحزب الجمهوري أكثر فأكثر".
ووصف هال غياب ترمب عن المناظرات التمهيدية للحزب الجمهوري بأنه كان "قراراً سياسياً محسوباً واستراتيجياً لتعزيز فوزه بالترشيح"، مضيفاً: "في رأيي، أظهر ترمب أيضاً، من خلال القيام بذلك، غطرسته في عملية الترشيح وازدرائه للمرشحين الآخرين، والأهم من ذلك، ازدراءه للمواطنين الأميركيين والناخبين المحتملين".
ولفت إلى أن الوقت لا يزال متاحاً لحدوث تطورات جديدة أو مفاجآت غير متوقعة.
واختتم تصريحاته قائلاً: "تحضُرني مقولة في السياسة الأميركية، عن عمدة مدينة شيكاغو الراحل ريتشارد جيه دالي، إن الاستطلاع الوحيد الذي يهم حقاً هو الذي يُجريه الناخبون أنفسهم في حجرة الانتخابات يوم التصويت".