يشيخ البشر، ولا تشيخ قضاياهم. هكذا هي باختصار حكاية فلسطين. أكثر من 7 عقود، ولا تزال أمَّ القضايا. كانت تبدو في مرحلة الموت السريري، لكن فجأة بُعثت فيها الحياة من جديد. في السابع من أكتوبر نهضت من تحت الركام، ونفضت غبار السنين، إلا أن الثمن هذه المرة كان باهظاً جداً، فهل من نهاية سعيدة لأطول قضية معاناة في العصر الحديث؟
ينطوي نقاش قضية معقدة كالقضية الفلسطينية، على حمولة عاطفية وحساسيّة بالغة الشدة، إذ يختلط فيها العقلاني بالأيديولوجي والعاطفي، ولهذا فإن أي نقاش يتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا بد أن ينطلق من قواعد ومسلّمات أساسية، وهي أن إسرائيل تحتل أرض فلسطين التاريخية، وتستخدم القوة العسكرية المدمرة لقتل وتهجير الفلسطينيين، وتُعطل حل الدولتين، وتحظى بدعم قوى عظمى، بينما الفلسطينيون هم المسلوبة أرضهم وحقوقهم وأحلامهم، وليس لديهم قوة عسكرية مكافئة للقوة الإسرائيلية، والسلطة التي تُمثلهم موافقة على حل الدولتين.
ثمة حقيقة أخرى، وهي أن إسرائيل تسعى دائماً لكسر إرادة الفلسطينيين، لكن، لا يبدو أن إرادة الفلسطينيين قابلةٌ للانكسار.، والثابت حتى الآن في هذا الصراع الطويل، أنه "لا إسرائيل تستطيع إنهاء وجود الفلسطينيين، ولا الفلسطينيون قادرون على إنهاء وجود إسرائيل".
في حلقة برنامج "سؤال المليار" على "الشرق بودكاست" التي تناولت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استضافت "الشرق"، أكاديميين فلسطينيين بارزين، هما مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، خليل الشقاقي، وأستاذ العلوم السياسية والوزير السابق، علي الجرباوي. وكلاهما يعيش في الضفة الغربية.
وبينما بدا الشقاقي غير متفائل بحلول سعيدة في الوقت الحاضر، رأى الجرباوي نهاية سعيدة، لكن في نهاية النفق، على حد تعبيره.
جدوى البندقية
لم تبدأ الأزمة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، بل تعود جذورها إلى القرن الـ19، عندما أسس "يهودي علماني"، فكرة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، يُجنبهم الاضطهاد الذي عانوه في أوروبا. لم يعش النمساوي، تيودور هرتزل، ليشهد وعد بلفور في عام 1971، وقيام دولة إسرائيل في عام 1948، إلا أن القوم الذين سعى لإنقاذهم من الفظائع، متهمون بممارستها على مدى عقود ضد أصحاب الأرض التي استوطنوها.
مرَّ أكثر من قرن على وعد بلفور، وقد ولّدت الحروب حروباً، وفي كل مرة تندلع مواجهات بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، ينقسم الناس إلى فئتين، الأولى متحمسة لحسم الصراع بالحرب، والأخرى غير متحمسة لخيار تُرى حظوظ الانتصار فيه ضعيفة.
وفي ظل تباين الآراء، قد يبدو السؤال عن جدوى عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة "حماس" شائكاً ومربكاً، إلا أن الأكاديمي علي الجرباوي، أكد أنه "بغض النظر عن وجهة نظرنا من الحرب الدائرة في غزة وكل أهوالها، إلا أن القضية الفلسطينية كانت منسية قبل هذه الحرب، ولم يعد أحد يسأل عنها، وحتى أن الرئيس الفلسطيني يترجى نتنياهو ليلتقيه منذ عام 2014".
وتابع "أصبحنا نسياً منسياً، وكأن علينا أن نقضي بقية حياتنا وأولادنا وأحفادنا في الوضع الذي تريد إسرائيل فرضه علينا، ولذلك هذه الحرب على الأقل من هذه الناحية جعلت القضية الفلسطينية في كل العالم، وقد لا يتمخض عن ذلك شيء كثير، لكنها أعادت التذكير بأنه دون تسوية سيظل الإقليم غير مستقر، وهذا رغم كل مآسي الحرب، يبقى شيئاً مهماً للقضية".
النضال المسلح ليس حديثاً في حلقة الصراع مع إسرائيل، فالعديد من حركات المقاومة الفلسطينية نشطت في العمل العسكري سابقاً، لكن بينما استمر بعضها قابضاً على الزناد، ترك بعضها الآخر البندقية، وانصرف إلى العمل السياسي، ما يدعو إلى التساؤل: أي الطريقين أكثر جدوى حقاً؟
ليس هناك شك، وفقاً للشقاقي، أنه بدون العمل المسلح لم تكن ستقوم للفلسطينيين قائمة مطلقاً، فالعمل المسلح، كما قال، هو الذي "وضع الفلسطينيين في موقع أفضل خلال الصراع، مع انطلاقة حركة فتح وقيام منظمة التحرير، والدخول في معارك مع إسرائيل منذ حرب 1967".
وأضاف: "المقاومة الفلسطينية منذ تأسيسها جعلت الهوية الفلسطينية تظهر للعالم بشكل أقوى، وبدون العمل المسلح لم يكن ليعبأ بهم أحد، ومع ذلك يبقى السؤال حول ما إذا كان العمل المسلح قادر على تحقيق كافة الأهداف الفلسطينية، وليس فقط أن يحفظ هوية الفلسطينيين وتمثيلهم. هل هو قادر على إنهاء الاحتلال؟ الإجابة حتى الآن لا، لكن الجمهور الفلسطيني في غالبيته العظمة مقتنع بأن العمل المسلح هو (شيء حتمي) في غياب البدائل الأخرى، حتى لو كان الثمن غالياً جداً".
هذا إذن ما قدمته البندقية للفلسطينيين كما يقول الشقاقي.. لكن هل هي الخيار الحتمي الوحيد؟
خيارات الصراع
قال الجرباوي: "ليس بالضرورة أن تكون المقاربة إما حرب أو مفاوضات، لكن يمكن الخلط بينهما، وهذا يحتاج إلى تفكير جمعي فلسطيني، لا أن يتخذ طرف وحده الخيار، ويفرضه على الآخرين، لذلك أعتقد أنه إذا لم يكن هناك مجال لفتح المجال السياسي للحرب، فستكون الحرب عبثية، إذ تنتهي الحروب عادة باتفاقات، ففي نهاية المطاف العالم يتشكل ويُعاد تشكيله نتيجة الحروب والمعاهدات التي تُفضي إليها. الحرب ليست مهمة بحد ذاتها، والناس لا تتذكر مثلاً عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى أو الثانية، لكن الناس تتذكر ماذا نتج عن فرساي واتفاقية سان ريمو، لأن الاتفاقيات هي التي تُعيد تقسيم العالم ورسم خرائطه".
وتابع "الحرب الحالية لن تُحرر فلسطين، ولن تنتهي بالهزيمة الكبرى لإسرائيل، لكنها لقّنتها درساً قاسياً، بأنها لا تستطيع دائماً فرض إرادتها كما تشاء".
في مقابلة تلفزيونية أجريت قبل 20 عاماً، رأى المفكر الفلسطيني الأميركي الراحل، إدوارد سعيد، أن "الحرب ليست الخيار الأفضل في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي"، معتبراً أن "للحرب أشكالاً مختلفة"، وفي حالة فلسطين "لا يمكن الانتصار في حرب تقليدية. نحن ليس لدينا جيش ولا طيران أو بحرية، ولذلك تبقى الأبعاد الأخرى للحرب، أي حرب رؤية، وحركة سياسية، وتثقيف منظم، كالتي تحدث عنها المثقفون والمفكرون السياسيون عبر التاريخ البشري، حيث رأوا أن السياسة هي نوع من التثقيف، وليست مجرد انتخابات سخيفة، أو إطلاق نار على طريقة الجيوش".
وأوضح سعيد، "أنا أتكلم عن حرب رؤية مختلفة ومضادة، أي حرب على العقل. الجيش الفرنسي كسب الحرب في الجزائر، لكنه انهزم سياسياً، لأن فكرة التحرير هي من حققت الانتصار الحقيقي، وليس الجيش".
شعبية "حماس"
منذ تأسيسها في عام 1987، على يد الشيخ الراحل أحمد ياسين، الذي اغتالته إسرائيل في عام 2004، استطاعت "حماس" أن تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية، كحركة مقاومة بخلفية أيديولوجية دينية، ترفض الحلول السلمية، وتؤمن بأن السلاح هو الخيار الوحيد للتحرير، ورغم أن هذه العقيدة لا تحظى بإجماع كافة الفلسطينيين ولا حتى بتأييد عربي ودولي رسمي، مع ذلك، تتمتع الحركة بشعبية كبيرة، لا في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل حتى على المستوى العربي والإسلامي.
أما أسباب هذا التأييد فهي بحسب الشقاقي، أن أفكار "حماس" الأيديولوجية والسياسية والدينية، تُعبر عن جزء مهم من الجمهور الفلسطيني، وأكمل "مثل أي مجتمع آخر، هناك انقسام لدى الجمهور الفلسطيني بين توجهات إسلامية، وتوجهات وطنية علمانية. التوجه الإسلامي موجود لدى حوالي ثلث الجمهور الفلسطيني، وهذه هي القاعدة التي تبني عليها حماس شعبيتها".
وأشار الشقاقي، إلى أن الغالبية العظمى من قرارات "حماس" في الحرب الأخيرة بما في ذلك عملية 7 أكتوبر، حازت تأييد الإسلامين والجمهور الوطني العلماني، وبالتالي فكرة أن "حماس" هي شيء خارج عن قناعات وقيم وسياسات الشعب الفلسطيني، "ليس له أي أساس في الواقع"، وفق قوله.
من جانبه، ربط الجرباوي الأمر بـ"فكرة المقاومة"، موضحاً أن "القضية الفلسطينية قضية احتلال، وكل من يحاول إنهاء الاحتلال يُؤيد من الفلسطينيين"، لكن في الوقت، تحدث الوزير السابق عن تأثير "الاقتراب من مكان الخطر على فكرة التأييد"، لافتاً إلى أن "تأييد حماس حالياً في قطاع غزة، أقل بكثير من التأييد الذي تتمتع به في الضفة، وهذا الأخير أقل من تأييدها في المحيط والإقليم وهكذا، والسبب أنه كل ما ابتعد الناس عن موقع الأثر والضرر الفعلي يزداد تأييدهم لحركات المقاومة".
تحدث ضيفا "الشرق بودكاست" بلغة الباحث والأستاذ الجامعي، لكن للشارع الفلسطيني آراءه أيضاً التي ربما تكون أكثر مباشرة وصراحة، وفي جميع الأحوال، هذا التنوع في الآراء لا يعني أن الناس يختلفون على حب وطنهم أو التمسك بقضاياه.
محمد منذر البطة أحد النشطاء الفلسطينيين الذين قرروا كسر حاجز الصمت حيال الحرب الجارية في غزة، مقدماً رأياً جريئاً في حلقة عبر منصّته في "يوتيوب" وقد أتاح لنا عرض جزء منها، إذ يقول " يُفترض أن تكون الحروب تنفيذاً لقرار القيادة السياسية لتحقيق هدف ما، أما هذا (حرب حماس) اسمه عبث وعدمية، والوحيد الذي يعرف توقيتها وسببها هو السنوار وأعوانه، وهو المسؤول عن كل ما يجري، وهم بشر يُخطئون، والأهم إنهم ليسوا فوق النقد أو المحاسبة. الإسرائيليون ليس أفضل منا حتى يخرجوا في مظاهرات ضد قادتهم، ويهاجمون نتنياهو ويحملونه المسؤولية، والآن يريدون محاكمته والحرب مشتعلة، لم يعترض أحد منهم بحجة الجبهة الداخلية أو طالب بالصمت لانتهاء الحرب".
وانتقد الناشط الفلسطيني، استشهاد بعض قيادات "حماس" بالثورة الجزائرية والفيتنامية، لتبرير كثرة أعداد الضحايا في غزة، وأضاف "بغض النظر عن الفرق بين الاحتلال والاستعمار، وأن هذا القياس خاطئ، لكن من كثرة تكراره، آمنت الشعوب العربية أن موت الفلسطيني شيء عادي وضريبة التحرير".
وتساءل محمد "كأنه كلما ذُبح منا أطفال أكثر نقترب من تل أبيب أكتر وأكتر؟!"
على مدى نصف القرن الماضي، اتخذت القوى الفلسطينية، قرارات سياسية وعسكرية ذات تداعيات مصيرية، منها ما أصاب ومنها ما أخطأ، لكن إلى أي مدى تحتاج القضية الفلسطينية إلى مساءلة من يُمثلها؟ وفقاً للجرباوي فإن "الثقافة السياسية الفلسطينية جزء من الثقافة السياسية العربية التي لا تهتم لا بالرقابة ولا بالمساءلة ولا بالمحاسبة.
وأضاف: "للأسف النظام السياسي الفلسطيني تكلّس منذ فترة طويلة. الوضع الأمثل هو أن تتم المساءلة والرقابة والمحاسبة بصورة دورية وإلزامية، عن طريق سؤال الناس، وسؤال الناس يكون بالانتخابات، ونحن ليس لدينا انتخابات منذ فترة طويلة، ولذلك تأييد القوى الساسية والفصائل موجود، لكن هل هو نابع عن ارتباط حقيقي؟ أو عن علاقة ما بين المواطن الشخص مع الفصيل؟ ماذا يقدم له؟ وما هو المتوقع منه؟ هذه الأمور ليست واضحة في النظام السياسي الفلسطيني، لأنه توقف عن العمل منذ زمن".
حل الدولتين
غطى الغبار أوراق المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. آخر جلسة عُقدت قبل 10 سنوات. كان محمود عباس حينها رئيس الفلسطينيين، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وباراك أوباما سيّد البيت الأبيض، لكن في عام 2014، انهارت تلك المفاوضات، لأن إسرائيل رفضت استكمالها رغم تشكيل الفلسطينيين حكومة وحدة وطنية بين غزة والضفة.
وظلت الولايات المتحدة الراعي الوحيد لتلك الطاولة، تُردد ذات العبارة: "لا بد من حل الدولتين"، وهو الخيار الذي قرره العالم حلاً وحيداً لهذه الأزمة، وقبله الفلسطينيون دوناً عن إسرائيل.
اليوم أصبح حل الدولتين بالنسبة للكثيرين في طي النسيان، لكن هناك من لا يزال يراه المخرج الوحيد لهذه القضية المعقدة، فما واقعية هذا الحل اليوم؟
رأى الشقاقي، أنه "لا يوجد حلول أخرى تفاوضية" للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا حل الدولتين، سواء على المدى القصير أو على المدى البعيد.
وأضاف "لا أعتقد بوجود حل البديل عن حل الدولتين كنتاج لمفاوضات، بحيث تقوم دولة فلسطينية على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمتها، لكن في الوقت الحاضر، أصبح هذا الحل غير مقبول لدى الجمهور الفلسطيني، وذلك نتيجة الاعتقاد بأنه غير ممكن وأن الدولة، حتى إن قامت، ستكون هزيلة، وليست ذات سيادة، ولا تسيطر فعلياً على حدودها".
وحتى تكون المفاوضات ناجحة، يجب إقناع الفلسطينيين بأن حل الدولتين سيؤدي فعلاً إلى دولة ذات سيادة، وذلك بحسب الشقاقي ممكن "إذا ما ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لتجميد الاستيطان، والانسحاب من مناطق (C) ونقلها للسيطرة الفلسطينية، إلى جانب إجبار إسرائيل على الجلوس حول طاولة التفاوض".
بدوره، اعتبر الجرباوي، أن حل الدولتين "مجحف"، وقال "إذا نظرنا إلى الأمر من ناحية العدل والحق بالمفهوم المطلق، هذا الحل مجحف بالحق الفلسطيني، لكنه مقبول. وأنا شخصياً إذا عُرض علي اليوم سأقبل، وأغلبية كبيرة من الفلسطينيين ستقبله، والأكثر قابلية، هم الذين يعيشون تحت الاحتلال، فكما ذكرت من قبل، الفلسطيني الذي يعيش في الخارج قد يرفض ويقول إنه يريد كل فلسطين، لكن الذي يعيش تحت الاحتلال، سيختار أن يرى نفسه حراً، ومع ذلك تبقى المشكلة الأساسية أن حل الدولتين غير متاح".
تحدث "الشرق" إلى عدد من الشباب في مناطق الضفة الغربية، وشاركوا أفكارهم ومشاعرهم حول حل الدولتين. ألما التي عادت إلى وطنها فلسطين بعد سنوات من الحياة في المهجر، روت لنا تحدياتها من جنين، قائلة "هؤلاء الناس (الإسرائيليين) غير معنيين بالتعايش معنا، ولا يرون أننا مساوون لهم بإنسانيتنا حتى يجاورونا، ويكون لنا نفس الحقوق والمسؤوليات. ومع ذلك وصلت إلى مرحلة كلما سمعت المسؤولين الدوليين يتحدثون عن حل الدولتين أشعر بالغثيان. أين هما الدولتين؟ على أي حدود؟ وماذا عن المستوطنات المنتشرة كمرض السرطان بيننا؟ كيف سنعيش وهي موجودة؟".
وتساءلت ألما "إذا كنا دولتين أنا التي تعيش في الضفة كيف سيكون لها علاقة مع أحد في غزة بينما هناك حدود بيننا؟ وحتى لو فكرنا بكل الخيارات بما فيها تفكيك المستوطنات، كيف ستستوعب المساحة الصغيرة التي لا تتعدى ربع أو ثلث مساحة فلسطين الزيادة السكانية؟ حل الدولتين غير منطقي، ولا أعلم كيف يُطرح على أنه ممكن".
نظرة الشبان الفلسطينيين المتشائمة تجاه حل سياسي ينهي معاناتهم، تعكسها دراسة أجراها المعهد الأميركي من أجل السلام بداية العام الماضي، إذ وجدت أن الأجيال الشابة، لا في فلسطين فحسب، بل حتى في إسرائيل ترى أن "العنف هو السبيل الوحيد أو الأفضل للحصول على التنازلات من الجانب الآخر"، وهذا قد لا يبدو غريباً، فهذه الأجيال منذ أن بدأ وعيها يتشكّل، لم تعرف شيئاً عن السلام.
خيار الدولة الواحدة
في العالم، تعيش عرقيات وقوميات كثيرة في وطنها الأصلي، لكنها لا تملك دولة خاصة بها، كالأكراد والباسك والبلوش مثلاً، ورغم ذلك يتمتع بعضها بحكم ذاتي. فإذا كان حل الدولتين مجحفاً بحق الفلسطينيين وإسرائيل أساساً تُعطل تطبيقه، فهل تُشكل الدولة الواحدة، حلاً مقبولاً؟
الدكتور خليل الشقاقي، رأى أنه بات أمراً واقعاً "الواقع على الأرض يسير باتجاه واقع الدولة الواحدة. هذا ليس حلاً، لكنه الحقيقة اليوم على أرض الواقع، فإسرائيل تُسيطر على كافة الأراضي ما بين البحر والنهر، والطرف الإسرائيلي يقرر من يسكن في هذه المنطقة. هذا الطرح وأقول للأسف، قد يكون الأكثر واقعية من أي طرح آخر".
وتابع "على أرض الواقع لا توجد إمكانية اليوم للتوصل إلى حل الدولتين، ما لم تتغير الأوضاع في إسرائيل، ما لم تتغير الأوضاع في العالم، ويكون هناك استعداد للضغط على إسرائيل، فالأمر الواقع الآن هو الدولة الواحدة ذات التمييز العنصري، فالجمهور الفلسطيني نسبته الآن 50% وربما 51% مقابل الجمهور اليهودي، وخلال 5 سنوات إلى 10 سنوات ستكون الأغلبية الفلسطينية واضحة، وسيكون هناك تمييز عنصري ضدها.
وقال الشقاقي: "هل سيؤدي هذا إلى زيادة تأييد حل الدولة الواحدة؟ ربما. هل سيدفع ذلك إسرائيل لتغيير موقفها والعودة لحل الدولتين وتفضيله على المسار الراهن؟ ربما. لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل".
ولعلّ ما يجعل الحالة الفلسطينية، مختلفة عن قضايا الباسك والأكراد والبلوش، أن هذه القوميات والعرقيات تعيش ضمن دول ترغب في دمجها. كما أن حل الدولة الواحدة قد يُهدد وجود إسرائيل ذاته.
وإذا أردنا شرح ذلك بلغة الأرقام فإن عدد سكان إسرائيل يصل إلى نحو 9 ملايين ونصف المليون نسمة، من بينهم مليونان من فلسطينيي الداخل، أما في الأراضي الفلسطينية، فيعيش أكثر من 5 ملايين موزعين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعني أن إسرائيل إذا أرادت التخلي عن حلم يهودية الدولة، وترك الأمر لصناديق الاقتراع، سيكون الحكم للأكثرية التي قد تكون عربية، وربما يصل بها الحلم إلى تغيير اسم الدولة.
فرص التعايش
أظهرت دراسة أجراها معهد واشنطن خلال العقد الفائت، أن الفلسطينيين مع كل حرب وفشل تفاوضي وتوسع استيطاني، تزداد لديهم الرغبة في استعادة فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وهنا تظهر المفارقة، بأنه كلما ضيّقت إسرائيل الخناق على الفلسطينيين، تتوسع لديهم الرغبة في الحصول على مقدار أكبر من حقوقهم، وهكذا يعود الحلم الفلسطيني ليبدو مرتبطاً ليس فقط فيما يقبلون أو يرفضون، بل بمقدار التعنت الإسرائيلي أيضاً، لكن هل يدرك الإسرائيليون ذلك؟
بالنسبة للجرباوي، فإن "المشروع الصهيوني فشل، لأنه مشروع قام على مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وحتى اليوم يتحدثون عن تهجير أهل غزة، وهذا المشروع قديم، ساعدته بريطانيا لنصف قرن، وتساعده الولايات المتحدة لنصف القرن الثاني الذي تلاه، والآن نحن الفلسطينيون أكثر من اليهود الموجودين على أرض فلسطين. الإسرائيليون أنفسهم يقولون إن لا مستقبل لهذا المشروع".
تحكم إسرائيل منذ سنوات، حكومة يمينية توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية، إذ تلاحقها تهم بالفصل العنصري، وقاضتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، لكن هل يُمثل هذا اليمين المتطرف كافة الإسرائيليين؟
أوضح الشقاقي، أن "الجمهور الإسرائيلي توجد فيه قوة يمينية متطرفة، تُمثل جزءاً مهماً منه، إلا أنها لا تُمثل الغالبية العظمى، وأعتقد أنه في حال كان هناك إطاراً تفاوضي وعودة إلى المفاوضات في ظروف سياسية جيدة للطرفين، وقيادات مشروعة للطرفين، سيكون الجمهور الإسرائيلي قابلاً، حاله حال الجمهور الفلسطيني، بحل الدولتين، وسيقبل نتيجة المفاوضات التي تُعطي الفلسطينيين دولة إلى جانب دولة إسرائيل، بحيث ينتهي الصراع بين الطرفين".
ما يبدو من انسداد في أفق الحل العادل لهذه القضية، دفعنا إلى التساؤل بشأن فرص التعايش مستقبلاً بين الفلسطينيين والإسرائيلين، ولكل منهما سرديته التاريخية التي تدعم حقه في الوجود على هذه الأرض، ورأى الشقاقي أن هناك فرصة لذلك "لا يوجد أي سبب يمنع التوصل لحلول وسط. ليس مطلوباً من أي طرف التخلي عن أفكاره وقراءته وروايته للتاريخ. سيبقى الفلسطيني يعتقد أن كل ذرة في فلسطين تعود إليه، لكنه سيقبل حلاً سلمياً لإيقاف الحرب، وإعطاء فرصة لشعبه لبناء مستقبل، فالحلول السياسية لا تلغي الرواية التاريخية لدى الطرفين عن حقوق كل واحد منهم".
فكرة التعايش هذه، طرحها سابقاً مثقفون فلسطينيون، من بينهم إدوارد سعيد الذي رأى في حديث تلفزيوني في مطلع الألفية، أن القضية أكثر من مجرد انتقام طرف من طرف، قائلاً إنها "ليست قضية انتقام، أنا أريد أن أمنح فرصة لأولادي وأحفادي أن يعيشوا بطريقة طبيعية، لا على قبور شعب آخر. بإمكان العقل البشري أن يفكر بطريقة إبداعية لإيجاد حلول سلمية لصراع سياسي وعسكري وحروب يُعاني فيها منذ سنوات. لماذا لا ننادي لهذه الرؤية، وليست رؤية التضحية والقتل!".
أثر التضامن العالمي
الحرب الإسرائيلية المدمرة التي أودت بحياة أكثر من 27 ألف فلسطيني على غزة، معظمهم من الأطفال، قوبلت عالمياً باستنكار شعبي شديد وتعاطف غير مسبوق مع الضحايا، فخرجت مظاهرات في نيويورك وواشنطن وباريس ولندن وبرلين والعديد من العواصم الكبرى، للمطالبة بوقف الحرب، لكن على أهمية تلك المظاهرات، هناك من يعتقد أنها لا تؤثر عادة في السياسات الدولية، فكيف يخدم إذن هذا التضامن الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية؟
قال الشقاقي "لا يوجد شك بأن القضية الفلسطينية كانت دائماً قضية عدل وحقوق يقبلها أي شخص مُطّلع على ظروف الصراع، فهي بحد ذاتها قضية لديها القدرة على كسب التأييد في أي مجتمع، طالما يوجد هناك إمكانية الوصول للناس والحديث معهم. وفي هذه الحرب الأخيرة وما سبقها حتى كان من الواضح مدى استخدام إسرائيل للسلاح بشكل لا يقبله المجتمع الدولي ولا القانون الدولي، وهذا أعطى فرصة للطرف الفلسطيني لنقل روايته بشكل أفضل للعالم، وأصبح هناك استعداداً أكبر للاستماع لوجهة النظر الفلسطينية في الكثير من الدول التي لم تكن في السابق لديها انفتاح على ذلك".
ورأى أن "إسرائيل تفقد مكانتها. فقدتها لدى اليسار في العالم، وتفقدها الآن لدى أغلب الناس العاديين، بسبب الاستخدام غير المبرر للعنف، بقتل آلاف النساء والأطفال في غزة. وهذه الصورة لا يستطيع الناس العاديون والبسطاء والموضوعيون أن يقبلوا بأن من يقوم بها هو طرف محق، فإسرائيل بسلوكها خلقت وضعاً يمكن أن نقول إن الرأي العام بدأ ينفتح أكثر على الرواية الفلسطينية حول الحقوق، وفهم الواقع، والتسوية والحلول لهذا الصراع".
تغيّر الرأي العام العالمي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تؤكده دراسة لمعهد "بروكينجز" تُشير إلى أن النظرة الإيجابية تجاه إسرائيل انخفضت في أوساط الأميركيين إلى 55%، واللافت أن تأييد الدولة العبرية، ينحصر في كبار السن فقط، بينما ترتفع النظرة السلبية لنحو 60% في صفوف الشباب تحت 30 عاماً، ما قد يعني أن مكانة إسرائيل المستقبلية لدى الأجيال الأميركية المقبلة في انحدار سريع، لكن هل يؤثر هذا بالضرورة في السياسة الأميركية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
الشقاقي لا يرى ذلك، إذ يعتقد أن "التعويل على إمكانية حصول تغيير في الولايات المتحدة يضغط على إسرائيل لقبول حل يقبله الفلسطينيون غير واقعي في الوقت الحاضر، والتاريخ أظهر بأن الولايات المتحدة غير مستعدة، وبغض النظر إذا كانت الإدارة جمهورية أو ديمقراطية، لن تضغط على إسرائيل إلا بالحد الأدنى الذي يحفظ مصالحها، فلا يوجد في الوقت الراهن أي تهديد للمصالح الأميركية في منطقتنا العربية يفرض عليها أن تضغط على إسرائيل".
وفي الوقت نفسه اعتبر أن "القضية الفلسطينية لا تحوز في الوقت الراهن التأييد الواسع من الدول العربية والإسلامية بحيث تضعها أمام مصالحها الخاصة في علاقتها مع الولايات المتحدة".
"تغذية الأوهام"
في وثائقي بعنوان "شهادات من النكبة"، انتقد رجل مسن عاصر أحداث عام 1948، المبالغات التي كانت تنشرها وتبثها الصحف والإذاعات العربية آنذاك، لاسيما الترويج لانتصارات وهمية، بينما كانت "العصابات الصهيونية" تقضم الأراضي الفلسطينية واحدةً تلو الأخرى، وتقتل وتُهجّر أهلها.
واليوم أمام تسارع الأحداث في غزة، قال الدكتور خليل الشقاقي، إن "الإعلام في العالم العربي بشكل عام ليس حراً، ومُسيّسٌ في غالبيته".
وأضاف "وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضاً، رغم تمتعها بحرية أكبر بكثير مما هو في العالم العربي، لكن في أثناء الحرب تصطف للدفاع عن مصالح دولة إسرائيل، وللقبول بما يقوله الناطق العسكري أو الناطق السياسي للحكومة، إلا أنه بعد أن انتهاء الحرب يعود الإعلام الإسرائيلي ليكون ناقداً، ويلعب دوراً إيجابياً في السياسة الداخلية، كما يجب أن يكون دور الإعلام بالعادة".
واعتبر الشقاقي أن "المبلغات التي تنتشر أثناء الحروب تترك أثراً سلبياً، لأنها تُغذي أوهاماً وقناعات قد لا يكون لها أي أساس من الواقع".
لم يمتلك الفلسطينيون وطناً بعد، لكنهم امتلكوا إرادة الحياة، فهذا الظرف الاستثنائي الذي رافقهم جيلاً بعد جيل شكّل حافزاً لتحقيق إنجازات في شتى المجالات، لكن رغم أهمية النجاحات الفردية، يعتقد الشقاقي أنها غير كافية للقضية الفلسطينية، فالمطلوب أيضاً بحسب رأيه، العمل الجماعي.
وقال "مع كل التقدير للإنجازات الفردية للفلسطينيين، وهي كثيرة في الحقيقة، إلا أن الإنجاز الجمعي الفلسطيني ضعيف جداً، فالإنجاز الجمعي هو الأساس لأن نكون قادرين على بناء مجتمع متوحد متفق في قضاياه الأساسية. أن يكون لدينا نظام حكم سياسي، ديمقراطي، خال من الفساد ومن السلطوية".
وتابع "نحن فشلنا كجمهور فلسطيني، كأحزاب سياسية، ومجتمع مدني. في خلق المجتمع والنظام السياسي الذي نريده. نقول ليلاً نهاراً بأن هذا ما نريده، ولكن ننتج عكسه تماماً، فالنتاج الجمعي الفلسطيني سيء للغاية. وخلال الـ30 سنة الماضية لم نتمكن من خلق نموذج إيجابي نفتخر فيه، ورغم النجاحات الفردية، وهي كثيرة ويجب أن ننظر له بإعجاب، لكن للأسف لا تترك أثراً على الإنجاز الجمعي، والذي يجب أن نعمل من أجل نجاحه".
أصوات من غزة
حاولنا أن نفهم أكثر كيف يفكّر الفلسطينيون، وتحديداً في غزة، بعيداً عما ينشر في العالم الافتراضي الذي تغيب غالبيتهم العظمى عنه بسبب ظروف الحرب.. ولذلك تحدث مراسل "الشرق" في غزة، عادل الزعنون، الذي يعيش مشاق الحرب، حاله حال مئات الآلاف، إلى بعض النازحين، عما يشغلهم، بعد أكثر من 100 يوم على الحرب.
قال يوسف البالغ من العمر 18 عاماً إن "كل من يعيش في غزة ينتظر أجله. كل إنسان يتمنى الحياة، لكني حالياً لا أتمنى ذلك، لأني أرى بعض أبناء بلدي يبيعون لنا المساعدات بأسعار باهظة. أتمنى أن أعيش حياة حلوة مثل باقي الشبان خارج غزة، إلا أن مقومات الحياة غير موجودة".
بدوره، وصف عمر (16 عاماً) الوضع في غزة بأنه "كابوس"، يأمل أن يصحو منه، وأضاف "هذا كابوس سيطول، لا ندري متى نلقى حتفنا نتيجة قصف أو شظايا صاروخ".
أما مازن (52 عاماً)، أكد أن سكان غزة لم تعد لديهم طاقة لاحتمال الوضع أكثر "تدمرنا لم يبقَ لنا حيل، أصبح الموت والحياة متساويين".
في حين انتقد جمال (44 عاماً) ما اعتبر أنه صورة نمطية رسمها الإعلام العربي عن الفلسطينيين عامة، وفي غزة خاصة، وأوضح "نحن في غزة لا نعشق الموت، بل يُفرض علينا هذا الموت، بينما نحن نعشق الحياة، ومثلنا مثل كل شعوب هذه الأرض، نأمل أن تتوفر مقومات الحياة الحقيقية لنا".
ولم تُظهر سوسن (26 عاماً) تفاؤلاً بالفترة المقبلة، مكتفيةً بالقول "لا أرى شيئاً من الآن وحتى 3 سنوات".
في أي حديث عن فلسطين وغزة تحديداً.. يصرُّ الكثيرون على أسطرة الإنسان الفلسطيني وتصويره كمجرّد قربان غايته وسبيله أن يموت فقط، إلا أن الدكتور علي الجرباوي لا يتفق مع هذه النظرة.
وقال "هذه نظرة سلبية، ولا تؤدي الغرض. نحنا بشر. نحن أشخاص لنا أسماء، ولدينا طموحات وأحلام وحياة، والإنسان قد يُضحي بحياته، لكنه ليس مجبولاً على ذلك، والإنسان الفلسطيني ليس موجوداً فقط من أجل أن يضحي بحياته. نحن موجودون حتى نعيش ونحب الحياة. وفقدان أي فلسطيني هو كارثة بحد ذاتها، وفقدان آلاف الفلسطينيين كارثة كبرى. الفلسطيني لديه حق ويريده، وحتى عندما يكون لديه الحق بالدفاع عن نفسه يجب أن تُحترم الحياة الفلسطينية".
إذن، الفلسطيني إنسان، من لحم ودم، له عين تدمع وقلب يتألم، وإرادة صلبة، لكنها قد تضعف، أو قد لا تصمد أمام آلة التدمير، لأنه إنسان، وهذا ما عليه أن يكون، والفلسطيني يريد أن يملك الأرض بالعقل، لا أن يملك الشمس بالأحلام.
مستقبل الصراع
ورث الفلسطينيون، شتاتاً وهماً، وخسارة للأرض والأرواح، وأحلاماً بنهاية سعيدة، فهل يشهدون خلاصاً قريباً أم أن القضية قضية نفس طويل؟
"الجمهور الفلسطيني سينفجر بين لحظة وأخرى"، هكذا يرى الشقاقي الوضع الحالي، موضحاً أنه "كلما ازدادت المعاناة والضغط الإسرائيل لإجبار الفلسطينيين على قبول واقع صعب، ستكون هناك انفجارات عنيفة، ولجوء إلى عمل مسلح، وبالتالي سيكون هناك صراع طويل، والطرف الفلسطيني غير قادر على تغيير هذا الوضع إلا من خلال انتظار الوقت حتى يكون هناك استعداد أكثر في العالم أو في إسرائيل أيضاً للتحول نحو نظام توجد فيه مساواة أو الوصول لدرجة انفجار مسلح في المستقبل".
وقال الشقاقي خلال استضافته في "سؤال المليار"، إن هناك 3 مسارات قد يرسم أحدها معالم المرحلة المقبلة، وهي مسار مسلح، ومسار للمساواة، ومسار لحل الدولتين، وتابع "لا نعرف أي من هذه المسارات ستسبغ الـ70 سنة المقبلة، وأيهما سيكون سينجح في النهاية، ويؤدي إلى تسوية ما سلمية أو غير سلمية. كل هذه الخيارات ستكون متاحة وممكنة".
من جانبه، اعتبر الجرباوي، أنه على الفلسطينيين التوجه نحو الدول الفاعلة في الإقليم، لأنها "تمنحنا عمقنا الاستراتيجي، أي العمق العربي، وهذا الأخير عليه أيضاً إنهاء خلافاته الداخلية بشأن هذه القضية، وأن يقوم ولو مرة واحدة باستخدام فاعليته وقدرته للضغط على مركز القرار في العالم، أي الإدارة الأميركية وأوروبا، لفرض حل".
مع ذلك، قال الجرباوي "لا زلت أرى نهاية سعيدة في آخر النفق، في المنحى التاريخي للصراع، لا في المنحى السياسي، فهذا قصير المدى، زمنياً، بينما المنحى التاريخي طويل الأمد".
هكذا إذن، يبدو أن التاريخَ وحده سينصف الفلسطينيين، فلا تباشير لدولتين ولا حتى دولة واحدة على المدى المنظور، والحسم العسكري شبه مستحيل، والرهان على ضغط عربي أو دولي أجابت عنه تجارب الماضي، لكن مع ذلك، ستبقى إرادة الحياة هي السلاح الوحيد الذي لن يتخلى عنه الفلسطينيون.
الحلقة السابقة من "سؤال المليار"