أعربت دول عدة والأمم المتحدة عن "صدمتها وقلقها"، وطالبت بـ"تحقيق دولي مستقل"، إثر سقوط عشرات الضحايا الفلسطينيين وإصابة مئات آخرين، خلال عملية توزيع مساعدات، الخميس، في شمال قطاع غزة، فيما بات يُعرف بـ"مجزرة المساعدات".
كان المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، أشرف القدرة، أعلن أن القوات الإسرائيلية قتلت 112 فلسطينياً وأصابت 760 جراء في استهداف إسرائيلي لفلسطينيين كانوا ينتظرون شاحنات مساعدات في غرب مدينة غزة، لكن الجيش الإسرائيلي قال إن ما حدث كان نتيجة "تزاحم وتدافع" على الشاحنات.
وأفاد شهود عيان، ووزارة الصحة في قطاع غزة، بأن الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يتمركزون قرب دوار "النابلسي" في غرب غزة، فتحوا النار على الحشد الذي اندفع نحو الشاحنات لدى وصولها الى الدوار.
وقال شاب في الثامنة والعشرين من عمره كان ممدداً أرضاً في مستشفى كمال عدوان "الناس جائعون، كانوا يريدون الحصول على مساعدات.. أطلقوا عليهم النار. هناك عشرات الشهداء والمصابين".
وقالت الفرق الطبية في قطاع غزة، إنها غير قادرة على التعامل مع سيل الإصابات الخطيرة، الذي جاء في اليوم الذي تجاوز فيه عدد الضحايا خلال نحو خمسة أشهر من الحرب 30 ألف شخص، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية.
وأكدّت وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، أن مئات آلاف الأشخاص في شمال قطاع غزة يعانون من الجوع ولا يجدون ما يأكلونه، وأن المساعدات التي تدخل القطاع المحاصر شحيحة أصلاً، ولا يصل منها إلا ما هو نادر جداً الى الشمال المدمّر على نطاق واسع.
وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، شاحنات تحمل العديد من الجثث. وتحققت "رويترز" من موقع مقطع مصور في دوار النابلسي يظهر شاحنات محملة بالعديد من الجثث، بالإضافة إلى جرحى.
وأظهر مقطع فيديو آخر، أشخاصاً ملطخين بالدماء تنقلهم شاحنة وجثثاً ملفوفة بالأكفان ومسعفين يعالجون مصابين على الأرض بالمستشفى.
وقال أحد الرجال في مقطع فيديو: "لا نريد مثل هذه المساعدات. لا نريد المساعدات والرصاص معاً. لقد سقط العديد من الشهداء".
تشكيك إسرائيلي
وأقرّ الجيش الإسرائيلي بأن جنوداً شعروا بـ"التهديد" وأطلقوا النار"بصورة محدودة"، وأفاد عن "تدافع قتل وجرح خلاله العشرات، وبعضهم دهسته شاحنات المساعدات".
مع ذلك، شكك الجيش الإسرائيلي في رواية مسؤولي الصحة في غزة، التي تتعرض للقصف منذ عدة أشهر، وقال إن الشاحنات يشغلها متعاقدون من القطاع الخاص ضمن عملية المساعدة التي أشرف عليها في الليالي الأربع الماضية.
وقال أحد المسؤولين، إن حادثين وقعا تفصل بينهما مئات الأمتار، وقتل في الأول العشرات، أو أصيبوا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من الشاحنات بسبب "التدافع أو الدهس".
وأضاف أنه بعد ذلك، حين تحركت الشاحنات، وقع حادث ثانٍ، حيث اقترب بعض الأشخاص من الجنود الذين شعروا بالخطر وفتحوا النار، ما أسفر عن مقتل عدد غير معروف في "رد محدود". وأنكر العدد الذي أعلنته سلطات غزة لكنه لم يحدد رقماً.
وفي مؤتمر صحافي لاحق، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري، إن عشرات ماتوا دهساً، أو أصيبوا في شجار من أجل الحصول على الإمدادات من الشاحنات، مضيفاً أن الدبابات التي كانت ترافق الشاحنات أطلقت بعد ذلك طلقات تحذيرية لتفريق الحشد، ثم تراجعت حين بدأت الأحداث تخرج عن نطاق السيطرة.
وتابع: "الجيش الإسرائيلي لم يوجه ضربات تجاه قافلة المساعدات".
ومضى قائلاً: "جيش إسرائيل كان هناك يقوم بعملية إنسانية لتأمين الممر الإنساني والسماح لقافلة المساعدات بالوصول إلى نقطة التوزيع المخصصة لها".
وأصدرت حركة "حماس" بياناً ترفض فيه الرواية الإسرائيلية، وقالت إن وزارة الصحة قدمت أدلة لا يمكن دحضها على إطلاق النار مباشرة على المواطنين، بما في ذلك "الطلقات في الرأس بهدف القتل على الفور"، بالإضافة إلى شهادات جميع الشهود الذين أكدوا استهدافهم بإطلاق نار مباشر، دون أن يشكلوا أي تهديد "لجيش الاحتلال".
وأسفر الحادث عن أكبر خسائر تقع في صفوف المدنيين منذ أسابيع.
وقالت "حماس"، التي تدير قطاع غزة منذ عام 2007، في بيان إن الحادث قد يعرض للخطر المحادثات في قطر الرامية إلى ضمان وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في القطاع.
الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن "صدمته" بعد التقارير الواردة عن مقتل الفلسطينيين خلال هرعهم للحصول على مساعدات، مندداً بواقعة "مروعة"، ودعا إلى "تحقيق مستقل" لتحديد المسؤوليات.
وقال مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن جريفيث: "الحياة في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة على نحو مروّع".
وكتب في منشور على منصة "إكس"، أنه "مصدوم"، مضيفاً: "حتى بعد ما يقرب من خمسة أشهر من الأعمال القتالية الوحشية، لا تزال غزة لديها القدرة على صدمتنا".
فيما عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئاً مغلقا، الخميس، لبحث المسألة.
وطالب السفير الفلسطيني في الأمم المتّحدة رياض منصور خلال الاجتماع بقرار يدعو لوقف إطلاق النار. وقال لصحافيين: "هذه المجزرة الوحشية دليل على أنه ما دام مجلس الأمن مشلولاً ويتم فرض الفيتو، فإنّ الفلسطينيين يدفعون حياتهم ثمناً".
وأدانت السلطة الفلسطينية "المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي"، واتهمت إسرائيل بالسعي إلى "ذبح الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه".
واشنطن تطالب إسرائيل بمعلومات
وطلبت واشنطن "أجوبة" من إسرائيل، مؤكدة أنها تدرس "الروايات المتضاربة" بشأن ما حدث.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ناقش "الحادث المأساوي والمثير للقلق" مع زعيمي مصر وقطر، وسبل التوصل لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ولوقف إطلاق نار ستة أسابيع.
وأضاف إنه دأب على الضغط على إسرائيل لوضع خطط قادرة على الصمود للحفاظ على عوامل الأمن الأساسية في غزة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض أوليفيا دالتون: "لم نشهد تطبيقها بعد، ونحن قلقون بشدة من هذا.. استمرار الخسائر في الأرواح أمر مثير للقلق بشدة ومأساوي جداً جداً جداً".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها "تسعى بشكل عاجل إلى الحصول على معلومات إضافية حول ما وقع على وجه التحديد".
إدانات دولية وعربية
وأعربت الصين، الجمعة، عن "صدمتها" إزاء المأساة، مؤكدة "إدانتها الشديدة" لما جرى.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينج "تشعر الصين بالصدمة حيال هذه الحادثة وتدينها بشدّة.. نعرب عن حزننا على الضحايا وتعاطفنا مع الجرحى".
وندّد منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بـ"المجزرة الجديدة"، واصفا ما حصل بأنه "غير مقبول".
وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، الخميس، إن سقوط عشرات الأشخاص الذين كانوا ينتظرون قافلة مساعدات في غزة "كابوس" ودعت إلى إنهاء القتال في القطاع.
وطالبت رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين، بتحقيق في "مجزرة دوار النابلسي" التي راح ضحيتها أكثر من 100 فلسطيني، في قصف إسرائيلي، ينما كانوا يسعون للحصول على مساعدات إنسانية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية عبر منصة "إكس": "يجب بذل كل الجهود من أجل التحقيق في ما حصل بشفافية كاملة.. المساعدة الإنسانية طوق نجاة للذين يحتاجون إليها، ويجب ضمان وصولها إليهم".
بدورها، قالت الحكومة البرازيلية، إن سقوط أكثر من 100 ضحية في شمال غزة، كانوا يسعون للحصول على مساعدات إنسانية، يُظهر أن الحرب الإسرائيلية على القطاع ليس لها "حدود أخلاقية أو قانونية"، مجددة دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وأضافت وزارة الخارجية البرازيلية في بيان: "الإنسانية تخذل المدنيين في غزة.. وحان الوقت لمنع المزيد من المذابح".
وأكدت الهند، أنها أصيبت بصدمة بالغة، جراء سقوط عشرات الضحايا في شمال غزة، الخميس، وذلك بعدما قتل الجيش الإسرائيلي 112 فلسطينياً على الأقل، كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات.
وذكرت وزارة الخارجية في بيان أن "مثل هذه الخسائر في صفوف المدنيين والوضع الإنساني في غزة، لا يزالان يشكلان مصدر قلق بالغ".
بريطانيا تدعو إلى "تحقيق عاجل"
ودعت بريطانيا، الجمعة، إلى "تحقيق عاجل ومحاسبة" بعد سقوط أكثر من 100 فلسطيني بالنيران الإسرائيلية، خلال تسليم مساعدات في شمال غزة.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن "سقوط الأشخاص في غزة الذين كانوا ينتظرون قافلة المساعدات الخميس، كان مروعاً". وأضاف: "يجب أن يكون هناك تحقيق عاجل ومحاسبة. يجب ألا يحدث هذا مرة أخرى".
وشدد كاميرون على أنه لا يمكن فصل الواقعة عن "إمدادات المساعدات غير الكافية"، ووصف الوضع الحالي بأنه "ببساطة غير مقبول".
وتابع وزير الخارجية البريطاني: "إسرائيل ملزمة بضمان وصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة"، ودعاها إلى فتح المزيد من المعابر وإزالة العقبات البيروقراطية. ولفت إلى أن "هذه المأساة تؤكد أهمية ضمان هدنة إنسانية فورية".
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "سخط عميق إزاء الصور القادمة من غزة، حيث استُهدف مدنيون من جنود إسرائيليين"، مطالباً بـ"الحقيقة" و"العدالة".
وقال ماكرون في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "هناك سخط شديد إزاء الصور القادمة من غزة، حيث استهدف الجنود الإسرائيليون المدنيين. أعبر عن إدانتي الشديدة لعمليات إطلاق النار هذه وأدعو إلى الحقيقة والعدالة واحترام القانون الدولي".
على نحو مماثل، طالبت وزارة الخارجية الفرنسية، الجمعة، بإجراء "تحقيق مستقلّ" حول ما حصل.
وأدان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الخميس، ما سماها "المجزرة"، التي قال إن إسرائيل ارتكبتها بحق فلسطينيين كانوا ينتظرون وصول مساعدات إنسانية في شمال قطاع غزة، ووصفها بأنها "تصرف همجي".
وصدرت إدانات عن وزارات الخارجية في المملكة السعودية والإمارات والبحرين وقطر والعراق تستنكر استهداف المدنيين العزل شمال قطاع غزة، فيما قالت تركيا إن "إسرائيل أضافت جريمة جديدة إلى جرائمها ضد الإنسانية".
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي جو بايدن، إدانة مصر الكاملة لاستهداف المدنيين العزّل بالمخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وعلقت كولومبيا، الخميس، شراء الأسلحة من إسرائيل، احتجاجاً على "مجزرة المساعدات"، وقال الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو عبر منصة "إكس": "أثناء انتظار الغذاء، لقي أكثر من 100 فلسطيني حتفهم على يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، لافتاً إلى أن هذا "يسمى إبادة جماعية ويذكرنا بالهولوكوست على الرغم من أن القوى العالمية لا تريد الاعتراف بذلك".
تراجع آمال الهدنة
وتتراجع الآمال في التوصل إلى هدنة قبل بداية شهر رمضان الذي يفترض أن يبدأ في 10 أو 11 مارس، إذ قال بايدن إنه لن تكون هناك "على الأرجح" هدنة في غزة بحلول، الاثنين، بعد أن أعرب في وقت سابق من هذا الأسبوع عن أمله في وقف إطلاق النار بحلول الرابع من مارس.
ويحاول الوسطاء، قطر والولايات المتحدة ومصر، منذ أسابيع التوصل إلى اتفاق يسمح بوقف القتال، وإطلاق سراح رهائن مقابل الإفراج عن معتقلين إسرائيليين في سجون إسرائيلية.
وأجبرت المعارك 1.7 مليون شخص من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.4 مليون قبل الحرب، على الفرار من منازلهم.
وتقدّر الأمم المتحدة أن نحو 1.5 مليون فلسطيني يتكدّسون في مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع الحدودية مع مصر. وتوعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشن هجوم على "معقل حماس الأخير" في رفح، على حدّ قوله.