تترقب روسيا إجراء انتخابات رئاسية في منتصف مارس الجاري، هي الثامنة في تاريخ روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ويمتلك فيها الرئيس فلاديمير بوتين، الحظوظ الأكبر للفوز بولاية جديدة، وربما يستمر في منصبه حال حُسمت نتائج الاقتراع لصالحه حتى عام 2030.
في يوم عيد الميلاد عام 1991، استقال ميخائيل جورباتشوف من منصب رئيس الاتحاد السوفيتي وسلم السلطة لبوريس يلتسين، الذي أصبح أول رئيس لروسيا المستقلة الجديدة، ومنذ ذلك الحين، أجريت الانتخابات الرئاسية 7 مرات، في أعوام 1991، و1996، و2000، و2004، و2008، و2012، و2018، وفي مارس الجاري ستُجرى للمرة الثامنة.
وتؤثر نتائج انتخابات الرئاسة في روسيا على مختلف جوانب الحياة في البلاد، إذ يمنح الدستور من يتولى منصب الرئيس، صلاحيات واسعة، باعتباره على رأس السلطة التنفيذية، ما يجعل لقراراته وأفعاله تأثير كبير على الاستقرار السياسي وشؤون الحكم، إضافة إلى السياسة الاقتصادية للبلاد من خلال اتخاذ القرارات بشأن قضايا الميزانية والضرائب والاستثمار والجوانب المهمة الأخرى للاقتصاد.
كما يُحدد الرئيس الروسي، السياسة الخارجية للبلاد، ويشارك في المفاوضات الدولية، ويتخذ القرارات التي تؤثر على العلاقات مع الدول الأخرى، وهو في هذا الإطار المسؤول عن ضمان أمن البلاد، بما في ذلك قضايا الدفاع والأمن الداخلي و"مكافحة الإرهاب"، إلى جانب اتخاذ القرارات المتعلقة بحقوق المواطنين وحرياتهم، ولذلك ترى السلطات الروسية أن الانتخابات مهمة للتعبير عن إرادة السكان، والتأثير على المسار السياسي للبلاد.
وعلى المستوى المحلي، يُشارك الرئيس الروسي في تشكيل السياسة الاجتماعية، والتي تشمل العديد من المجالات، منها الرعاية الصحية، والتعليم، والحماية الاجتماعية، وغيرها من البرامج، إلى جانب التأثير على العملية التشريعية، والمساهمة في صياغة القوانين واتخاذ القرارات بشأن القضايا الدستورية.
الأولى في تاريخ روسيا الحديث
الانتخابات التي عقدت في 12 يونيو 1991 كانت الأولى في تاريخ روسيا الحديث، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وآنذاك أدلى سكان البلاد بأصواتهم لاثنين من المرشحين، لمنصبي الرئيس ونائبه، حينها تولى منصب الرئيس بوريس يلتسين.
ويرى الداخل الروسي أن انتخابات عام 1991 عززت طريق البلاد نحو اقتصاد السوق المفتوح بعد عقود من سيطرة الحزب الشيوعي الذي طبق سياسات اقتصادية اشتراكية في البلاد، وقد أجرى يلتسين إصلاحات تهدف إلى الانتقال إلى اقتصاد جديد وإقامة الحريات السياسية.
توترات سياسية شديدة
شهدت انتخابات الرئاسة الروسية عام 1996 توترات سياسية شديدة، وجاءت في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية مستمرة، وفي تلك الفترة، واجه الرئيس الروسي حينها بوريس يلتسين، استياءً شعبياً كبيراً بسبب حزمة الإصلاحات والصعوبات الاقتصادية.
ورغم أن يلتسين، شكّك في البداية فيما إذا كان ينبغي عليه المشاركة مجدداً في السباق الرئاسي، إلا أنه أجرى حملة انتخابية مكثفة، وشارك في مناظرات تلفزيونية، وتحدث كثيراً في الأماكن العامة، لكن طالت تلك الانتخابات مزاعم بعدم النزاهة وشكوك في احتمال التدخل في عملية التصويت، وأعرب عدد من السياسيين والشخصيات العامة عن شكوكهم حول شفافية الاقتراع.
وبحسب نتائج التصويت التي تم الإعلان عنها في 16 يونيو من ذلك العام، لم يتمكن أي من المرشحين الحصول على عدد الأصوات المطلوبة للفوز، أي 50% أو أكثر، ولم يكفِ حصول يلتسين على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى (35.28 %) لحسم السباق، حيث عُقدت جولة ثانية كان الفوز فيها من نصيب يلتسين مجدداً.
انتخابات مبكرة
كان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الروسية في 9 يوليو عام 2000، إلا الرئيس بوريس يلتسين أعلن في 31 ديسمبر 1999، استقالته الطوعية من منصبه، ولهذا السبب تم تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة في 26 مارس 2000.
وحينها شارك 11 مرشحاً، من بينهم فلاديمير بوتين الذي شغل في تلك الفترة منصب رئيس الوزراء وكان رئيساً للدولة بالنيابة.
استمر بوتين في منصبه 3 أشهر، ثم فاز في الانتخابات ليبقى في السلطة حتى عام 2008، قبل أن يُغادر الكرملين ويعود إليه مجدداً في ولايتين متتاليتين عام 2012 حتى اليوم.
تصفير عداد الولايات
في يناير عام 2020، اقترح الرئيس فلاديمير بوتين خلال خطابه أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، إجراء استفتاء على الدستور، لإجراء تعديلات تشمل إعادة توزيع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان، وتوسيع مهمات مجلس الدولة، ومنع المسؤولين الحكوميين الكبار من حمل جنسية أجنبية أو امتلاك حسابات مصرفية في بنوك أجنبية، إلى جانب توسيع قائمة الشروط التي يجب على المرشح للرئاسة تلبيتها، ومنح الرؤساء السابقين حصانة من الملاحقة القضائية.
وكانت أبرز التعديلات المادة التي نصت على منع رئيس الدولة من تولي الحكم لأكثر من ولايتين متتاليتين، لكن شهد الدستور تعديلاً آخر، قدمته في شهر مارس النائبة عن حزب "روسيا الموحدة" بمجلس الدوما فالينتينا تيريشكوفا، ويقضي بـ"تصفير" عدد ولايات بوتين، الأمر الذي أتاح له، الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2024 و2030.
الانتخابات الثامنة
في العام الحالي، تختلف انتخابات الرئاسة الروسية عن سابقاتها في عدد من النواحي، أولها أن عملية الاقتراع ستستمر على مدى 3 أيام، إضافة إلى مشاركة المناطق التي ضمتها روسيا نهاية عام 2022 بعد الحرب على أوكرانيا، وهي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيا الخاضعة للأحكام العرفية.
كما تشهد الانتخابات الجديدة اعتماد التصويت الإلكتروني في أكثر من 25 منطقة روسية، وتنافس 4 مرشحين، أبرزهم الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الذي يخوض المنافسة كمرشح مستقل، إلى جانب ممثل الحزب الليبرالي الديمقراطي ليونيد سلوتسكي، ومرشحِ الحزب الشيوعي نيكولاي خاريتونوف، والمرشح عن حزب "الناس الجدد" فلاديسلاف دافانكوف.
وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن عزم أكثر من 80% من الروس المشاركة في التصويت، فيما يقاطعها آخرون لعدم وجود مرشح يمثلهم، بحسب رأيهم.