ابتكر باحث مصري ومجموعة من زملائه في جامعة "واشنطن سانت لويس"، مركّباً كيميائياً جديداً يمكنه محاكاة التعزيز الجسدي الناتج عن ممارسة التمارين الرياضية، ما قد يؤدي إلى ابتكار طريقة جديدة لعلاج ضمور العضلات والحالات الطبية الأخرى، بما في ذلك قصور القلب وأمراض التنكس العصبي.
ويعرف العلماء منذ فترة طويلة أن التمارين الرياضية تُحسّن الصحة وتحميها، لكن في المستقبل قد تقدّم حبوباً دوائية بعض الفوائد نفسها التي توفرها التمارين الرياضية.
وبحسب النتائج المنشورة في الاجتماع الربيعي للجمعية الكيميائية الأميركية، فإن الدواء الذي يحاكي هذه التأثيرات يمكن أن يعوّض ضمور العضلات وضعفها.
كما يمكن أن يكون مفيداً لدى الأشخاص المتقدمين في السن أو المتأثرين بأمراض السرطان أو بعض الحالات الوراثية أو لأسباب أخرى تجعلهم غير قادرين على القيام بنشاط بدني منتظم.
كما يمكن استخدامه أيضاً في التصدي لتأثيرات الأدوية الأخرى، مثل أدوية إنقاص الوزن الجديدة التي تسبب فقدان كل من الدهون والعضلات، وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة الدكتور بهاء الجندي، وهو باحث مصري الأصل يعمل أستاذاً في جامعة "واشنطن سانت لويس".
محاكاة الآثار الفسيولوجية للتمارين
وأوضح الجندي، أن "الدواء لا يحل مكان التمارين الرياضية التي تقدم فوائد للصحة النفسية والفسيولوجية معاً، فممارسة الرياضة مهمة على جميع المستويات، وإذا كان بإمكاني ممارسة الرياضة، فيجب أن أمارس النشاط البدني، لكن هناك الكثير من الحالات التي يكون فيها البديل مطلوباً".
ولفت إلى أن "المركّب الجديد قادر فقط على محاكاة الآثار الفسيولوجية للتمارين الرياضية، أي قدرة التمرين على تعزيز عملية التمثيل الغذائي للخلايا العضلية ونموها، إلى جانب تحسين أداء العضلات".
وتبدأ التغيرات الأيضية المرتبطة بالتمرين بتنشيط البروتينات المتخصصة، المعروفة باسم المستقبلات المرتبطة بالإستروجين ERRs، فعند ممارسة الرياضة يخضع الجسم لتغيرات أيضية مختلفة لدعم متطلبات الطاقة المتزايدة.
وتُعد المستقبلات المرتبطة بالإستروجين جزءاً من عائلة البروتينات المشاركة في تنسيق التعبير الجيني المتعلق باستقلاب الطاقة، وعند تنشيطها عن طريق التمرين، تساعد تلك المستقبلات في تنسيق التعبير عن الجينات المشاركة في عمليات مثل استقلاب الجلوكوز والدهون، ووظيفة الميتوكوندريا، والتمثيل الغذائي التأكسدي.
3 مستقبلات
وبشكل أساسي، تعمل تلك المستقبلات كمفتاح يقوم بتشغيل المسارات الأيضية لتعزيز إنتاج الطاقة واستخدامها أثناء التمرين، ما يضمن حصول الجسم على الطاقة التي يحتاجها لأداء النشاط البدني بفعالية، وتأتي تلك المستقبلات في 3 أشكال هي ERRα، وERRβ، وERRγ.
وبعد نحو عقد من العمل، طوّر الباحث المصري وزملاؤه مُركّباً يُسمّى SLU-PP-332، والذي ينشّط الأشكال الثلاثة جميعها، بما في ذلك الهدف الأكثر تحدياً المعروف باسم ERRα.
ويلعب هذا المستقبل ERRα، أو مستقبلات ألفا المرتبطة بالإستروجين، دوراً حاسماً في تنظيم جوانب مختلفة من التمثيل الغذائي الخلوي، بما في ذلك إنتاج الطاقة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبلات هرمون الإستروجين ERs، ولكن يمكن أن يعمل بشكل مستقل عن إشارات الإستروجين.
وينظم هذا النوع من المستقبلات التكيف مع الإجهاد الناتج عن ممارسة الرياضة والعمليات الفسيولوجية المهمة الأخرى في العضلات.
وفي التجارب التي أُجريت على الفئران، وجد الفريق أن هذا المركّب يزيد نوعاً من الألياف العضلية المقاومة للتعب، بينما يعمل على تحسين قدرة الحيوانات على التحمّل عندما تركض على جهاز المشي.
ولتحديد الفوائد المتوقعة لـ SLU-PP-332، فحص الباحثون بنية المستقبلات المرتبطة بالإستروجين وكيفية ارتباطها بالجزيئات التي تنشطها.
وصمّم الجندي وفريقه، جزيئات جديدة لتعزيز التفاعل مع المستقبلات، وبالتالي إثارة استجابة أقوى مما يمكن أن يوفره SLU-PP-332.
وعند تطوير المركّبات الجديدة، حسّن الفريق الجزيئات للحصول على خصائص مرغوبة أخرى، مثل الاستقرار وانخفاض احتمالية السمّية.
مركّبات محسّنة
وقارن الفريق فعالية SLU-PP-332 بفعالية المركّبات الجديدة من خلال النظر إلى الحمض النووي الريبي، وهو مقياس للتعبير الجيني من نحو 15 ألف جين في خلايا عضلة قلب الفئران.
وأدت المركّبات الجديدة، إلى زيادة أكبر في وجود الحمض النووي الريبوزي، ما يشير إلى أنها تحاكي تأثيرات التمارين الرياضية بشكل أكثر فعالية.
ويشير البحث إلى أن استهداف المستقبلات المرتبطة بالإستروجين قد يكون مفيداً في حالة علاج أمراض معينة.
إذ تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات التي تحتوي على هذا المركّب الأولي، إلى أنه يمكن أن يكون له فائدة ضد السمنة أو قصور القلب أو انخفاض وظائف الكلى مع تقدم العمر.
كما تشير النتائج إلى أن المركّبات المحسّنة يمكن أن يكون لها تأثيرات مماثلة.
وتقول الدراسة أيضاً إن نشاط المستقبلات المرتبطة بالإستروجين، يقاوم العمليات الضارة التي تحدث في الدماغ لدى المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض ألزهايمر، وأولئك الذين يعانون من حالات تنكُّس عصبي أخرى.
وفي حين أن SLU-PP-332، لا يمكنه المرور إلى الدماغ بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي الذي يعيق مرور الأجسام والجزيئات الغريبة للمخ، فقد تم تطوير بعض المركّبات الجديدة للقيام بذلك.
ويأمل الجندي، في اختبار المركّبات الجديدة في نماذج حيوانية أخرى، كما يبحث فريقه أيضاً، إمكانية تطوير المركّبات كعلاجات محتملة للاضطرابات التنكسية العصبية.