تفاقمت أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة جراء الهجمات المتوالية للمستوطنين المسلحين، فيما حذر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، فيليب لازاريني، من "فرض حالة من الخوف المستديم".
وحذر لازاريني من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية بما في ذلك مخيمات اللاجئين، وقال، عبر منصة "إكس"، إن العملية التي نفذتها القوات الإسرائيلية مؤخراً في مخيم نور شمس "سببت خسائر في الأرواح وألحقت أضراراً بالغة بالمنازل والخدمات العامة".
وأضاف أن مئات، بينهم ما لا يقل عن 112 طفلاً فلسطينياً، سقطوا في الضفة الغربية منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر.
وحذر لازاريني من أن القيود على الحركة وعنف المستوطنين الإسرائيليين يحولان دون حصول أهالي الضفة على عمل، وتحرمهم من كسب قوتهم، كما "تفرض حالة من الخوف المستديم".
وقال: "حان الوقت لإنهاء الاحتلال ومعالجة أطول صراع بلا حل عبر السبل السياسية ومن خلال التزام حقيقي بالسلام".
"إرهاب إسرائيلي منظم"
وكان تقرير أعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، حذر من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "تمارس إرهاباً منظماً في طول الضفة الغربية، وعرضها، ولا تكتفي بتمزيق الضفة عبر الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية والسواتر الترابية، بل وتشن اقتحامات للمدن والبلدات والقرى والمخيمات بشكل مستمر، وسط قتل وهدم منازل واعتقالات، وتوفر في الوقت ذاته الحماية لاعتداءات المستعمرين".
وجاء في التقرير أن "اعتداءات المستعمرين والجماعات الاستعمارية تجاوزت حرق مزروعات وأشجار الفلسطينيين، وسرقة محاصيلهم، وتدمير آبار مياههم، والحيلولة بينهم وبين الاستفادة من ينابيعهم، واقتحام منازلهم في بلداتهم وقراهم، وقطع طرقهم، ورشق مركباتهم بالحجارة، ودخلت طوراً جديداً من الإرهاب المنظم، باستخدام الأسلحة واستسهال الضغط على الزناد، حيث وصل عدد الشهداء الذين ارتقوا برصاص مستعمرين منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم 18 شهيداً".
وأوضح أن الجديد في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين أنه "تضاعف في مختلف مناطق الضفة الغربية منذ بداية العدوان على قطاع غزة بشكل كبير، عما كان عليه قبل 7 أكتوبر، خاصة بعد تسليح أكثر من 17 ألف مستعمر منذ ذلك الوقت، وبعد تشكيل ميليشيات خاصة بهم، من فرق طوارئ وغيرها، وإطلاق يدهم بالكامل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أن النصيب الأكبر من هذا العنف كان لمحافظة رام الله والبيرة، "حيث واصل المستعمرون هجماتهم بحماية قوات الاحتلال على عدة قرى شمال مدينة رام الله وشرقها ومنها: المغير، وبيتين، ودير جرير، وسلواد، وعين سينيا، وأبو فلاح، وبرقة، وعطارة، والمزرعة الغربية"، بما تضمنه ذلك من قتل وإصابة عشرات الفلسطينيين وإحراق عشرات المنازل والمركبات.
وفي محافظة نابلس، امتدت جرائم المستوطنين إلى قرى: عصيرة القبلية، واللبن الشرقية، وجالود، وقريوت، وقصرة، ودوما، وخربة الطويل شرق بلدة عقربا، التي تعرضت لهجوم أسفر عن سقوط محمد بني جامع، وعبد الرحمن بني فاضل، ما رفع حصيلة الضحايا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر إلى 468، بينهم 18 برصاص مستوطنين، فيما أصيب أكثر من 4800 آخرين.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن ستة أشخاص أصيبوا بالرصاص الحي في هجوم مستوطنين على بلدة برقة في رام الله بالضفة الغربية.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن رئيس مجلس قروي برقا، صايل كنعان، قوله في وقت متأخر من مساء الأحد، إن المستوطنين هاجموا القرية من الجهتين الشمالية والغربية، وأحرقوا حظيرة أغنام أحد السكان وحاولوا إحراق منزله، كما حاولوا اقتحام منزل في الجهة الشمالية، ومنازل أخرى في الجهة الغربية من القرية، وأطلقوا الرصاص الحي صوب المواطنين.
وتابع أن القوات الإسرائيلية اقتحمت القرية لتوفير الحماية للمستوطنين وأطلقت الرصاص وقنابل الصوت، والغاز المسيل للدموع صوب الأهالي ومنعتهم من إخماد الحريق، كما منعت طواقم الدفاع المدني من الوصول إلى المكان.
في الوقت نفسه قالت وكالة الأنباء الفلسطينية، إن الجيش الإسرائيلي اعتقل عدة فلسطينيين بعد اقتحامه مدينة الخليل جنوب الضفة.
وذكرت أن قوة كبيرة اقتحمت مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس وسط إطلاق نار كثيف وسماع دوي انفجارات.
من ناحية أخرى أفادت الوكالة بإصابة شاب برصاص إسرائيلي إثر اندلاع مواجهات في مخيم شعفاط شمال شرق القدس.
روى سكان قرية المغير الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، كيف اجتاح مستوطنون إسرائيليون، قريتهم في 12 أبريل بأعداد أكبر وبأسلحة أكثر من أي هجوم آخر نفذوه من قبل.
وبعد مرور عدة أيام، لا تزال منازل وسيارات محترقة تقف شاهدة على الهجوم الذي قال السكان إنه دام لعدة ساعات، ولم يفعل جنود إسرائيليون أي شيء لوقفه.
وبسبب افتقارهم لوسائل الدفاع عن أنفسهم في الضفة الغربية، يخشى السكان من وقوع المزيد من هذه الهجمات على القرية.
وقال عبد اللطيف أبو عليا الذي تعرض منزله للهجوم إنهم لا يملكون سوى الحجارة، لكن المستوطنين مسلحون ويساندهم الجيش. وتناثرت دماء فلسطينيين أصيبوا وهم يحاولون صد المهاجمين بالحجارة على سطح منزله.
وأضاف أن أحدهم، وهو قريبه جهاد أبو عليا، لقي حتفه بالرصاص. وقال: "طبعاً الهدف الترحيل".
هجمات متصاعدة للمستوطنين
والمغير واحدة من عدة قرى فلسطينية اجتاحها مستوطنون في مداهمات استمرت عدة أيام اعتباراً من 12 أبريل وهو تصعيد بدأ بعد اختفاء فتى إسرائيلي (14 عاماً) تم العثور فيما بعد على جثته في مكان لا يبعد كثيراً عن المغير في اليوم التالي.
وقالت إسرائيل إن الفتى سقط في "هجوم إرهابي".
وكان العنف في الضفة الغربية متصاعداً بالفعل قبل بدء الحرب في قطاع غزة في أكتوبر، التي تسببت في مزيد من إراقة الدماء في الضفة.
ويتنامى القلق لدى حلفاء إسرائيل الغربيين من عنف المستوطنين. وفرضت دول منها الولايات المتحدة عقوبات على مستوطنين؛ بسبب العنف وحثت إسرائيل على فعل المزيد لوقف هذه الأفعال.
وفرضت واشنطن عقوبات على حليف لوزير الأمن الإسرائيلي المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن جفير، وكيانين جمعا أموالاً لإسرائيليين متهمين بالضلوع في عنف المستوطنين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن المواجهات انتشرت في المنطقة نتيجة سقوط الفتى الإسرائيلي بما في ذلك "تبادل إطلاق النار والتراشق بالحجارة وإحراق ممتلكات أصيب فيها مدنيون فلسطينيون وإسرائيليون".
ولدى سؤال الجيش عن اتهامات السكان بأن الجنود لم يفعلوا شيئاً لوقف الهجوم على المغير، قال الجيش إن قواته وقوات الأمن تتصرف بهدف "حماية الممتلكات وأرواح كل المواطنين وتفريق المواجهات".
إصابات بطلقات نارية
وقال أمين أبو عليا، رئيس المجلس القروي في المغير، إن 45 فلسطينياً أصيبوا بأعيرة نارية في الهجوم الذي بدأ بعد تجمع مئات المستوطنين على طريق بالقرب من القرية.
وأضاف أن القوات الإسرائيلية وصلت قبل وقت قليل من بدء الهجوم، وأقامت حواجز على الطرق وطوقتها؛ مما أدى إلى عزل المنازل على مشارف القرية عن وسطها؛ مما يعني عدم تمكن السكان من الذهاب لمساعدة من يتعرضون للهجوم.
وأضاف أن الجنود، منعوا أيضاً سيارات الإسعاف من الوصول إلى المنطقة لعلاج الجرحى.
وقال الجيش الإسرائيلي، إن سيارات الإسعاف "تأخرت لإجراء فحص أمني، ثم تم منحها الإذن بمواصلة التحرك".
واتهم أبو عليا، الجيش الإسرائيلي بتوفير الأمن لهجوم المستوطنين، التي قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه كان "بمرافقة قوات إسرائيلية".
وقال الجيش الإسرائيلي، إنه سيتم فحص الشكاوى المتعلقة بسلوك الجنود الذي لا يتوافق مع الأوامر.
إضرام النيران وسرقة الأغنام
بعد أن احترق منزله في الهجوم، نصب شحاتة أبو رشيد خيمة لتكون مأوى مؤقتاً له. وتفحمت جدران المنزل من الداخل، حتى صار لونها أسود. وقال أبو رشيد، إن زوجته أصيبت برصاص أحد المستوطنين وأصيب أحد أبنائه الأربعة بجروح طفيفة جراء إطلاق النار.
وقال الدفاع المدني الفلسطيني، إن المستوطنين أحرقوا أيضاً شاحنة إطفاء كان قد أرسلها إلى المغير خلال الهجوم. وكان يتم تحميل حطام الشاحنة المتفحمة على متن شاحنة عندما وصل صحفيون من "رويترز" إلى الموقع.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن المستوطنين أحرقوا 21 منزلاً في قرية المغير بشكل كامل، مما أدى إلى نزوح 86 فلسطينياً وتلف 32 مركبة ونفوق أو سرقة نحو 220 رأساً من الأغنام.
وقال إنه لا يستطيع تأكيد إذا كان الفلسطيني الذي لقي حتفه خلال المداهمة سقط على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين.
وأضاف المكتب، أن 4 من 7 فلسطينيين سقطوا ضحايا في الضفة الغربية بين 12 و15 أبريل، في وقائع يضلع فيها مستوطنون إسرائيليون في سلسلة من الهجمات على فلسطينيين في أثناء وبعد البحث عن الفتى الإسرائيلي.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن فلسطينياً آخر سقط في هجوم للمستوطنين في 20 أبريل.
وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين في الأشهر القليلة الماضية بسبب أعمال العنف.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في مؤتمر صحافي في 15 أبريل، إن واشنطن تندد بأعمال العنف التي ارتكبت بحق الفلسطينيين بقدر ما تندد بسقوط الفتى الإسرائيلي.
وأضاف أن الولايات المتحدة "تشعر بقلق بالغ" إزاء عدم بذل قوات الأمن الإسرائيلية ما يكفي لوقف عنف المستوطنين.
وتقع قرية المغير في منطقة بالضفة الغربية تتمتع إسرائيل بسيطرة أمنية كاملة عليها بموجب اتفاقيات سلام مؤقتة وقعها زعماء فلسطينيون قبل ثلاثة عقود على أساس أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبموجب الاتفاقيات، لا تخضع معظم مناطق الضفة الغربية لسيطرة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقراً.
وقال عبد اللطيف أبو عليا، من سكان قرية المغير، إن كل ما يأمله هو أن "يكون في حماية من الحكومة، الحكومة تساعد الناس في حماية بيوتها، في تسييج بيوتها، أسوار، أبواب، شبايبك، غير هيك شو ممكن يعملولنا؟ هم حتى قادرين يحموا حالهم؟ كل يوم بيدخلوا عندهم" في إشارة إلى مداهمات الجيش في المدن الفلسطينية.