يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينج، مطلع الشهر المقبل (مايو)، زيارة إلى 3 دول أوروبية للمرة الأولى منذ 5 سنوات، حاملاً معه رسالة واضحة مفادها أن بكين تقدم فرصة اقتصادية للكتلة، أكبر بكثير مما تريد الولايات المتحدة الاعتراف به.
وقالت الخارجية الصينية، إن شي سيبدأ رحلته، التي تستغرق 5 أيام إلى فرنسا وصربيا والمجر في 5 مايو المقبل، إذ تسعى هذه الدول إلى الحصول على استثمارات من بكين، رغم سلسلة التحقيقات التي أجراها الاتحاد الأوروبي في سياسة الصين الصناعية ومخاوف وتحذيرات المسؤولين الأميركيين من مخاطر القدرات الصناعية الفائضة لبكين، حسبما نقلت "بلومبرغ".
وتأتي زيارة شي في وقت تتعاون فيه القارة الأوروبية مع واشنطن لتشكيل صوت موحد في معارضة صادرات الصين الرخيصة، والمخاطر المحتملة على الأمن القومي، كما تأتي بعد أسابيع من تحذير وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لقادة الحزب الشيوعي في بكين من أن الطاقة الفائضة الصينية تمثل مشكلة للعالم وهي رسالة رددها المستشار الألماني أولاف شولتز بعد أيام.
وفي تجسيد لتوحد أوروبا والولايات المتحدة في سياستهما المشتركة تجاه الصين، يتبع الطرفان مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، استراتيجية "التخلص من المخاطر".
آمال صينية وتطلعات فرنسية
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون يهدف إلى تعميق علاقته الشخصية مع شي جين بينج، خلال الزيارة التي تستغرق يومين إلى فرنسا، حيث يناشد الزعيم الصيني، حض نظيرة الروسي فلاديمير بوتين على إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما يهدف ماكرون إلى جذب الإنفاق الصيني إلى قطاع بطاريات السيارات الكهربائية في فرنسا، إذ سيتم استضافة شي لتناول العشاء في قصر الإليزيه في باريس.
وأضافت المصادر، أن ماكرون سيدعو نظيره الصيني بعد ذلك، إلى زاوية من جبال البرانس، حيث اعتاد الرئيس الفرنسي زيارة جدته، عندما كان طفلاً.
وقال وزير الخارجية الصيني وانج يي، للمستشار الدبلوماسي لماكرون، السبت، إنه يأمل أن تتمكن باريس من دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتباع سياسة عملية تجاه بكين، كما سيعقد ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اجتماعاً مع شي خلال زيارته، حسبما كتب كبير المتحدثين باسمها على منصة "إكس".
وتعد الصين، ثالث أكبر شريك تجاري لفرنسا، لكن الشركات الفرنسية وغيرها من الشركات الأوروبية تشعر بقلق عميق إزاء الخلل الهائل في التوازن التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي والتشريعات الصينية غير الواضحة بشأن نقل البيانات عبر الحدود وإغراق السوق الأوروبية بالسيارات الكهربائية الصينية رخيصة الثمن، ما يهدد شركات صناعة السيارات المحلية.
مكافآت مجرية
أما زيارة المجر، فقد تكون "أصلاً استراتيجياً" لبكين في إبطاء زخم القيود التجارية، لأنها تتمتع بالقدرة على تخفيف أو حتى عرقلة سياسة الاتحاد الأوروبي.
واستندت "بلومبرغ" إلى موقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في ديسمبر الماضي، الرافض لحزمة مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، ما أدى إلى تأخير الإمدادات الحيوية لستة أسابيع تقريباً.
لكن قدرة أوربان على إحباط القيود التجارية محدودة للغاية، حيث لا تتطلب الإجراءات سوى أغلبية مؤهلة من الدول لتطبيقها، ومع ذلك، كانت المجر من بين مجموعة من الدول التي عارضت في البداية خطة الاتحاد الأوروبي لإدراج بعض الشركات الصينية في القائمة السوداء لتوريد التكنولوجيا المستخدمة في الأسلحة الروسية.
وتُظهر المجر أيضاً المكافآت المحتملة للولاء لبكين، إذ من المقرر أن يعلن شي وأوربان خلال زيارة الأول لبودابست، افتتاح مصنع لشركة صناعة السيارات الصينية "جريت وول موتور المحدودة" Great Wall Motors، في المجر، حسبما ذكرت "إذاعة أوروبا الحرة".
وتستثمر شركات ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الخارج، بأسرع وتيرة لها منذ 8 سنوات، مع افتتاح المزيد من المصانع في الخارج، ما قد يخفف التوترات التجارية.
والتزمت شركة Contemporary Amperex Technology Co. Ltd الصينية، ببناء منشأة بقيمة 7.6 مليار دولار هناك بالشراكة مع شركة Mercedes-Benz AG، والتي تم الإعلان عنها باعتبارها أكبر استثمار أجنبي مباشر على الإطلاق في المجر والذي سيوفر 9 آلاف فرصة عمل.
كما أعلنت شركة صناعة السيارات BYD العام الماضي، خططاً لبناء مصنع في المجر، بينما وقعت شركة Chery Automobile صفقة للاستحواذ على مصنع قديم لشركة Nissan Motor Co في إسبانيا لإنتاج السيارات الكهربائية.
وعندما زار شي أوروبا الغربية آخر مرة في عام 2019، كان حجم اقتصاد الصين ومنطقة اليورو متساوياً تقريباً، لكن اليوم أصبحت الصين أكبر بنحو 15%، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الفجوة قبل نهاية هذا العقد.
ورغم أن العجز التجاري للكتلة مع الصين آخذ في التقلص، فإنه لا يزال أكبر مما كان عليه في ذلك الوقت، إذ أثار هذا الخلل التجاري قلقاً في بروكسل، التي أطلقت تحقيقاً في الدعم الذي تقدمه بكين لعلاماتها التجارية المزدهرة في مجال السيارات الكهربائية.
واستهدفت التحقيقات، الأجهزة الطبية وصناعات التكنولوجيا النظيفة، مثل العطاءات الخاصة بمجمع للطاقة الشمسية في رومانيا.
ويثير مثل هذا الإجراء احتكاكات قبل الإعلان عن نتائج التحقيق الرسمية، إذ تخلت إحدى الشركات الصينية عن مناقصة للسكك الحديد البلغارية بقيمة 610 ملايين يورو (650 مليون دولار).
فرصة شي
في الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، تشونج جا إيان، إن "الرئيس الفرنسي يعرض على شي الفرصة للتفاوض مع قوة رائدة في الاتحاد الأوروبي، أثبتت استعدادها لشق طريق أكثر استقلالية"، مضيفاً أن هذه الرحلة تعد "محاولة جذب أجزاء من أوروبا التي يشعر شي أنها قد تكون أكثر تعاطفاً مع موقفه".
بدوره، قال المحاضر في العلاقات الصينية الأوروبية في كلية بروكسل، دنكان فريمان: "أعتقد أن هذا جزء من محاولة لإقناع الأوروبيين بوجود خيارات أفضل، وأن العلاقات الأفضل ممكنة. لم نصل بعد إلى فرصة الفرصة الأخيرة، لكنني أعتقد أنه حتى الصينيين سيوافقون على أن العلاقة بعيدة عن المثالية".
من جانبها، قالت مديرة مركز الدراسات الصينية بجامعة ريجا سترادينز في لاتفيا، أونا ألكساندرا سيرينكوفا، إن شي "يزور دولاً، حيث يكون الترويج للكراهية للبنية الأمنية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة أسهل".
وأضافت أن "الحصول على التأييد من الدول الصديقة سيساعد بكين على إرسال رسالة مفادها أن أوروبا تقف إلى جانب الصين، بغض النظر عما تقوله بروكسل".