على مدى عقود، حاول دبلوماسيون الترويج لحل من شأنه أن يسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بالعيش جنباً إلى جنب في دولتين منفصلتين تتمتعان بالسيادة.
ولطالما كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معارضته لإنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، الأمر الذي ردده مؤخراً، على الرغم من تأييد حليفه الرئيس الأميركي جو بايدن في العلن فكرة قيام دولة فلسطينية.
وفي وقت سابق، الأربعاء، أعلنت إسبانيا وإيرلندا والنرويج، قرارها الاعتراف بدولة فلسطين على أمل أن تحذو دول أخرى حذوها بعد أن أحيت حرب إسرائيل على قطاع غزة الخطاب الدبلوماسي المؤيد لحل الدولتين.
وتعليقاً على خطوة الدول الثلاث، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن يعتقد أن قيام دولة فلسطينية يجب أن يتحقق من خلال المفاوضات وليس اعترافاً أحادي الجانب.
من أين أتت الفكرة؟
في عام 1947، اقترح قرار الأمم المتحدة رقم 181 إنشاء دولتين منفصلتين في فلسطين، "يهودية وعربية"، ما مهّد الطريق لقيام إسرائيل في العام التالي، 1948.
ورفض الفلسطينيون والعرب خطة التقسيم وقيام دولة إسرائيل التي كانت سبباً في اندلاع حرب 1948، والتي أعقبها تهجير الفلسطينيين فيما عُرف بـ"النكبة" عندما أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها على الأراضي الفلسطينية، وحين بدأت جماعات يهودية مسلحة في السيطرة على البلاد.
ومُني الفلسطينيون بالنكبة التي شتتت معظمهم، وهجَّرتهم خارج أرضهم ليصبحوا لاجئين.
وسيطر الإسرائيليون على أراضٍ جديدة أوسع مما كانت تنص عليه خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة.
وبعدها ضمت الأردن الضفة الغربية إليها، وأدارت مصر قطاع غزة حتى عام 1967.
وفي هذه الفترة، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بهدف استعادة كل فلسطين، لكن حرب 1967 أتاحت لإسرائيل احتلال الضفة الغربية، وخصوصاً القدس الشرقية وقطاع غزة.
وبموجب القانون الدولي، تُعد هذه الأراضي محتلة حتى هذا اليوم، والمستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها غير قانونية.
وشجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما عقَّد كل تفاوض بشأن دولة فلسطينية محتملة.
هل اقترب الفلسطينيون من فرصة تشكيل دولة؟
وخاضت منظمة التحرير الفلسطينية معارك عديدة مع إسرائيل. كان أشرسها في عام 1982 في لبنان وعاصمته بيروت حيث كان مقر المنظمة قبل أن تنتقل إلى تونس.
وبدأت منظمة التحرير تغيّر استراتيجيتها، وتبنّت فكرة الدولتين، كما تبنت إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين في الخارج عام 1988.
وفي عام 1991، عقد في أكتوبر "مؤتمر مدريد للسلام" الذي شاركت في رعايته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك. وكانت محاولة من المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ودول عربية بينها الأردن ولبنان وسوريا.
وفي 13 سبتمبر 1993، فوجئ العالم بالإعلان عن "اتفاقيات أوسلو" في واشنطن عندما صافح الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في حديقة البيت الأبيض تحت أنظار الرئيس بيل كلينتون ما أحيا الأمل بالتوصل إلى السلام.
وأوجدت اتفاقيات أوسلو التاريخية حكماً ذاتياً فلسطينياً محدوداً تحت مسمى "السلطة الفلسطينية" ومقرها رام الله مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل.
وفي عام 1995، اغتال متطرف يهودي إسحق رابين، ما مهَّد الطريق لعقود من العنف، وتوقف المفاوضات.
وفي عام 2002، استندت "المبادرة العربية للسلام" على مبدأ حل الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية.
لكن بعد اغتيال رابين وصعود حزب "الليكود" الذي يعارض إقامة دولة فلسطينية واتفاقيات أوسلو، توسّع الاستيطان ولم تنفّذ إسرائيل الاتفاق بنقل مناطق تحت سيطرتها إلى السلطة الفلسطينية، وراوحت مفاوضات السلام مكانها.
وفي عام 2006، حصل شرخ بين حركتي "حماس"، و"فتح" إثر فوز الأولى في الانتخابات التشريعية، وبعد مواجهات مسلحة، سيطرت حماس على قطاع غزة وأخرجت "فتح" منه. وعقَّدت الانقسامات الفلسطينية توحيد الموقف تجاه إسرائيل.
ماذا يقول الأطراف الآن؟
تؤيد السلطة الفلسطينية رسمياً حلّ الدولتين. ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد مؤتمر دولي بشأن هذه القضية في سبتمبر 2023، قائلاً إنها "قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين".
وفي عام 2017، قالت حركة "حماس" للمرة الأولى إنها تقبل مبدأ إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ما قبل 1967، مع احتفاظها بهدف بعيد المدى يقضي بـ"تحرير" كل فلسطين التاريخية.
أما الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، فترفض أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية. وطرح بعض الوزراء فكرة التهجير القسري أو الطوعي لفلسطينيي غزة.
ما هو دور الدبلوماسية؟
عاد قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحتى الصين إلى طرح الفكرة على الطاولة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الأسبوع الماضي، إنه "من غير المقبول" حرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولتهم.
ودعا بايدن مراراً إلى العمل على هذا الحل. وقال: "هناك عدة أنواع لحل الدولتين. هناك عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة... ليس لديها جيشها الخاص".
وانتقد منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي يدعم بقوة حل الدولتين، القادة الإسرائيليين، متسائلاً: "ما هي الحلول الأخرى التي يفكرون فيها؟ إجبار جميع الفلسطينيين على الرحيل؟ قتلهم؟".
وأصرَّ نتنياهو على أن أي اتفاق سلام يجب أن يحافظ على "السيطرة الأمنية لإسرائيل على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن"، وهي المنطقة التي تشمل جميع الأراضي الفلسطينية.