الانتخابات المبكرة في بريطانيا.. رهان المحافظين الأخير للبقاء بالسلطة

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يلقي كلمة تحت المطر دعا فيها إلى انتخابات مبكرة، لندن. 22 مايو 2024 - Reuters
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يلقي كلمة تحت المطر دعا فيها إلى انتخابات مبكرة، لندن. 22 مايو 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

فاجأ رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك الشارع والأوساط السياسية والاقتصادية في بريطانيا، بالإعلان عن إجراء الانتخابات العامة في 4 يوليو المقبل.

إعلان سوناك فاجأ حتى النواب المحافظين الذين لا يشغلون مناصب وزارية، إذ لم يعرفوا بالأمر مسبقاً، وكانوا يمارسون نشاطهم الروتيني في البرلمان عندما تسلل لهم الخبر عبر وسائل الإعلام.

ووقف سوناك تحت المطر أمام المنزل رقم 10 وسط لندن ليعلن موافقة الملك تشارلز الثالث على حل البرلمان نهاية مايو الجاري، وفتح صناديق الاقتراع أمام البريطانيين بعد نحو شهر ونصف الشهر، ليختاروا نواباً جدداً وحكومة جديدة تقول استطلاعات الرأي إنها ستكون من نصيب المعارضة العمالية بقيادة كير ستارمر.

ورغم أن سوناك قال منذ أشهر إن الانتخابات البرلمانية ستنطلق في النصف الثاني من العام الجاري، إلا أن تبكير موعدها إلى يوليو، يعود لأسباب عدة يرى محللون ومراقبون إنها تنقسم بين محاولة الاستفادة من ظروف اقتصادية مستجدة، وبين تجنب لـ"مطبات قادمة"، ربما تزيد من تعقيد موقف حزب المحافظين.

خطاب تحت المطر

وتندرت صحف المعارضة على سوناك عندما وقف تحت المطر ليعلن موعد الانتخابات العامة المقبلة، وكتبت واحدة منها افتتاحية اليوم التالي تحت عنوان "الأمور قد تصبح أكثر رطوبة" Things Can Only Get Wetter، بدلاً من "الأمور قد تصبح أفضل" Things Can Only Get Better، ذلك الشعار الذي انتصر به حزب العمال على المحافظين في انتخابات عام 1997 بقيادة توني بلير.

وتحمل سوناك مشقة الوقوف في جو ماطر مرتدياً سروالاً طويلاً تجنباً لانتقادات سمعها كثيراً مؤخراً حول قِصَرِ "بناطيله"، فبدا وكأن الأمر لا يحتمل التأجيل، ما أدى إلى موجة من التحليلات والتكهنات لمحاولة تفسير الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء إلى التعجل في استدعاء الاستحقاق المقبل.

ورأى مدير مركز "القرن القادم" للدراسات جعفر الأحمر، أن سوناك أراد استغلال المؤشرات الإيجابية التي ظهرت على الاقتصاد البريطاني مؤخراً، وخاصة تراجع معدل التضخم إلى أدنى مستوى منذ 3 أعوام، فرغم أن ثمار تلك المؤشرات لم تنضج بعد فعلياً، إلا أن الوعود الحكومية المرتبطة بها باتت "أكثر صدقية".

وأشار الأحمر في حديث مع "الشرق" إلى أن وزير الخزانة جيرمي هانت رسم صورة وردية لما هو قادم اقتصادياً، فوعد بضرائب أقل ومالية أفضل للدولة، وتراجع في كلفة المعيشة على المواطنين، واعتبر أن "كل التعهدات يمكن تحقيقها إذا أديرت البلاد بسياسة ناجعة لجذب الاستثمارات واستغلال الموارد المحلية"، وفق تعبيره.

وثمة إشادة تتردد في تقارير مختلفة بشأن النجاحات الكبيرة التي حققها هانت في إعادة الاستقرار للاقتصاد، من خلال اتباع سياسة مالية متوازنة بين الإنفاق والتقشف. ويمثل ما فعله وزير الخزانة "الدعامة الرئيسية" في رهان سوناك على ثقة الشارع في خطط "المحافظين" المعلنة على هذا الصعيد رغم الظروف الدولية الصعبة.

3 ملفات كبرى في الانتخابات البريطانية

الاقتصاد، هو أبرز عناوين الانتخابات المقبلة، إذ أعلن كل من "العمال" و"المحافظين" عن وعوده لجعل حياة البريطانيين خلال السنوات الخمس المقبلة أكثر رفاهية، وقوبلت الوعود بانتقادات لكلا الحزبين من خبراء ومختصين، كما تبادلا الاتهامات بطرح خطط ومشاريع سوف تترك فجوات بعشرات المليارات في خزينة الدولة. 

ولن يكون الاقتصاد هو ميدان المنافسة الوحيد بين الحزبين الرئيسيين، فهناك ملف المهاجرين الإشكالي الذي يقلق الشارع. وبينما أعلن ستارمر تخلي حزبه عن "خطة رواندا" لترحيل المهاجرين إلى الدولة الإفريقية، ربط سوناك تطبيق الخطة بإعادة انتخاب حزب المحافظين، ومنحه ولاية جديدة من خمس سنوات.

 

ويبدو أن كير ستارمر استشعر ما يحيكه المحافظون في ملف المهاجرين، فاختار إطلاق حملة "العمال" الانتخابية من مدينة "كنت" التي تتبع لها منطقة دوفر صاحبة أقرب السواحل البريطانية إلى فرنسا، وأكثر شواطئ إنجلترا استقبالاً للاجئين القادمين على ظهر "قوارب الموت" عبر بحر المانش.

ومن هناك، جدد زعيم العمال تعهده بوقف الهجرة غير الشرعية من خلال التعاون مع الدول الأوروبية، وقال إن "سوناك وحزبه لم يؤمنا يوماً بخطة ترحيل المهاجرين، ويعرفان أنها غير قابلة للتنفيذ مهما طال الزمن".

ثالث العناوين أهمية في الاستحقاق المقبل هو خدمات الصحة الوطنية NHS، والذي ترك العمال في أذهان البريطانيين أسئلة بشأن خطط دعمها وتطويرها بأكثر مما فعل المحافظين، لذلك "أراد سوناك أن يستعجل الانتخابات قبل أن يجد ستارمر أجوبة مقنعة في هذا الملف أو غيره"، كما يعتقد الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز.

تفادي الأسوأ

ولفت جوناثان ليز في حديث مع "الشرق" إلى أن زعيم المحافظين أراد تفادي الأسوأ في استعجال موعد الانتخابات؛ فشعبية "العمال" يمكن أن تتبلور في المؤتمر السنوي القادم للحزب خلال الخريف المقبل، كما أن استطلاعات الرأي بينت أن المماطلة في تحديد موعد الاستحقاق البرلماني لن تعود بنفع على الحزب الحاكم.

ورأى الباحث في الشأن البريطاني، أن سوناك يراهن على حالة "اللايقين" السائدة في الشارع اليوم إزاء خطط ستارمر للمرحلة المقبلة، واستمرار رهاب عودة البلاد إلى "فوضى الإنفاق" التي عاشتها في عهد الحكومات العمالية بين 1997 و2010. أما المخرج من هذا المأزق فهو محفوف بمخاطرة كبيرة بالنسبة للعمال.

وقال ليز إن مزيداً من الوضوح بشأن ما يحمله ستارمر للبريطانيين عندما يتولى السلطة، هو الحل الوحيد لاستعادة ثقة الناس بالعمال، ولكن العضو في حزب المعارضة الرئيسي إيفان جاش، حذر من الأجوبة غير المدروسة في هذا الوقت الضيق قبل الانتخابات، و"الأخطاء الصغيرة التي تحمل ضرراً كبيراً جداً".

ولفت جاش في حديث مع "الشرق"، إلى أن الاتكاء على استطلاعات الرأي ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للعمال، فجميعها تبشر بفوز ساحق للمعارضة في الاستحقاق المقبل، ولكن خبراء ومختصين حذروا من "مفاجآت تحد من ذلك النصر المؤزر"، وتحمل البلاد نحو برلمان معلق وحكومة ائتلافية ضعيفة.

وتتوقع استطلاعات الرأي تقدم المعارضة على الحزب الحاكم بعشرين نقطة تضمن لها التقدم بأكثرية كافية في البرلمان الجديد، لتشكيل الحكومة وتوجيه دفة المؤسسة التشريعية بسلاسة خلال السنوات الخمس المقبلة، وبينها أيضاً من يتوقع خسارة تاريخية للمحافظين بحيث لا يحصل على أكثر من 100 مقعد في مجلس العموم.

"التصويت السلبي"

فوز المعارضة بأكثرية برلمانية ضعيفة، هو احتمال قائم بنظر المحرر المعتمد في البرلمان البريطاني عادل درويش، ولكن بغض النظر عن الفارق، يعتقد درويش أن السبب وراء نصر العمال سيكون "التصويت السلبي"، الذي يعني الانتخاب لاستبدال الحزب الحاكم بعد قضائه سنوات في السلطة لمجرد الرغبة بالتغيير.

 

ورأى درويش في حديثه مع "الشرق" أن البريطانيين سوف يؤيدون حزب العمال في هذه الانتخابات؛ "ليس اقتناعاً ببرنامجه الانتخابي، وإنما رغبة بانتزاع السلطة من يدي المحافظين بعد 14 عاماً في قيادة الدولة"، مشيراً إلى حالات مشابهة من "التصويت السلبي" في تاريخ المملكة المتحدة وقعت عام 1973 و1987.

وبعيداً عن النتيجة المتوقعة للانتخابات، يظن المحرر البرلماني أن من بين الأسباب التي دفعت سوناك إلى الانتخابات الصيفية تحريض المتبرعين على ضخ أموال ينتظرها الحزب، والأهم منها خشية المحافظين من حزب Reform، الذي بات منافساً شرساً في الأوساط المحافظة والمؤيدين التقليديين في تيارات اليمين كافة.

وحزب Reform الذي أسسته كاثرين بلايكلوك في 23 نوفمبر 2023، لم يختر بعد مرشحيه للانتخابات المقبلة في جميع المناطق البريطانية، واعتبر درويش أن سوناك أراد من خلال التعجل في موعد الاستحقاق البرلماني "دفع الحزب الجديد للعمل تحت الضغط، حتى يفشل في تشكيل جبهة قوية ضد المرشحين المحافظين في مناطقهم".

ومن أبرز داعمي Reform السياسي اليميني والرئيس السابق لحزب الاستقلال UKIP نايجل فاراج، الذي نفى احتمال ترشحه إلى البرلمان عن الحزب الجديد، لكن الإعلان لا يكفي المحافظين للشعور بالطمأنينة تجاه فاراج و"اليمينيون الجدد"؛ الذين يزاحمون بصلابة في مناطق لطالما عرفت بولائها إلى الحزب الأزرق تاريخياً.

تصنيفات

قصص قد تهمك