لا يخفى على أحد في واشنطن العداء بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومجموعة من كبار موظفي الإدارة الأميركية إبان عهد الرئيس السابق باراك أوباما (2009 – 2017)، والذي كان بايدن نائباً له خلال فترتيه الرئاسيتين، ولكن يبدو أن مشاعر العداء التي يكنها بايدن لفريق أوباما الذي لا يكف عن انتقاداته المبطنة، ربما تكون قد وصلت إلى أوباما نفسه.
وحتى قبل المناظرة التي جرت بين بايدن ومنافسه الجمهوري دونالد ترمب في 27 يونيو الماضي، وأثارت مخاوف بشان صحة بايدن وسلامته الذهنية، كان فريق أوباما السابق وعلى رأسهم المستشار السياسي ديفيد أكسيلرود الذي وصف في 2008، بأنه مهندس فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية أمام جون ماكين، وبن رودس نائب مستشار الأمن القومي لأوباما وعدد من المستشارين الأصغر رتبة وكتاب الخطابات، ينتقدون بايدن بشكل واضح أو مبطن.
وأطلق مجموعة من مستشاري إدارة أوباما بينهم جون لافيت وجون فافرو وتومي فيتور ودان فايفر بودكاست سياسي بعنوان Pod Save America، أصبح أحد أبرز المنصات السياسية في أميركا والتي يلجا إليها الكثيرين لمتابعة المشهد السياسي وربما تلمس آراء أوباما عن الإدارة الحالية من خلاله، ورغم أن البودكاست لم يكن ينتقد بايدن بشكل مباشر وواضح، إلا أن لهجته غير المتحمسة للرئيس الأميركي كانت بادية للعيان، وهذا بعكس أكسيلرود المعروف بانتقاداته اللاذعة لبايدن.
حملة يقودها أوباما؟
في الآونة الأخيرة، ومع تصاعد الدعوات في الحزب الديمقراطي لبايدن بالتنحي عن السباق الرئاسي، تدور في واشنطن أحاديث عن حملة يقودها أوباما الذي لا يزال يقيم في واشنطن على غير عادة الرؤساء الأميركيين بعد انتهاء ولايتهم، من وراء الكواليس لإبعاد بايدن عن السباق.
وأصل الخلاف بين بايدن وأوباما يعود لما قبل انتخابات 2016، إذ كان بايدن يعد للترشح للرئاسة، ولكن مزيجاً من وفاة ابنه الأكبر بو بايدن، وتفضيل أوباما وقيادات بالحزب الديمقراطي منح الفرصة لهيلاري كلينتون، التي خسرت الانتخابات أمام ترمب في النهاية، منعت بايدن من الترشح، وهو ما يبدو أن الرئيس الأميركي لم ينسه لأوباما، إذا كان يعول على دعم الأخير له في الحصول على فرصته التي انتظرها طويلاً.
ومنذ أشهر كان الحديث يدور في واشنطن، عن أن بايدن لا يسعى لطلب رأي أوباما ولا يستشيره في شيء، وربما تكون لإقامة الرئيس الأسبق في قصره ذو الـ8 مليون دولار في كالوراما بواشنطن، والتي وصفها أحد افتتاحيات "وول ستريت جورنال"، العام الماضي، "بلاط جديد" في واشنطن، سبباً في زيادة عداء بايدن لأوباما.
مقال جورج كلوني يفتح الجرح
ويبدو أن ما فتح هذه الخلافات إلى العلن، المقال الذي كتبه الممثل الأميركي الشهير جورج كلوني في صحيفة "نيويورك تايمز"، بعنوان "أحب جو بايدن، ولكننا بحاجة إلى مرشح جديد" والذي دعا فيه بايدن إلى التنحي عن السباق، وذكر فيه معلومة بات يستند إليها الكثيرين في القول بأن الأداء السيء لبايدن في المناظرة مع ترمب لم يكن هفوة، أو بسبب إرهاق السفر، وإنما هي الحالة الذهنية التي بات الرئيس عليها، بسبب تقدمه في العمر.
وفي مقاله كتب كلوني: "الشهر الماضي، استضفت أكبر حفل جمع تبرعات لدعم مرشح ديمقراطي على الإطلاق، لإعادة انتخاب الرئيس بايدن. من الموجع القول إن جو بايدن الذي كنت معه قبل 3 أسابيع، لم يكن جو بايدن العملاق الذي عرفناه في 2010، ولم يكن جو بايدن 2020، لقد كان هو نفس جو بايدن الذي رأيناه على منصة المناظرة".
ولجورج كلوني، وهو صديق مقرب لأوباما وأسرته، ولبايدن أيضاً، أهمية كبير في الحزب الديمقراطي ليس فقط لنجوميته ولكن لكونه أحد أبرز جامعي التبرعات في الحزب، وكونه على صلة وثيقة بكبار المتبرعين، ما يمنح حديثه ثقلاً يفوق بكثير وجهات نظره الفردية، إذ يعد مؤشراً على وجهات نظر قيادات بالحزب وكبار المتبرعين.
وعزز هذه النظرية، ما كشفته مجلة "بوليتيكو" الأميركية من أن كلوني أبلغ أوباما مسبقاً بالمقال الذي تضمن الإشارة لحفل جمع التبرعات الذي حضره أوباما والنجمة جوليا روبرتس، وأن أوباما لم يعترض على نشر كلوني للمقال.
وفيما قالت المصادر لـ"بوليتيكو"، إن أوباما لم يشجع كلوني أو يقدم له النصح بشأن ما سيكتبه في المقال، إلا أنه لم يبد أي اعتراض.
وأثار غياب أي اعتراض من أوباما، الذي يعد أكبر المدافعين عن بايدن علناً بعد المناظرة، أسئلة كثيرة في واشنطن.
وبعد نشر المقال الأربعاء، وكذلك، ما كشفته "بوليتكو" الخميس، بدأت شبكات تليفزيونية أميركية كبرى في تلقف تلك الأنباء.
وبعد قليل من الغمز واللمز، في برنامج "مورنينج جو" على قناة MSNBC ذات الميل الديمقراطي، بين المذيعة ميكا بريجينسكي وزوجها مقدم البرنامج الأساسي جو سكارابرو وهو جمهوري سابق انتخب لفترة وجيزة عضواً في مجلس النواب، وترك الحزب اعتراضاً على سياسات ترمب، "لنمنح المشاهدين بعض السياقات، حملة بايدن والكثير من الديمقراطيين يعتقدون أن باراك أوباما يعمل وراء الكواليس لإدارة خروج بايدن من السباق الرئاسي".
وقال: "إذا كان بايدن يعلم ذلك فهذا لن يجعله يخرج من السباق بسرعة، في كل مرة يقول ديفيد أكسلرود شيئاً سيئاً عن بايدن وجماعة الـPOD، وهم قالوا أشياء سيئة عنه قبل وبعد المناظرة، فسيتشبث بايدن بموقفه أكثر".
وتابع: "الطريق إلى خروج بايدن ليس عبر فريق أوباما أو كلينتون، البعض لا يفهم ذلك، أنا لا أتحدث عما يجب أن يحدث ولكن عن ما هو الوضع الحالي".