بعدما حصدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، العدد الكافي من أصوات مندوبي الحزب الديمقراطي، اللازم لخوض انتخابات الرئاسة عن الحزب، وأصبحت في مواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب، تسعى هاريس إلى "إعادة تشكيل السباق الرئاسي بسرعة فائقة"، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".
الصحيفة الأميركية قالت إن "السباق الرئاسي أصبح الآن منافسة قصيرة مدتها نحو 100 يوم، مثل الانتخابات المبكرة التي جرت في أوروبا". وأضافت أن "الإطار الزمني الضيق الذي تتحرك فيه هاريس، سيضخم تأثير أي أخطاء قد ترتكبها، لكنه أيضاً يقلل من فرص التعثر".
وفي السباق الذي يمضي فيه ترمب قدماً نحو الفوز، بحسب استطلاعات الرأي، أصبحت هاريس على الفور "العامل المتغير النهائي، الذي يحمل الكثير من المميزات والعيوب في الوقت نفسه"، بحسب "نيويورك تايمز".
وتحرك بايدن بسرعة لدعم هاريس، والتي ستحطم حواجز كثيرة حال فوزها في الانتخابات، إذ ستكون أول أميركية من أصول إفريقية، وأول أميركية من أصول جنوب آسيوية تشغل منصب الرئيس على الإطلاق.
وقالت هاريس، خلال إعلانها حصد العدد الكافي من المندوبين للتشرح، إنها "خلال الأشهر المقبلة، ستسافر إلى جميع أنحاء البلاد للتحدث مع الأميركيين بشأن كل شيء"، كما أعربت عن عزمها "توحيد الحزب والأمة وهزيمة دونالد ترمب في (انتخابات) نوفمبر".
إعادة تشكيل النقاش
نيكي هيلي، المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة قالت، في أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، إن "أول حزب سيستبدل مرشحه الثمانيني سيفوز بالانتخابات الرئاسية، وسيبلغ ترمب عامه الـ80 خلال شغله منصب الرئيس، إذا انتُخب لولاية ثانية".
وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أن "هيلي كانت تحاول طرح الفكرة من أجل نفسها، لكن الأمر ينطبق أيضاً على هاريس، فهي ليست كبيرة في السن، على عكس بايدن البالغ من العمر 81 عاماً، إذ تبلغ من العمر 59 عاماً، ما يبطل مفعول أحد أقوى الاستراتيجيات الهجومية لترمب".
وبعد دقائق من انسحاب بايدن، أثار الديمقراطيون والجمهوريون المناهضون لترمب تساؤلات بشأن "قدرة الرئيس ترمب على الحكم، وهو في الثمانينيات من عمره"، في محاولة "جريئة" لإعادة تشكيل النقاش بشأن العمر الذي ألحق ضرراً كبيراً بالديمقراطيين.
وقالت إيرين ويلسون، نائبة رئيس مكتب هاريس، في مكالمة هاتفية مع مجموعة Win With Black Women، والتي تضم القيادات النسائية من أصول إفريقية، في جميع أنحاء البلاد، إن هاريس"بإمكانها أن تجعل مسألة العمر واللياقة البدنية عبئاً على ترمب".
وتستمر استطلاعات رأي في إظهار عدم شعور الناخبين بقلق شديد إزاء عمر ترمب، الذي يبلغ 78 عاماً. لكن التخلص من هذه المشكلة قد يكون كافياً للديمقراطيين للفوز بالانتخابات، إذا كانوا يواجهون صعوبات شديدة مع ثلاثة أرباع الأميركيين الذين كانوا يعتقدون أن بايدن كبيراً في السن. وكان هذا الرأي سائداً على نطاق واسع، حتى قبل مناظرته أمام ترمب، حسبما ذكرت الصحيفة.
وتوقعت "نيويورك تايمز"، أن تكون "حملة هاريس" الانتخابية أكثر نشاطاً من حملة بايدن، لأن مهامها اليومية ليست بصعوبة الرئيس، ويمكنها أن تجوب البلاد.
تنشيط قاعدة الديمقراطيين
وكانت هاريس دائماً ما تقدم أفضل أداءً سياسياً لها خلال عملها كمدعية عامة، سواء عندما انتقدت بايدن لأول مرة في مناظرة بسبب موقفه بشأن الفصل العنصري في حافلات المدارس العامة، أو كعضو في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، حيث كانت تُعرف باستجواباتها القوية.
وكان من ضمن أبرز التصريحات التي أدلت بها عندما ترشحت للرئاسة هو أنها "في أفضل وضع للنظر في القضية" المرفوعة ضد ترمب. وفي الوقت الحالي، ستتاح لها فرصة القيام بذلك في نفس الدور الذي وجه فيه المدعي العام لنيويورك لترمب 34 تهمة جنائية. ولا يزال أمامه أكثر من محاكمة جنائية.
ويعتقد بعض الأشخاص الذين عملوا مع هاريس، إن هذا الإطار قد يمكنها من الاستفادة من بعض نقاط قوتها، والكشف عن بعض نقاط ضعف ترمب.
وأظهرت استطلاعات رأي أن نسبة كبيرة من الناخبين، يعتقدون أن ترمب ارتكب جرائم، لكنهم ما زالوا يخططون للتصويت لصالحه، بحسب "نيويورك تايمز".
ولم يكن ترمب ومستشاروه يتطلعون إلى إحداث تغييرات كبيرة في سباق الفوز فيه مضمون بكافة المقاييس. وكان الجمهوريون يشعرون بسعادة بالغة بشأن الأحداث التي وقعت خلال العام الجاري عندما اجتمعوا في ميلواكي الأسبوع الماضي؛ إذ رأوا أن ترمب هو المرشح المختار، بعد أيام من نجاته من محاولة اغتيال.
أما الآن، فيتعين على فريق ترمب خوض "سباق مختلف تماماً ضد مرشح مختلف تماماً"، حسبما قالت الصحيفة.
وأضافت "نيويورك تايمز"، أن "هاريس تمتلك القدرة على تنشيط القاعدة الديمقراطية أكثر من بايدن، خاصة في الأوساط الانتخابية التي شعرت بالتهميش.. وعلى عكس أدائه في انتخابات 2020، واجه بايدن صعوبة في الحصول على تأييد الناخبين من أصول إفريقية والشباب".
وفي علامة مبكرة على رغبة الديمقراطيين في التغيير، قدم المانحون تبرعات عبر الإنترنت تتجاوز قيمتها 60 مليون دولار، الأحد.
ترشيح امرأة
وفي الانتخابات التمهيدية لعام 2020، ناقش الناخبون الديمقراطيون لأشهر مسألة من سيكون أقوى مرشح ضد ترمب. وتساءلوا، في كثير من الأحيان علناً، عن فكرة "ترشيح امرأة".
وبعد كل شيء، كان ترمب قد تحدى التوقعات وهزم هيلاري كلينتون في عام 2016، وفي النهاية، اختار الحزب رجلاً أبيض كبير في السن وهو بايدن.
ولجزء كبير من رئاسة ترمب وما بعدها، استفاد الديمقراطيون من فجوة بين الجنسين. فقد صوتت النساء للديمقراطيين بنسبة أكبر من الرجال، الذين فضلوا الجمهوريين، لكن ترمب قد زاد من ميزته بين الرجال في الآونة الأخيرة لدرجة أن فجوة الجنسين أصبحت فجأة في صالح الحزب الجمهوري.
ولدى هاريس فرصة لتغيير ذلك، وقد أثبتت بالفعل أنها أكثر جاذبية بكثير من بايدن في القضية التي يعتقد الديمقراطيون أنها يمكن أن تكسبهم سباق 2024. ونادراً ما كان بايدن يذكر كلمة الإجهاض، كما أن هاريس زارت عيادة للإجهاض.
وتواجه هاريس تحديات أخرى كونها مرشحة من أصول إفريقية وامرأة، في بلد ونظام سياسي يتم فيهما التعامل مع كلتا المجموعتين بمعايير مختلفة. وفي مواجهة ترمب، تواجه خصماً لديه تاريخ في استغلال الصور النمطية لمصلحته الخاصة.
"قوية ولكنها أيضاً مترددة"
وكان بايدن قد اعتمد على مجموعة صغيرة ومنغلقة من المستشارين، وبعضهم قد عمل معه لفترة طويلة تصل إلى 10 سنوات. على العكس من ذلك، فإن نائبة الرئيس هاريس لديها عدد قليل نسبياً من المساعدين الذين عملوا معها لفترة طويلة. وفي بداية فترة عملها كنائبة للرئيس، قامت بتغييرات كبيرة في فريق عملها.
ولدى نائبة الرئيس الأميركي، عدد قليل من المستشارين الذين يعودون إلى أيامها في مجلس الشيوخ، ناهيك عن وقتها كمدعية عامة في كاليفورنيا. وقد انفصلت عن مجموعة من الفريق القيادي في حملتها التمهيدية للانتخابات الرئاسية لعام 2020، والتي كانت تعاني من النزاعات الداخلية.
ويقول أولئك الذين عملوا معها وضدها، إنه عندما تلقي خطاباً كبيراً بشكل متقن أو تقدم تعليقاً لاذعاً في مناظرة أو جلسة استماع في لجنة، فإنها تكون بلا مثيل، ولكنهم يقولون أيضاً إنها أحيانا قد تنغمس في أفكارها الخاصة، وتعود إلى "تعليقات معدة مسبقاً، وترتكب أخطاء مترددة تسببها لنفسها".
وترث هاريس الآن الهيكل التنظيمي الضخم لحملة بايدن، ولديها أكثر من 100 يوم بقليل للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي والرئاسة.