"كأننا.. في القاهرة" للفنان عمر الفيومي.. رحلة في الوجوه والمقاهي

time reading iconدقائق القراءة - 6
إحدى لوحات الفنان عمر الفيومي في معرض "كأننا في القاهرة" - الشرق
إحدى لوحات الفنان عمر الفيومي في معرض "كأننا في القاهرة" - الشرق
القاهرة-علا الساكت

يزيل الفنان المصري عمر الفيومي طبقات الغبار عن قطعة فريدة من مدينة القاهرة التي غيرتها الحداثة، في معرضه "كأننا.. في القاهرة"، الذي يضم 90 لوحة، وتستضيفه قاعة النيل في الزمالك حتى 25 الجاري.

يقدم الفيومي في المعرض الذي تتوزع لوحاته على 3 قاعات، تفاصيل دقيقة ما زالت قائمة بمناطق القاهرة القديمة، بالإضافة إلى عالم المقاهي الشعبية في شارع محمد علي التاريخي، الذي يقطنه الفنان منذ سنوات طويلة.

وُلد الفيومي في قلب القاهرة، عام 1957، وتخرج في قسم الفنون بجامعة حلوان 1981، قبل أن يدرس الفنون في سان بطرس برج بروسيا 1991، ليعود إلى القاهرة ويقيم عشرات المعارض المحلية والدولية.

يقول لـ"الشرق": "وأنا صغير، كنت أسير مع والدي إلى محل الورد الذي يمتلكه في قلب القاهرة الخديوية. كان كل شيء مختلفاً، وبالنسبة لي كانت الجولة في وسط المدينة متعة تشبه فرحة العيد. كان يحكى لي تاريخ الناس والمباني، وبهذه الطريقة أحببت المكان، وحين التحقت بكلية الفنون الجميلة بدأت أرسم المناطق نفسها في القاهرة. وبعد عودتي من روسيا بدأت أشعر أن شوارع المدينة صارت ضيقة".

 فتنة الأطلال

يتصدر الجناح الأيمن من المعرض، الذي يضم الأعمال الأحدث، لوحة تضم مشهداً صامتاً لأحد مباني شارع محمد علي التراثي. لا تحكى اللوحة فتنة الفيومي بمعمار المنطقة فحسب، بل تحدد يوماً لتذوق المدينة على طريقته الخاصة: "يوم الأحد صباحاً، حيث الشارع في إجازة من المحال والزحام". هكذا يقدم الفيومي قاهرته التي تحدث عنها مطولاً في لوحات هذا الجناح.

 يقول: "الحقيقة أنا مفتون بالنسق المعماري في شارع محمد علي، والمنتشر في كل القاهرة الخديوية، كنت أرسمه كثيراً، وأتأمله، وأركب صور البيوت على بعضها البعض في ذاكرتي وأرسمها".

 يصحبنا الفيومي خلال هذا الجناح في رحلة من 5 لوحات متجاورة مؤرخة باسم "عام العزلة"، يحكى فيها عن ظلال العزلة في هذه المنطقة الشعبية التي لا تنفصل فيها غرف المعيشة عن الشارع، حيث تستأثر البنايات القديمة وأطلالها التي تهدمت بعض أجزائها بالألوان الزاهية، بينما تغرق البنايات الحديثة المرتفعة البعيدة في اللون الرمادي، يربطها جميعاً ثيمات أساسية كرقعة الشطرنج، التي تظهر في لوحاته بصورة جلية في مواضع عدة.

 يرثي الفيومي الحي التراثي الذي جارت عليه الحداثة، قائلاً: "أتأمل الناس وهم يهدمون جزءاً من هذه البيوت القديمة ثم يزرعون عمارات إسمنتية شاهقة، لتتحول بنايات مناطق الحلمية القديمة والقلعة إلى شكل منفر. فالناس تفكر في المصلحة المادية القريبة، ولا تهتم بالمنظر الجمالي العام. لا شيء يبقى على حاله، وهذه طبيعة الحياة، أن تتغير المدينة من جيل إلى جيل، لكن وتيرة تغير القاهرة صارت أسرع، وأرى أنه يعكس حالة من غياب ثقافة الجمال، مقابل ثقافة الربح السريع".

 بين "الحارات" ووسط البلد

يظهر ولع الفيومي بالمقاهي في لوحاته، فهي بالنسبة له "حياة اجتماعية كاملة بعد العمل، فيها الطعام والشراب، والنقاشات والحكايات والأعمال، ومكان الراحة بعد جولات طويلة في المدينة"، كما تناولها خلال فترة التباعد الاجتماعي، في لوحة غابت عنها التفاصيل الدافئة، بعكس لوحاته عن المقاهي الشعبية، في حارات مصر.

 يرفض الفيومي فكرة "مقاهي النخبة في وسط القاهرة" كما يسميها، ويتجلى ذلك في لوحاته لها التي تتشح بألوان أكثر قتامة وأبطالها ينقسمون بين شخصيات مضيئة ملائكية ممسكة بالكتب أو منهمكين في الحزن، وآخرين متأنقين لكن فوق رؤوسهم قرون، في إشارة واضحة لعدم رضاه عنها. ويوضح قائلاً: "للأسف، ليس لدينا نخبة، يصعب أن تجد من يفهم ويدرك ويملك إرادة التغيير".

"وجوه الفيوم"

في معرضه، يقدم الفيومي مجموعة كبيرة من البورتريهات تتراوح بين القطع الصغير إلى اللوحات الكبيرة، تُظهر جلياً تأثره ببورتريهات الفيوم، وهي مجموعة من اللوحات الأثرية المصرية المعروفة باسم "بورتريهات وجوه الفيوم"، والتي اكتشفت في كثير من المقابر في وسط وصعيد مصر وتنتمى إلى حقبة الحكم الروماني.

 يظهر تأثير "بورتيرهات الفيوم" واضحاً في أعماله، خصوصاً حين يرسم النساء الشعبيات، ولكنّ خيطاً رفيعاً من الحداثة يتسرب إليها لدى رسمه للسيدات من الطبقة الأرستقراطية، اللاتي يرتدين اللآلئ في أناقة وبساطة.

 يقول: "كلما رسمت بورتريهاً، تحول من تلقاء نفسه إلى لوحة من وجوه الفيوم، فأنا مفتون بها، وبتطور التقنية التي استخدمت في رسمها. فوجوه الفيوم هي للناس العاديين، إنها لوحات للمصريين في كل العصور ببساطة. كان الواحد منهم يذهب إلى رسام ليرسمه في ريعان شبابه، ويحتفظ باللوحة حتى مماته، ليضعها في مقبرته، لأنه يعتقد أن هذه الرسمة هي سبيل روحه للتعرف إلى جسده".