يظلّ الكتّاب الجزائريون على اختلاف اتجاهاتهم يستهدفون الجوائز العربية إذا كانوا يكتبون بلغة الضاد، أو الفرنسية إذا كانوا يكتبون بلغة موليير. وتكاد لا تخلو القوائم الطويلة والقصيرة من فائز جزائري، في حين يبقى المشهد الأدبي في الجزائر الأفقر عربياً في باب الجوائز الأدبية.
هذا الواقع، الذي لا ينسجم مع حجم الجزائر الثقافي والسياسي والاقتصادي، دفع شيخ الروائيين الجزائريين الراحل الطاهر وطّار، إلى وصف الكُتّاب الجزائريين باليتامى، في إشارة منه إلى بؤس الواقع الثقافي، بالموازاة مع وفرة الإمكانيات.
وتجدر الإشارة هنا إلى جائزة روائية أطلقت باسم الفقيد نفسه، بعد أربع سنوات من رحيله عام 2012، ولم يشفع لها كونها تحمل اسمه، هو الذي كان محرّكاً حقيقياً في السياسة والأدب، فانضمّت إلى قائمة الجوائز المختفية، مباشرة بعد دورتها التأسيسية.
نذكر من بين الجوائز التي لم تصمد في الجزائر لإكراهات كثيرة، أبرزها الإكراه المالي، جائزة "مالك حداد"، وجائزة "مفدي زكريا"، وجائزة "عبد الحميد بن هدوقة"، وكلها تحمل أسماء مؤسسة ومركزية في الأدب الجزائري.
أوّل عربية في الأكاديمية
من هنا شكّل إطلاق جائزة آسيا جبّار عام 2015، إضافة نوعية لقيت استحساناً في الوسط الثقافي في البلاد لاعتبارات موضوعية، منها احتفاؤها باللغات الثلاث التي يكتب بها الجزائريون (العربية والفرنسية والأمازيغية)، على اعتبار أن الفائزين يحظون بمبالغ أكبر مما كان متاحاً حينها، ويتم نشر رواياتهم، وتتألق أسماؤهم.
أضفى اسم الأكاديمية والروائية والمخرجة السينمائية آسيا جبّار ألقاً خاصّاً على الجائزة، فهي أوّل أستاذة جزائرية جامعية، وأوّل كاتبة عربية تفوز عام 2002 بـ"جائزة السلام" التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، وعام 2005 انتخبت عضواً في الأكاديمية الفرنسية، لتصبح أوّل عربية وخامس امرأة تدخل هذا الصرح الأكاديمي الوازن، وتمّ ترشيحها عام 2009 لنيل جائزة نوبل في الأدب.
بدأت الراحلة تكتب وتنشر قبل الاستقلال الوطني، نشرت روايتها الأولى "العطش" عام 1957، أي عندما كان عمرها 21 عاماً، ولم تتوقّف عن الكتابة والإخراج السينمائي والتدريس في الجامعات الجزائرية والغربية، إلى أن رحلت عام 2015.
وكانت المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار التابعة لوزارة الاتصال أعلنت عن الجائزة بعد أسابيع من رحيل الكاتبة البارزة (1936 - 2015)، وانضمّت إليها المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية التابعة لوزارة الثقافة.
فرحة منقوصة
غير أن الجائزة الوليدة لم تسلم دوراتها غير المنتظمة من جدل في الواقع والمواقع، لم يبق على مستوى الدوائر النخبوية، بل تعدّاها إلى روّاد مواقع التواصل.
فمرّة باسم "غياب النزاهة"، ومرّة باسم هيمنة البهرجة في حفلات التوزيع على المضمون الأدبي للجائزة، ومرّة باسم ضآلة القيمة المالية للجائزة بالمقارنة مع قيمتها المعنوية، أو عدم الانسجام في أرضية الجائزة.
يسأل بعض الجزائريين عن مدى وجاهة الاحتفاء برواية مكتوبة بغير إحدى اللغتين الوطنيتين، بل إن البعض شكّك في جدارة ما يُكتب باللغة الأمازيغية بجائزة، وصولاً إلى إدانة خروج بعض الروايات المتوّجة عن المسطرة الأخلاقية، مثلما حدث في دورة عام 2024.
يسأل الروائي والإعلامي محمد علاوة حاجي: "ما الذي أضافته الجائزة إلى المشهد الأدبي الجزائري خلال مسارها المتعثّر، وهل أسهمت في اكتشاف أسماء أدبية أو الترويج لأعمال روائية، أو ترجمتها إلى لغاتٍ غير التي كُتبت بها؟"
يضيف: "لم تفعل أيّاً مِن ذلك. وربما كان بإمكان القائمين على الجائزة أن يضعوا تلك الادّعاءات جانباً، ويكتفوا بوصفها منحة تُقدّم لثلاثة كتّاب كل سنة، ليستعينوا بها على تكاليف العيش، لكن قيمتها المالية لا تنفع حتى لذلك".
سلطة البهرجة
ينتقد صاحب "في رواية أخرى" حفل توزيع الجائزة "الذي يكتظّ بالمدعوّين، كثيرُهم رسميون لا صلةَ لهم بالثقافة والأدب، وقليلُهم كُتّاب، مِن بينهم من وصلت أعمالهم إلى القائمة القصيرة، لكنهم، وعلى خلاف المُتعارَف عليه في جوائز الرواية التي تتضمّن قوائم قصيرة، لم ينالوا مِن المولد غير حضوره".
يعتبر حاجي "أن أكثر ما يلفت الانتباه في الحفل، هو طريقة إعلان الفائزين التي تُذكّرنا بطريقة سحب القرعة. فبدل أن تعلن لجنة التحكيم بنفسها عن الأسماء الفائزة، وتتلو تقريراً مُفصّلاً عن المعايير التي اعتمدتها في اختيار أعمالهم، وتخبرنا بالأسباب التي جعلتها تنتقي ثلاث روايات بعينها من بين 15 رواية وصلت إلى القائمة القصيرة، تُرك إعلان الفائزين وتسليم جوائزهم للإداريين. أما تقرير لجنة التحكيم، وهذه أم الغرائب، فلم يتضمّن إشارةً إلى ذلك".
وأشار إلى بعض ما يوحي باهتزاز معايير التحكيم "مثل رفض القائمين على الجائزة ترشيح روايات جزائرية لمجرد أنها صدرت في نشر مشترك بين دُور نشر جزائرية وعربية، لكنهم يخبروننا اليوم، بنبرة فخر، أنهم استقبلوا روايات لكُتّاب غير جزائريين أصلاً".
إصلاح الجائزة
الكاتبة الجزائرية نعيمة معمري دعت "إلى إصلاح الجائزة، بتحويلها إلى مؤسسة في حد ذاتها؛ يكون من مهامها خلق الظروف التي تحقّق الألق الفعلي للجائزة وللفائزين بها".
وقالت: "شهدنا ست دورات حتى الآن، فهل هناك فائز واحد ساهمت الجائزة في زيادة مبيعات كتبه، مثلما يحصل مع الفائزين بجوائز عربية وغربية منها جائزة الرواية العربية في أبو ظبي، و"غونكور" في فرنسا، أو استطاع أن يتفرّغ للكتابة لأنه بات مستغنياً مالياً. وهل يعقل أن يكون المبلغ الذي يحصل عليه المتوّج بالجائزة الأولى في بلد بترولي أقل من 5 آلاف دولار؟"
أضافت: "لا أعتقد أن الروايات التي تتوّج بجائزة آسيا جبّار تلفت الانتباه إليها بفوزها في حد ذاته، بل بما يثيره روّاد مواقع التواصل من جدل حول ما يرونه مضامين منافية للدين والأخلاق، مثلما حصل لرواية "هوارية" للكاتبة إنعام بيّوض المتوّجة عن فرع الرواية المكتوبة باللغة العربية في الدورة الأخيرة".
جدل طبيعي
قابلت الأكاديمية وعضو لجنة التحكيم آمنة بلعلي هذه الملاحظة بصدر رحب، واعتبرتها "حالة طبيعية وربما ضرورية أعادت النظر في بعض اليقينيات الفكرية والأدبية، التي يُعتقد أن الحديث فيها قد انتهى، وطرحت أسئلة حول هوية الرواية ووظيفتها وعلاقتها بالدين والأخلاق والمجتمع".
وأكدت صاحبة كتاب "المتخيّل في الرواية الجزائرية"، على حق كل شخص "أن يدافع عما يراه الأفضل له ولمجتمعه، وليس صحيحاً الادّعاء بأن النص الأدبي مجرد وثيقة لغوية جمالية فحسب، وليس صحيحاً أيضاً أن الأخلاق بمعزل عن الأدب، إنه خطاب ظاهره الجمال وباطنه فكر وثقافة وقيم ورؤية للعالم".
من جهته يسأل الأكاديمي المختصّ في النقد الروائي محمد الأمين لعلاونة: "هل وجب علينا أن نحاكم جائزة وقعت في بعض النقائص والاختلالات؟ أم أن نحاكم بعض المثقفين الجزائريين على انزوائهم بعيداً عن المشهد الثقافي، وتحوّلهم إلى كائنات افتراضية تمتهن ركوب الموجات؟"
صاحب كتاب "كيمياء الرواية" يقول: "هيمنت مصادرة الرأي، وتحوّل المثقفون من النقاش الثقافي إلى الإرهاب الثقافي، بحسب باسكال بونيفاس في كتابه "المثقفون المغالطون"، وهو ما جعلنا أمام فوضى ثقافية كان مسرحَها، وما يزال "فيسبوك"، الذي تحوّل إلى حلبة صراع يتراشق فيها المثقفون، ويكيلون التهم لبعضهم".
وسأل لماذا يصمتون عندما تختفي جائزة ما، لكنهم يُلهبون مواقع التواصل بالصراخ على جائزة قائمة، عوضاً عن تقديم اقتراحات لترشيدها؟ ويختم: "إن المثقف الحقيقي مرتبط بالبديل لا بالعويل".