يقع متحف الشاي 1112 في مراكش، في مركز المثلث الذهبي للمدينة القديمة، التي بناها المرابطون عام 1070.
هو رياض مراكشي تقليدي، يعود بناؤه إلى القرن الثامن عشر، يجذب إليه السيّاح، والوفود الأجنبية والعربية، وحتى المغربية، على الرغم من افتتاحه منذ وقت قريب في أغسطس 2024.
يحافظ متحف الشاي على استعمال الأعشاب الطبيعية، بعد أن خصّص مزرعة للأعشاب والتوابل، كما يقدّم الحلوى المغربية التراثية.
سبب التسمية 1112
صاحب متحف الشاي هو عبد اللطيف آيت بن عبد الله، وهو مهتمّ بالعمارة التقليدية، وقام بترميم رياضات قديمة كثيرة، وفقاً للمعايير الكلاسيكية، منها الرياض الشهير في المدينة القديمة "دار الشريقة".
أوضح أن "سبب تسمية المتحف بهذا الرقم، هو عثورنا على كتابة 1112 منقوشة على الأسقف، وهو أمر نادر وجوده بحسب خبرتي في ترميم وفحص وتأهيل رياضات تقليدية منذ 35 عاماً، وعليه ارتأينا تسميته متحف الشاي 1112".
وعن فكرة ترميم المبنى وجعله متحفاً للشاي قال: "إن عائلة بنعبد الله، قامت بوضع خطة تأهيل الرياض منذ فترة، واستغرق العمل في الصيانة سنوات كثيرة بسبب سعينا إلى المحافظة على كلاسيكيته ورمزيته، وفقاً لمعايير البناء التقليدية يومذاك".
وأكد "أن كل زاوية هنا، هي من الأصل ذاته"، لافتاً إلى أنه استلهم فكرته من أسفاره إلى اليابان، "إذ رأيت التقدّم التكنولوجي الهائل، ولكن ما يزال اليابانيون يحافظون على الطريقة التقليدية في صناعة وتقديم الشاي، ومن هنا فكّرت بجعل هذا الرياض متحفاً تقليدياً وطنياً للشاي".
ورجّح أن مبنى المتحف "يعود إلى القرن السابع عشر، وربما أقدم من ذلك، نظراً للنقوش والأقواس، وبسبب وجود المبنى في قلب المدينة التاريخية العتيقة".
أوّل متحف للشاي في المغرب
يعدّ المتحف 1112، أوّل متحف للشاي وفقاً للأصول التقليدية المغربية، ويقدّم الشاي بنكهات 12 جهة إدارية مغربية.
فهناك نكهة الصحراء بطعم "العلك"، والزعفران جهة سوس- ماسة، والورد كما في شاي قلعة مكونة، فضلاً عن النعناع والشيبة والخزامى والقرنفل والنافع، أي يجمع طرق تقديم الشاي وطنياً، ثم يقوم بدمجها معاً، وفق خبرة ذوق وطعم.
يقول السيد عبد اللطيف آيت بن عبد الله: "إذا كان الفرنسيون يفتخرون، بأنهم جعلوا العالم يتذوّق ما صنعوه، فنحن هنا في متحف الشاي، نجعل العالم يتذوّق شاي المغرب بأنواعه وأصنافه، وبحسب جهاته الإدارية 12".
يذكر الكاتب والمترجم ومؤلف كتاب "أسوار الأسوار: من ذاكرة مراكش الشعرية"، محمد آيت لعميم، "أن وجود متحف للشاي في مراكش في قلب المدينة القديمة، هو فكرة رائدة، لا تخلو من الحصافة الثقافية والاجتماعية، فالشاي ليس مشروباً فحسب، إنما أصبح تراثاً ثقافياً مغربياً".
الأواني التقليدية
يضمّ بيت الشاي متحفاً يوثّق دخول الشاي وبعض أوانيه التقليدية إلى المغرب من إنجلترا، كالوسائل التقليدية من المجامر والأباريق والمرشّات، وهي مصنوعة في مدينة مانشستر البريطانية عام 1830، جلبها وقتذاك التجّار المغاربة خصيصاً للسلاطين والأغنياء ورجال الدولة، بينما نجد أواني أخرى محلية من عمل الصانع التقليدي الشهير محمد بلعربي.
جمع المتحف كلّ ما يتعلق بالشاي من أدوات تكسير السكر والأباريق، وهي ما تزال تحتفظ برونقها ورشاقتها، إلى أشكال وأنواع السكر التقليدية وأواني الضيافة، ليتسنى تقديم تجربة شاي متكاملة تاريخياً واجتماعياً واحتفالياً، باتجاه متعة مشاركة ثقافة الشاي المغربي في أي مكان في العالم.
شاي وتاريخ وطن
لدى إدارة متحف 1112 خطة لتسييره ثقافياً وفنياً، عن طريق إقامة ندوات ثقافية ومشروعات فنية؛ فهناك معرض للصور الثقافية عن مراكش القديمة، جُمعت بعناية، تُظهر المراحل التاريخية لتطوّر المدينة العتيقة، والأزياء ومظاهر من الحياة الاجتماعية يومذاك: شاي وتاريخ وطن (التاريخ مُصوّراً).
وسعياً لتقديم ثقافة مغربية وطنية شاملة، يقدّم بيت الشاي أطباقاً مغربية صحّية نادرة ومنسية، وفقاً لقواعد الطبخ المغربي التقليدي، ما يوفّر للضيوف رحلة شخصية نحو تراث الطهي والتذوّق.
يستطيع الزوّار شراء أنواع الشاي الإقليمية الوطنية الاثني عشر، كما يوفّر متجر المتحف، فرصة اقتناء إبريق شاي مغربي مصنوع بدقة فنية في مدينة فاس، المعروفة بإتقانها الحرفي، مع شهادة أصالة لكل مادة ونبذة عنها وكيفية استعمالها، فضلاً عن ورشات وتظاهرات لزوّاره حول صناعة الشاي وطرق تقديمه، في استعادة حميمة للتجربة المغربية في منازلهم.
إنسكلوبيديا الشاي
للشاي حضور كبير في الثقافة الإنسانية، ويعد أوّل مشروب شعبي عالمي خيالي وأدبي، جذب إليه الاستعمار وطرق التجارة والحروب، وجرت الاتفاقات والعهود على مائدته، والثقافة العربية ليست بمنأى عن ذلك.
قدّم الباحثان المغربيان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمن الخصاصي، كتاباً إنسكلوبيدياً بعنوان "من الشاي إلى الأتاي، العادة والتاريخ" (1999)، وهو دراسة ثقافية وتاريخية من خلال تحليل نصوص أدبية وشعرية، حول تاريخ دخول الشاي إلى المغرب، وتطوّر عادة شربه وطقوسها، التي كانت سلطانية ومحصورة بالحاشية والوزراء فحسب.
بعدها انتقلت إلى المجتمع المغربي كعادة يومية. يطلق على الشاي راهناً في المغرب، "أتاي" في تواشج مع الكلمة الصينية، حيث أشاعت في اللغات الأخرى عبر الرحلات البحرية والاستعمارية والتجارية.
تجدر الإشارة إلى أن المشرق يحافظ على طريقة خاصة به في صناعة الشاي، باستعمال الهيل والقرفة في اختلاف واضح عن المغرب، الذي هو أقرب إلى الشاي الأخضر.
يسعى بيت الشاي 1112 إلى الحفاظ على فن إعداد الشاي المغربي، والاحتفاء بوصفاته الفريدة، وأدواته وأساليبه، بفضل جهود عائلة آيت بن عبد الله المراكشية، ذات خبرة 35 سنة في صيانة وتأهيل أكثر من 100 رياض تاريخي في مراكش وفاس، التزاماً بالمعايير التقليدية، ودمجاً بالحداثة والعصرية، ومن أجل جمع عشّاق الشاي على طاولة تراثية مغربية أصيلة.
موقع المتحف
يقع المتحف في المثلث الذهبي الذي يشتمل على "القصبة" المرابطية، وهي القصر الحصين الذي استخدمه المرابطون للحكم وإدارة الدولة، وفيه مراكز للإقامة والمرافق الإدارية والعسكرية، فضلاً عن مسجد ابن يوسف ومدرسته، وهو أوّل مسجد في مراكش، وكان مركزاً دينياً وتعليمياً.
أسهم المثلث الذهبي بأسواقه التراثية المتنوّعة وأسواره وخزانة ابن يوسف، وهي أقدم مكتبة للمخطوطات في المدينة، في تحوّل مراكش إلى مركز حضاري وتجاري كبير في العالم الإسلامي، فأصبحت في مركز اهتمام مَنْ حكم المغرب من الموحّدين والسعديين وسواهم.