بعد صراع استمر أكثر من 6 عقود بين المؤسسة الثقافية الرسمية المصرية وقصيدة النثر، استطاعت الأخيرة أن تعلن انتصارها في تلك الحرب الطويلة على يد الشاعر المصري محمد أبوزيد، الذي توّج ديوانه الأخير "جحيم"، بجائزة الدولة التشجيعية في الشعر، ليكون أول ديوان ينتمي لقصيدة النثر يفوز بإحدى جوائز الدولة.
لجنة التحكيم، التي ينتمي جميع أعضاؤها لكتاب ونقاد القصيدة التقليدية، اختاروا ديوان "جحيم" الصادر عن دار روافد بالقاهرة (عام 2019)، وينتمي لقصيدة النثر ليفوز بالجائزة، وهو ما اعتبره أبوزيد ـ الذي تحدث لـ"الشرق" "نصراً آخر"، لافتاً إلى أن اللجنة "انحازت في النهاية للشعر بغض النظر عن شكله".
لا يبدو أبوزيد مهموماً بالانحياز لشكل قصيدة عن الآخر. يقول إن الشعر "هو ما يبحث عنه دائماً، سواء كان في قصيدة أو قطعة أرابيسك في نافذة قديمة، أو سرب حمام يطير في السماء ليشكل لوحة تبدو كأنها قصيدة".
"روح الشعر"
يوضح محمد أبوزيد، أن ديوانه "مدهامتان" الصادر أخيراً عن "دار رواشن" بالإمارات العربية المتحدة، "تتجاور فيه قصيدة النثر إلى جوار القصيدة العمودية إلى جوار القصيدة التفعيلية"، كاشفاً أنه فعل هذا ليؤكد على المغزى الذي يتحدث عنه دائماً "الأهم هو روح الشعر".
ويلفت أبوزيد، إلى أن أهمية القصيدة تكمن في أنها "أغلقت باباً من الصراع الطويل بين المؤسسة الرسمية وشعراء قصيدة النثر بشأن الاعتراف بها"، قائلاً: "منح الجائزة لديواني هو بمثابة تحول تاريخي، يمكن أن يؤرخ به، لأنه بمثابة اعتراف رسمي بقصيدة النثر التي تكتب في مصر منذ عقود طويلة، لكنها ظلت تحارب وتهمش وتستبعد من كل الفعاليات، وفي حين كانت تعقد المؤتمرات التي تحتفي بالقصيدة التقليدية في المجلس الأعلى للثقافة (مؤسسة رسمية)، كان شعراء قصيدة النثر الذين يشعرون بالتهميش يعقدون مؤتمرات بديلة في أماكن أخرى، للإعلان عن وجودهم. أتمنى أن تكون هذه بداية جديدة للجميع، من أجل الشعر، فهو ما يصنع وجودنا أولاً وأخيراً".
لجنة التحكيم قالت في حيثياتها التي منحت الجائزة على أساسها لأبوزيد، إن "الشاعر يتميز برؤية إنسانية رحبة، ونظرة خاصة إلى العالم، كما يمتلك قاموساً شعرياً متميزاً بين مفردات المعاجم القديمة وألفاظ الحياة اليومية، كما يجيد استخدام التقنيات الحديثة في الكتابة من حيث تشكيل الصورة والإيقاع المختلف، والتداخل مع الفنون الأخرى مثل السرد القصصي والسينما والفنون التشكيلية، كما أن لدى الشاعر القدرة على توظيف تقنية المفارقة بمحتوياتها المتنوعة بلا افتعال، بل لرصد متناقصات الواقع الحديث".
الكتابة والسينما
أبوزيد، الذي يبدو مغرماً بالسينما كما يبدو من كتابه "الأرنب خارج القبعة" والذي يتحدث فيه عن العلاقة بين الكتابة والسينما، يقول إنه استفاد من تقنيات السينما في ديوانه "جحيم"، ويوضح: "لم تعد هناك فروق بين أنواع الفنون المختلفة، فيمكنني أن أستفيد في القصيدة الحديثة من السرد والمسرح وفنون الشارع وتقنيات السينما، وهو ما حدث بالفعل في الديوان، إذ تتقاطع عدد من القصائد مع بعض الأفلام الشهيرة لتقديم إسقاطات على إحباطات الإنسان المعاصر".
وعلى الرغم من أن عنوان الديوان هو "جحيم"، إلا أن معظم القصائد تتحدث عن المستقبل، ويوضح محمد أبوزيد ذلك بقوله: "ربما يمكن القول إن المستقبل هو الجحيم الفعلي الذي ينتظرنا، المستقبل هو الجحيم الذي صنعناه بأيدينا، تخيل طفلاً يمنياً أو سورياً وُلد في عام 2010، قبل انفجار ما يسمى "الثورات العربية"، ماذا سيكون مستقبل هذا الطفل، ماذا رأى في حياته خلال هذه السنوات، ماذا نتوقع منه أن يصنع في مستقبله الذي دمر تماماً كما دمرنا حاضره؟".
في قصيدة بعنوان "قصة الحضارة"، ينعي أبوزيد، صاحب رواية "عنكبوت في القلب" الصادرة عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" والتي رشحت للقائمة الطويلة لـ"جائزة الشيخ زايد للكتاب" في عام 2019، الحضارة الإنسانية، ويعلق على ذلك بقوله: "الحضارة التهمتنا، الهوس بالعولمة قضى على ما تبقى من إنسانيتنا، صار العالم قرية صغيرة كما أراد البعض، لكن سكان هذه القرية لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولا يرغبون في ذلك، لذا فإن قصائد الديوان تنعي الإنسانية التي كانت، الإنسانية التي تركتنا معلقين في الفراغ فلا نحن بشراً ولا نحن روبوتات.. وهذا هو جحيمنا الحقيقي".
نبذة عن الشاعر
بدأ محمد أبوزيد إصدار دواوينه الشعرية في عام 2003، بإصدار ديوان "ثقب في الهواء بطول قامتي"، والذي صدر عن هيئة قصور الثقافة"، ثم ديوانه "قوم جلوس حولهم ماء" في عام 2005 عن "دار شرقيات"، ثم ديوان "مديح الغابة" في عام 2006 عن "هيئة الكتاب"، ثم "طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء" عن "دار شرقيات" في عام 2009، ثم ديوان "مدهامتان" عن "شرقيات" في عام 2012، ثم ديوان "مقدمة في الغياب" عن "دار شرقيات" في عام 2013، ثم أخيراً "سوداء وجميلة" عن "شرقيات" في عام 2015.
كما صدرت لمحمد أبوزيد مختارات باللغة الفرنسية بعنوان: "قصيدة الخراب" (عام 2014) عن "دار المنار" في فرنسا، كما صدر له ديوان للأطفال بعنوان: "نعناعة مريم" عن "كتاب قطر الندى للأطفال" (عام 2007)، وكتاب في فن الكتابة والسينما عن دار هنداوي بعنوان "الأرنب خارج القبعة" (عام 2016). كما صدرت له روايتان عام 2010 عن "دار شرقيات" بعنوان: "أثر النبي"، وروايته الأخيرة "عنكبوت في القلب" عام 2019 عن "الهيئة العامة للكتاب".
تجدر الإشارة إلى أن أبوزيد أسس في عام 2007، موقع الكتابة الثقافي ويشغل رئاسة تحريره، وهو أول موقع ثقافي مصري.