
كشفت الكاتبة الهولندية مينيكة شيبر، مؤلفة كتاب "الأرامل"، عن تاريخ طويل من التهميش والوصم والممارسات الظالمة التي واجهتها النساء، اللواتي فقدن أزواجهن، من خلال التنقيب في التاريخ والعادات والتقاليد والممارسات المختلفة للمجتمعات حول العالم.
كلام الكاتبة جاء خلال ندوة أقيمت في قبة الغوري، ضمن فعاليات ملتقى القاهرة الأدبي في دورته السابعة، بعنوان "كيف تنظر كتب التاريخ الثقافي إلى أدوار النساء.. كتاب الأرامل نموذجاً".
أدارت الندوة الباحثة والمترجمة سمية عبد الوهاب، وتناولت خلالها صورة المرأة في نصوص التاريخ الثقافي، ولفتت إلى أن اختيار هذا الموضوع، يأتي بناء على ارتفاع نسبة السيدات مقارنة بالرجال، لأسباب عدّة منها الحروب، إذ يضم العالم حالياً نحو 258 مليون أرملة، وبين كل عشر سيدات، تعيش واحدة منهن في حالة فقر المدقع.
وأوضحت شيبر، التي كانت أول من قدّم أطروحة علمية عن الأدب الأفريقي في هولندا، أن فكرة الكتاب جاءت أثناء عملها على كتاب "إياك والزواج من كبيرة القدمين"، الصادر عام 2004، وتُرجم إلى العديد من اللغات ومن بينها العربية، حيث كانت تجمع الكثير من الأمثال الشعبية المرتبطة بالسيدات من كل أنحاء العالم، وكان منها قسم عن الأرامل، من هنا بدأ يتشكل لديها منظور يتعلق بهذه الشريحة من النساء.
ووجدت شيبر أن "غالبية الأمثال الشعبية مكتوبة من منظور ذكوري، ففي كتالونيا يقولون "الزوجة الميتة أفضل متاع في المنزل"، وفي أوروبا يقولون "موت المرأة تجديد للعرس"، وفي الشيشان "موت زوجتك تجديد لفراشك".
وتخلص الكاتبة إلى أن هذا المنظور يساوي بين المرأة أو الزوجة، وبين ممتلكات الرجل، مثل الجواد أو السلاح، وأن الرجل حينما يجد أن أي من هذه الأشياء لا يؤدي وظيفته كما ينبغي، يتخلص منه ويبحث عن بديل، وهي نفس الطريقة التي يتعامل بها مع المرأة.
وتطرّقت الكاتبة إلى الحركة التي تقوم بها المرأة بوضع يدها على رأسها في حالة الحزن، مشيرة إلى أصولها التاريخية التي تعود إلى بردية آني، من كتاب الموتى الخاص بالفراعنة، وهي تصوّر الزوجة في حالة حداد على زوجها بوضع يدها فوق رأسها، وهي نفس الإشارة التي استخدمتها إيزيس خلال حدادها على أوزوريس في رحلة بحثها عنه.
زيّ الحداد
كما أشارت إلى وجود هوس بطقوس المرأة في الحداد في الثقافات المختلفة؛ فبعض العادات تفرض على المرأة البقاء داخل المنزل لسنة أو أكثر، كما أن الأرملة يجب أن تبكي وتصرخ بصوت مرتفع، كدليل على حبها للزوج الراحل، وهذه العادات تنتشر في أماكن مختلفة من الكرة الأرضية، وليست حكراً على ثقافة معينة.
وترصد شيبر التقاليد التي كانت تفرض أزياء معينة أيضاً على الأرامل كدليل على الحشمة، بالإضافة إلى الالتزام باللون الأسود، وحتى في الثقافة المعاصرة، مشيرة إلى الزي الذي ارتدته جاكلين كيندي، أرملة الرئيس الراحل جون كيندي، وظهورها في صورة شهيرة كنموذج للأرملة الحزينة.
وتحدثت شيبر عما ذكرته في كتابها، عن أن أهمية السيدات في المجتمعات المختلفة، ترتبط مباشرة بوجود رجل في حياتهن، وانتشار السلطة الأبوية والذكورية في المجتمعات خاصة في حالة الأرامل، ومن الصعب في الكثير من المجتمعات أن تترك الأرملة منزل عائلة زوجها، حيث يصبح هذا التصرف مثيراً للريبة، ويصل الأمر في بعض المجتمعات، إلى مطالبة الأرملة باللحاق بزوجها إذا مات.
وتتنوّع وسائل إنهاء حياة الزوجة في هذه المجتمعات، من الإغراق إلى الإحراق أو الطعن أو الخنق. ومع تعدد هذه الوسائل، فإن الهدف هو إنهاء حياة الزوجة بمجرد نهاية حياة الزوج، وترصد أن بعض هذه الممارسات استمر إلى فترات قريبة، حيث لم تلغ الهند رسمياً ثقافة حرق الزوجة مع دفن زوجها إلا عام 1829. وفي بعض المجتمعات، تفضل الزوجة أن تنهي حياتها لأن ذلك سيكون أفضل من الوضع الذي ستجد نفسها فيه، مع كل الحواجز والقيود التي سيفرضها المجتمع عليها.
عادات قاتلة
وذكرت شيبر خلال الندوة، انتشار ظاهرة الزواج من القاصرات في مناطق مختلفة من العالم، وأن تلك الزوجة- الطفلة- تفقد حياتها بشكل عملي عند وفاة الزوج. وفي الهند مثلاً، كان يتم جمع هؤلاء الزوجات الطفلات في مكان مثل الملجأ، ليقضوا فيه حياتهن للأبد، كما أن الأرامل في الهند، تلتزمن بارتداء الزي الأبيض، ويحرّم عليهن المشاركة في أي مهرجان، وهو الأمر الذي بدأ يتغيّر في الفترة الأخيرة بعد تمرّد النساء على هذا الوضع.
وتشير الكاتبة إلى العادات التي تتحكم بالمرأة، مثل ضرورة أن تحرص الأرامل على العفّة، والحذر في التعامل مع الآخرين، حتى لا يمنحن سبباً للارتياب في سلوكهن، وتذكر في الوقت نفسه، أن المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة، لا تتعامل بهذا الهوس مع الأرامل؛ حيث تسمح الشريعة للمرأة بمواصلة حياتها والارتباط بشخص آخر، ولا تحرّم زواجهن مرّة أخرى.