
تضع محافظة شمال الشرقية العُمانية، التي تحلّ ضيف شرف معرض مسقط للكتاب 2025، جزيرة زنجبار ضيف منصّتها الأدبية، من خلال عرض معظم الإصدارات التي تناولت الجزيرة، التي توصف بـ"أندلس أفريقيا"، وأهمها الكتاب الصادر حديثاً "تاريخ زنجبار المصوّر" للمؤلف رياض عبدالله البوسعيدي، وترجمة محمد بن عبدالله الحارثي.
يروي الكاتب بلغة حكائية جذابة، المراحل التاريخية التي عاشتها زنجبار، فهي كانت جزءاً مهماً من سلطنة عُمان، وأتاحت ظروف المؤلف الذي ولد في زنجبار عام 1942 ونشأ فيها، أن يعيش في بيت السلطان خليفة بن حارب، وأمضى في الخمسينيات وقتاً كافياً مع السلطان، مستمعاً إلى حكاياته عن الجزيرة.
ومعلوم أن زنجبار هي عبارة عن أرخبيل من 52 جزيرة، تقع وسط مياه المحيط الهندي، وهي تابعة لتنزانيا شرق أفريقيا، لكنها تتمتع بحكم ذاتي موسع.
وبالعودة إلى ماضي الجزيرة التي تنافس عليها الأوروبيون، بعد أن أدركوا أهمية موقع حوض المحيط الهندي وخيراته، إذ كان معظم التجار الأصليين في الجزيرة، يستقبلون الوافدين الجدد مثل البرتغاليين بالترحاب، والتطلع نحو توسيع تجارتهم، لكن البرتغاليين لم يكونوا مستعدين لمشاركة الثروات المكتشفة مع أحد.
وفي "موسم الرياح" التالي، جاء البرتغاليون على ظهر سفن كبيرة عليها أسلحة نارية، مع عديدهم وعتادهم، لاحتكار التجارة باسم المسيحية وملك البرتغال، واستمر حكمهم بالحديد والنار نحو 200 عام، حتى سنة 1650م.
تجدر الإشارة إلى أن حاكم الشارقة، الشيخ سلطان القاسمي، وقّع مجموعته "البرتغاليون في بحر عُمان" المؤلفة من 21 مجلداً، خلال افتتاح معرض مسقط الخميس.
الإسلام في زنجبار
دخل الإسلام الجزيرة مع أول هجرة عُمانية عربية إلى الساحل الأفريقي، وهناك دراسات تقوله إن دخول الإسلام تمّ بين سنوات 65 و74 هجرية.
يبلغ عدد سكان الجزيرة نحو 1.5 مليون نسمة، ويشكّل المسلمون 98% منهم، يتعايشون مع أقليات مسيحية وهندوسية وسيخ.
هزيمة البرتغال
هزم العرب البرتغاليون بعد أن بنى الإمام سلطان بن سيف اليعربي، إمام عُمان، قوّة كبيرة لمحاربة البرتغاليين، وطردهم من عُمان وحوض المحيط الهندي. ومنذ ذلك الزمن، تحوّل النفوذ العُماني إلى قوة كبيرة أكثر رسوخاً.
بقيت زنجبار محطة مهمّة للتجار العرب، وخصوصاً العُمانيين، ثم الأوروبيين، وأسهم السلاطين في ازدهارها، وإدخال سكة الحديد، والكهرباء، ودور السينما والتعليم.
كما انتقل السيد سعيد بن سلطان من مسقط إلى زنجبار وجعلها عاصمة له، (تُستخدم كلمة سيد في عُمان للإشارة إلى أفراد العائلة المالكة)، قبل أن تفرض بريطانيا حمايتها عليها، ويتدافع الاستعمار على أفريقيا.
يستعرض الكتاب التبادل الثقافي بين العرب والأفارقة والآسيويين في زنجبار، ويستعرض بالصور تشكيلة الأزياء الوطنية، والزيّ الرسمي، وبريق السيوف والخناجر الذهبية، الذي أبهر العالم، إذ وصف أحد الزوّار الأوروبيين زنجبار قائلاً: إن العظمة المذهلة، ونظام بلاط سلطان زنجبار، يضاهي ما نراه في البلاط الملكي في أوروبا، وقصور الدوقات العظماء.
أيادي إسرائيلية في انقلاب 1964
يتحدث الكاتب عن المراحل التي تلت الاستعمار، حتى استقلال زنجبار واندماجها في دولة تنزانيا، بعد ثورة 1964، والتحديات السياسية التي واجهتها الجزيرة في تلك المرحلة.
إذ قام انقلاب عسكري في زنجبار سنة 1964، ضد حكم العرب الذين يمثّلون 21% من سكان تانزانيا حينها، وشاركت المخابرات الإسرائيلية في الانقلاب كما يقول الكاتب يوسي ميلمان في جريدة "هآرتس" في مقال له بتاريخ 7 يوليو 2009، وذكر فيه أسماء عدد من ضباط المخابرات الإسرائيلية المشاركين في الانقلاب، ومنهم دافيد كيمحي، ورؤوفين مرحاف، وناحوم أدموني وآخرين.
تولى عملية الانقلاب جون أوكيلو، بعد أن دخل مرتزقة أوغنديين تابعين له، وركّزوا على قتل العرب، وبدأت المذبحة بقتل 5 آلاف وإحراق جثثهم، ثم نقلهم للمقابر الجماعية، ولدى التلفزيون الإيطالي تسجيلات نادرة للأحداث حتى اليوم.
وبالعودة إلى تاريخها، كانت زنجبار مركزاً مهماً للقوى الغربية بسبب موقعها وثرواتها، وأثارت أطماع بريطانيا وألمانيا، اللتان استفادتا من السلطنة كجسر للسيطرة على شرق أفريقيا.
يستعرض الكاتب، خلاف الأخوين ماجد وبرغش، بعد وفاة والدهما السيد سعيد بن سلطان، ونفي المؤثرين فيهم إلى الهند وغيرهاز وبحلول 1880 بدأ التدافع الفعلي للاستعمار، وبلغ الصراع على أفريقيا ذروته في أواخر القرن التاسع عشر، إذ شكلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا لجنة لتحديد حدود السلطنة، وسلطة السلطان.
عام 1886، نُشرت الاتفاقية المعروفة باسم "معاهدة ترسيم الحدود"، واستولت بموجبها ألمانيا بالتواطؤ مع بريطانيا على البر الرئيسي لزنجبار، تحت التهديد والوعيد، واللعب بأسماء الحكّام والسلاطين.
توّج الاستعمار سيطرته على زنجبار بدكّ مراكز الحكم بالنار، وقتل المئات من المدنيين، الموالين للسيد خالد بن برغش، ونفي الكثيرين ومصادرة ممتلكاتهم. واستمر النفوذ البريطاني في زنجبار حتى تمّ القضاء على مُلك البوسعيد عام 1936، قبل أن يتم دمج زنجبار بدولة تنزانيا بعد انقلاب 1964م.
قصور شاهدة
ومن الآثار الباقية في الجزيرة، قصور شيّدها السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، كقصر بيت الساحل، وقصر المتوني، باعتباره أقدم وأكبر القصور في الجزيرة حينها، فضلاً عن قصر السلطان برغش الفاخر، الذي بناه على أعمدة ضخمة من الحديد، وتحيط به من جهاته الأربع الشرفات المزينة بآيات من القرآن الكريم، مكتوبة بماء الذهب، وكذلك قصر ماروهوبي.