
يتتبع المتحف البريطاني في معرض ضخم بعنوان "الهند القديمة: تقاليد حية"، ينطلق الخميس ويستمر حتى 19 أكتوبر، الجذور المشتركة لثلاث ديانات هندية قديمة نشأت في البلاد، هي الهندوسية والجاينية والبوذية، وانعكاسها على السلطة السياسية والابتكار الفني، فضلاً عن تأثير الاستعمار على أصول القطع الأثرية وأسباب جمعها.
تشرف على المعرض الدكتورة سوشما جانساري، مؤرخة بريطانية هندية، وأمينة قسم جنوب آسيا في المتحف البريطاني في لندن، ومقدّمة بودكاست "بيت العجائب".
يتم ترتيب المنحوتات والتماثيل المعروضة في المتحف جميعها على ارتفاع، يسمح برؤيتها وجهاً لوجه، بهدف إجراء اتصال مباشر بالعين مع المنحوتات، وبحسب جانساري "فإن التحديق في وجه تمثال مقدّس، هو مصدر للراحة والارتباط، وطريقة لطلب المساعدة".
يستقطب المعرض أشخاصاً من مختلف الديانات، لمناقشة تاريخ جمع المقتنيات المعقّد، وكيفية التعامل مع المقدّسة منها. ونتيجة لهذه الحوارات، يتجنب المعرض أي منتجات حيوانية، حيث تمّ التخلي عن الستائر الحريرية، واستخدام الطلاء النباتي، تماشياً مع مبدأ "اللاعنف" تجاه جميع الكائنات الحيّة. كما يناقش المعرض، كيفية التخلص باحترام من القرابين التي قد يقدّمها بعض المهتمين بالديانات.
استخدمت جانساري مجموعة المتحف البريطاني الغنية، إلى جانب أعمال تمّت استعارتها من مومباي ودلهي وأماكن أخرى، لإضفاء لمسة من هذا الجوّ الآسر في لندن. وهي أصرّت "أن تُمثّل هذه الأعمال كتقاليد حيّة"، مع شفافية تامة حول كيفية وصول القطع إلى هناك.
تقول المؤرخة لصحيفة "الغارديان": "كان لا بدّ أن يكون موضوع تاريخ جمع القطع ليس مجرد إضافة، بل جزءاً لا يتجزأ من المعرض. جميعنا اليوم نرغب بمعرفة كيف وصلت هذه القطع إلى هذا المتحف، ودور الاستعمار في ذلك".
جانساري هي مؤلفة كتاب "الهند القديمة: تقاليد حية"، المصوّر بشكلٍ جميل، وتكشف فيه عن الجذور القديمة لصور ورسومات الديانات العالمية. ويُبرز الكتاب كيف كانت الهند القديمة مركزاً ديناميكياً وعالمياً للإبداع. وتمّ تصدير هذه الديانات الرئيسة الثلاث إلى ما وراء شبه القارة الهندية في العصور القديمة، وهي تقاليد حيّة وأعمالها الفنية التعبدية، تؤثر على الحياة اليومية لمليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
يتتبع المعرض تطوّر الصور الدينية منذ عام 200 قبل الميلاد، عندما ركزت على تصوير أرواح الطبيعة، وحتى عام 600 ميلادي، وهو الوقت الذي اتخذت فيه الصور التعبدية للآلهة والمعلمين الجاينيين والبوذيين والهندوس شكلاً نهائياً.
تقول جانساري: "أحد أسباب التداخل الكبير بين التقاليد هو البيئة التي نشأت فيها، فقد عاش صانعو هذه القطع على مقربة شديدة من الطبيعة. إذا تأملنا تاريخ صنع هذه القطع، من القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد فصاعداً، سنجد أن شبه القارة الهندية مجتمع زراعي إلى حد كبير، ومعظم الناس يعيشون في الريف، ويحصلون على طعامهم ومواردهم من الغابات والأراضي".
تضيف: "كانت الطبيعة تلعب دوراً بالغ الأهمية في حياتهم اليومية، فإذا هطلت الأمطار الموسمية، سيكون بإمكانهم تناول الطعام، أما إذا كانت الأمطار غزيرة جداً، وجرفت جميع المحاصيل، فقد يموتون جوعاً".
تضيف: "من أهم الأمور بالنسبة لي أن أُظهر أن هذا ليس غريباً، إنه الآن جزء من تراثنا الثقافي المشترك. هنا في المملكة المتحدة، لدينا أناس من جميع أنحاء العالم يمارسون هذه الديانات، ولدينا هذه المعابد والمباني الدينية المذهلة ذات الطراز التقليدي، وينطبق الأمر نفسه على هذه الصور المقدسة".
وتختم: "تجوّلت حول العالم لآلاف السنين، والآن وصلت إلى هنا، إن فكرة التنقّل والتأثر والتأثير على الآخرين بدورها ليست مفهوماً غريباً أو حديثاً، لطالما فعلنا هذا. وهذا ما أريد أن يتعلمه الناس".