
إذا كانت الصحف والمواقع الإخبارية توثّق الوقائع الكبرى في الحرب، وتحصي أعداد الضحايا، وتعلن التحالفات والتحركات العسكرية، فإن الأدب يوثّق الهامش الإنساني، ويرصد الخسارات الفردية والحياة تحت الأنقاض، كاشفاً عن التفاصيل اليومية للمنكوبين، ووجع الأمهات المكلومين، ومعاناة التشرد والنزوح.
ينسب خطأ للشاعر الفلسطيني محمود درويش كلمات رددتها الفنانة كارول سماحة: "ستنتهي الحرب ويتصافح القادة، وتبقى العجوز تنتظر ولدها الشهيد، والفتاة تنتظر زوجها، والأطفال ينتظرون والدهم".
ورغم نفي مؤسسة درويش صحة هذا الاقتباس، إلا أنه يعبّر عن حقيقة راسخة، فالحروب مهما اختلفت دوافعها، تبقى في مآلاتها متشابهة، دمار، نزوح وفقر، وخسائر في الأرواح والممتلكات، وتحولات في الخرائط الثابتة.
ماذا يقول الأدب عن الحرب؟
الروائي العراقي سنان أنطون يقول في هذا الصدد: "الرواية تمنحنا ما لا تمنحه نشرات الأخبار، إنها تكتب تفاصيل العيش بين القصف، ولحظة فقدان الأحبة، وشروخ النفس التي تبقى لعقود بعد انتهاء المعارك".
"الشرق" رصدت عدداً من الروايات الصادرة في السنوات الأخيرة، وثّقت مآسي الحروب في المنطقة العربية، من خلال سرديات إنسانية لم تكن ضمن حسابات البيانات الرسمية، عبر نشرات الأخبار والصحف.
سوريا والحياة تحت الركام
تناول الروائي السوري سومر شحادة في روايته "الآن بدأت حياتي"، الصادرة عام 2024، خفايا المجتمع والحرب في سوريا، ونالت الرواية جائزتي الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، وجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية.
فيما استدعت الطبيبة والروائية السورية سوسن جميل حسن، من خلال روايتها "وارثة المفاتيح"، الصادرة عام 2024 أحداث سوريا، واضطراباتها السياسية، التي أدّت إلى تحولات اجتماعية دامية، في المجتمع السوري.
العراق وانتقام الموتى
أحمد سعداوي صاحب "فرانكنشتاين في بغداد"، الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية 2014، حاول تجسيد العدالة، من خلال جمع بقايا جثث ضحايا، لقيت حتفها في سلسلة من التفجيرات الإرهابية في العاصمة بغداد، في تفجيرات بغداد 14 سبتمبر 2005، ليصنع نسخته الجديدة من فرانكشتاين، من أشلاء تلك الجثث المتناثرة في شوارع بغداد، ويثأر من قاتليها في مدينة غاب عنها العدل.
أما مواطنه الروائي أزهر جرجيس، فعاد في روايته "وادي الفراشات" إلى حقبة زمنية مؤلمة في العراق، هي زمن الحصار، حيث لامس جرحاً غائراً في وطن تتنازعه الطائفية.

فلسطين تاريخ مكرر
فسلطين المحتلة كانت حاضرة في المشهد أيضاً، من خلال رواية "المسيح الأندلسي"، للكاتب والباحث السوري الفلسطيني تيسير خلف، الذي عكس في روايته واقع نكبات العرب، كما حدث في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان وغيرها.
صدرت الرواية عام 2024 ونافست على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2025، بوصولها إلى القائمة الطويلة.
لبنان بلد الذاكرة الجريحة
من لبنان، تكتب إيمان حميدان في "أغنيات للعتمة" سردية مؤلمة لأربعة أجيال من نساء آل الدالي اللبنانية، المقيمة في الجبل، بينما تحكي في الخلفية السردية، حقباً من ويلات الحروب في لبنان ابتداء من المجاعة الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية المتقاطعة مع حقبة الاستقلال، وصولاً إلى الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
استطاعت الرواية أن تصل إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025.
أما رشيد الضعيف فتوقف عند أحداث انفجار مرفأ بيروت عام 2020، واصفاً في روايته "ما رأت زينة وما لم ترَ"، ما رأته العاملة المنزلية زينة، أثناء عودتها لمنزلها من زحمة السير في الشوارع، واكتظاظ الحياة فيه قبيل وقوع الانفجار، وما رأته من مشاهد مرعبة والهستيريا الفردية والجماعية الاي تلت انفجار المرفأ، كما كانت أيضاً ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025.
الحرب لغة عالمية
لم يقتصر أدب الحروب على الأقلام العربية، بل شاركت فيه أصوات عالمية، من بينها الكاتبة البريطانية كريستي ليفتري، التي كتبت رواية "The Beekeeper of Aleppo" أو "مربو النحل في حلب"، الصادرة عام 2024، وتناولت فيها قصة مربي النحل نوري وزوجته عفراء في حلب، قبل أن تمزّق حياتهما الحرب، ويصبحا لاجئين في أوروبا يعانيان آثارها.
ما تمّ استعراضه آنفاً من روايات تناولت الحروب في السنوات الأخيرة ، لا يعدو أن يكون مجرد نزراّ يسيراً مما كتب عن ساحات الحروب وويلاتها، وهناك العشرات من الأعمال التي تضج بها رفوف المكتبات.
فمنذ إلياذة هوميروس التي خلّدت حرب طروادة، إلى "أنشودة رولان" و"ملحمة بيوولف"، مروراً بكلاسيكيات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الخالدة، مثل "الحرب والسلم"، و"وداعاً للسلاح" وغيرها، بقي الأدب هو الانعكاس الواقعي لكل ما تخلفه الحروب من فظاعات، يتعذّر على البيانات الإخبارية إعلانها.