لينا مرواني.. جذور فلسطينية وتقاطعات الأمومة والإبادة

time reading iconدقائق القراءة - 6
الكاتبة الفلسطينية لينا مرواني - chile.gob.cl
الكاتبة الفلسطينية لينا مرواني - chile.gob.cl
مدريد-هلا نسلي

"هل ننجبُ أطفالاً كي يكونوا شهوداً على الإبادة الجماعية؟" بهذا السؤال الذي تطرحه الكاتبة التشيلية من أصول فلسطينية، لينا مرواني، تضع تجربتها الأدبية في صميم النقاش الثقافي والسياسي والإنساني.

ولدت لينا مرواني في سانتياغو دي تشيلي عام 1970، لأب فلسطيني وأم إيطالية، ما جعل هويتها الثقافية متعددة الأبعاد. تعدّ حالياً من أبرز الأصوات الأدبية في أميركا اللاتينية، وتجمع في أعمالها بين الرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والمقالة. تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 12 لغة.

تنتمي مرواني إلى جالية فلسطينية في تشيلي تعدّ الأكبر في أميركا اللاتينية، وظلّت أصولها حاضرة في وعيها الثقافي. برز هذا الوعي بوضوح في كتابها "الثمرة المتعفّنة" (2000)، حيث تتناول مسيرة الفلسطينيين في أميركا اللاتينية، وتعد من أهم أعمالها المبكرة. 

كذلك كتابها "أن تعودي فلسطين" (2003)، وثّقت فيه رحلة العودة إلى الجذور الأولى. ثم جاء بعده "فلسطين في أشلاء" (2006)، ورصدت فيه وجوهاً متعدّدة للذاكرة الفلسطينية الممزّقة بفعل الاحتلال والمنفى. تؤكد هذه الأعمال أن الأدب، بالنسبة لها، لا ينفصل عن السياسة، وأنه يمتدّ وصولاً إلى الهوية والنضال الثقافي.

فازت روايتها "مقبرة قزحية للروح" (2012)، بجائزة "سور خوانا إينيس دي لا كروز" المرموقة. ومن بين أعمالها الأخرى البارزة "ضد الأطفال" (2018). حصلت على جوائز عدة من بينها وسام الثقافة والعلوم والفنون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2022، وجائزة "خوسيه دونوسو" الأيبيرية الأميركية للأدب عام 2023.

ترى مرواني أن إنجاب الأطفال وسط عالم يواصل إنتاج العنف والتهجير، يعني إدخالهم قسراً في دائرة الشهادة على المأساة، في إشارة واضحة إلى الإبادة الجماعية الحاصلة في غزة. 

من هنا تتحوّل الأمومة في أعمال الكاتبة إلى قضية ثقافية وسياسية، تتقاطع فيها القضية الفلسطينية مع التجربة التشيلية، ويصبح الأدب وسيلة لطرح سؤال أخلاقي وجماعي عن الحياة والحرية والمستقبل.

الأمومة والضغوط الاجتماعية 

في آخر مقابلة أجرتها الكاتبة مع وكالة الأنباء الإسبانية في أغسطس، أشارت إلى "الإنذار المتزايد" الذي يمثّله انخفاض معدلات الولادة في تشيلي، وأعادت ربط هذا الانخفاض "بسياق عالمي أوسع، حيث تسعى بعض الحكومات إلى تعزيز النسل عبر خطاب محافظ و"بنّاء"، كما في الولايات المتحدة في عهد ترمب، أو حتى في تشيلي، في محاولة لإقناع الشباب بإنجاب الأطفال". 

في مقابل ذلك، تطرح الكاتبة سؤالاً أساسياً: هل يجدر بنا إدخال الأطفال إلى عالم يشهد الإبادة والقتل الجماعي؟ هذا التساؤل يعكس جوهر كتابها "ضد الأبناء" (2014)، الذي انتقدت فيه الضغوط الاجتماعية والثقافية المفروضة على النساء لإنجاب الأطفال، محذرة من عودة نموذج اجتماعي محافظ يسعى لإعادتهن إلى الدور التقليدي في المنزل. تقول: "كل امرأة ترغب في الإنجاب يجب أن يكون لها الحق في ذلك. السؤال هو: لماذا يجب على امرأة لا ترغب في الإنجاب أن تُجبر على ذلك؟".

من الراوية إلى خشبة المسرح

حوّلت مرواني كتابها "ضد الأنباء" إلى مسرحية بعنوان "ذلك الشيء الحيواني"، استعادت فيها الأمومة كأداة سياسية وثقافية، وعرضت من خلال شخصيات ثلاثة إخوة محاصرين في منزل طفولتهم، يتناقشون حول مسألة الإنجاب، لتجعل من السؤال عن الأمومة محوراً للنقاش الأخلاقي والسياسي.

بالنسبة للكاتبة، الأسباب التي تدفع النساء للتردد في الإنجاب تتجاوز الاقتصاد أو المعيشة، لتشمل العمل الهش، والتمييز، والأزمة المناخية، والحروب، والإبادة. وخصوصاً فيما يخص فلسطين، ترى الكاتبة أن العالم لم يُجب بصراحة عن مسألة الإبادة المستمرة، التي "إعلانها واضح، ومرئي، ومفتعل على وسائل التواصل، لكنها متواصلة منذ زمن بعيد"، مشيرة إلى أحداث غزة وما خلّفته من آلاف الضحايا من النساء والأطفال.

سرديات العنف 

تعكس أعمال مرواني اهتمامها بتصوير أشكال العنف الفردي والاجتماعي والثقافي. فهي ترى في السرد وسيلة لمواجهة المخاوف، فتكتب عن العنف الجنسي، والانتهاكات داخل الأسرة، وأحياناً عن تجليات مأساوية للعنف السياسي، مثل الاحتلال والتهجير في فلسطين. 

تقول الكاتبة: "إن الكتابة عما يثير رعبي الشخصي هي طريقة لتلقيح نفسي ضد الخوف"، مستعينة بالخيال الأدبي لإعادة إنتاج عالم يبدو أقرب إلى الواقع من أي سرد مباشر.

تضيف: "الوعي بهويتي الفلسطينية نشأ تدريجياً، بعد أحداث 11 سبتمبر، حين أدركت وجود "هوية إشكالية" تُحمّلني جزءاً من التمثلات السلبية للآخر الفلسطيني. ومن هذا الوعي، نشأت كتاباتي التي تمزج بين تجربة الذات والواقع التاريخي والجغرافي". 

في هذا الإطار، تحرص مرواني على أن يعي القارئ أن ما تصفه هو ما شاهدته أو شعرته بنفسها، ما يجعل أعمالها توثيقاً أدبياً يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية حول العنف، الهوية، والقدرة على المقاومة الثقافية.

هكذا، منذ عملها الأول وصولاً إلى كتاباتها الراهنة التي تتناول الإبادة والجوع والصراعات المعاصرة، تواصل مرواني استكشاف موضوعات العنف، والأمومة، والهوية، والعدالة الاجتماعية. وفي كل نص، سواء كان رواية، قصة قصيرة، أو مسرحية، تتقاطع التجربة الشخصية مع الواقع التاريخي والسياسي، لتكشف عن طرق العيش في عالم مليء بالاضطهاد، وتطرح أسئلة أخلاقية حول الحرية والمسؤولية الإنسانية.

في كل كتاب جديد، تجعل مرواني من الكتابة مساحة للتأمل والمواجهة، حيث يتحول الأدب إلى أداة للمقاومة الثقافية، والحفاظ على الذاكرة، وفهم الروابط العميقة بين الفرد والمجتمع، بين الذات والجغرافيا، بين الطفولة والمأساة.

تصنيفات

قصص قد تهمك