الصيف في الأدب.. محور القصيدة ومسرح السرد

time reading iconدقائق القراءة - 7
في منطقة القراءة في هيئة المكتبات السعودية بيئة محفّزة للتعرف على أندية القراءة - @MOCLibraries
في منطقة القراءة في هيئة المكتبات السعودية بيئة محفّزة للتعرف على أندية القراءة - @MOCLibraries
الرياض-حسن رحماني

يأتي فصل الصيف في حياة الناس وفي البلدان بصورٍ متباينة، تتشكّل بحسب قربهم من خط الاستواء، ودرجات الحرارة التي تفرض إيقاعها على تفاصيل يومهم.

أما في الأدب، فالصيف يحضر كحالة أيقونية، تتقاطع فيها الشمس الحارقة مع الأحلام، وترتسم الظلال مشهداً جمالياً أكثر من كونها ملاذاً من قسوة الهجير. 

بطل الشعر

ولأن "الشعراء فراشات تموت في الصيف"، كما تقول الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي على لسان زياد الخليل في روايتها ذاكرة الجسد، رصدت "الشرق" بعض ما قاله شعراء كبار من أمثال أحمد شوقي، محمود درويش، غازي القصيبي، وغيرهم ممن جعلوا الصيف مرآة لانفعالاتهم وتقلباتهم العاطفية.

حبيب راحل

يودّع الأديب غازي القصيبي الصيف كما يودع الحبيب الراحل، في مشهد شعري يفيض بالحزن والحنين:

يرتحل الصيف فقومي بنا
نسكب في وداعه دمعتين
يرتحل الصيف، وأبقى أنا
أمشي على الثلج بخفي حنين


ويفتتح أمير الشعراء أحمد شوقي علاقته بالصيف بوصفه ضيفاً عذباً يوقظ الحياة في كل ما حوله، فيقول:

الصيف أقبل بالنسيم العليل
والشمس تسطع في الفضاء الرحب
والزهر يفتح في الحدائق كلها
والطير يشدو في الغصون الرطب

ذاكرة جمعية

فيما يتحوّل الصيف عند الشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى ذاكرة مشتركة مفعمة بالحنين، تجمع أبناء جيله الذين غادرهم ألق الشباب:

هل تذكرون الصيف يا أبناء جيلي
يا كل أزهار الجليل، وكل أيتام الجليل
هل تذكرون الصيف يصعد من أناملها ويفتح كل باب
قالت بنفسجة لجارتها: عطشت، وكان عبد الله يسقيني
فمن أخذ الشباب من الشباب؟

عاد صيف الشام

ويرى سعيد عقل الشاعر اللبناني، في صيف الشام موعداً للحنين وصوتاً للذكريات فيخاطبه: 

يا شام عاد الصيف متئداً، وعاد بي الجناح
صرخ الحنين إليك بي: أقلع، ونادتني الرياح
أصوات أصحابي وعيناها ووعد غدٍ يتاح
كل الذين أحبهم نهبوا رقادي واستراحوا

بستان زاخر

في قصيدة محمد نجيب المراد، يصف صيف سوريا بالبستان الزاخر بتفاصيل ساحرة تبعث على التأمل فيقول:

وإن الصيف في وطني كما شاهدت بستان
يصلّي الصبح في الساحات
أنسام تقيم الليل تتلو سورة الكوثر
وأصوات من النعناع رائحة من النهاوند
لوحات ترى بيديك أو عينيك روعتها
فسبحان الذي صور

الحب والغربة

وجعل الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة، من الصيف موعداً للحب، لكنه لا يخلو من مرارة الغربة. 

وكان الصيف موعدنا
وكانت في عيونك بسمة تجلو
هموم الغربة السوداء
ألا يا حلوة العينين
لو تدرين.. أن الكل يجحدنا
وأن الغربة السوداء قد أدمت سواعدنا
ومر الصيف، مر الصيف، كان الصيف موعدنا

مسرح السرد

وإذا كان الصيف يتموضع في صلب القصيدة، ليصبح صوتها الأوحد، ووجهتها الأثيرة، فإن السرد لا يمنحه هذه المكانة، ولا يختصه بالظهور المباشر في الرواية كعنصر محوري يقود الأحداث، ويعيد توجيه بوصلتها، بل غالباً ما يأتي كمسرح للأحداث، أو كإطار زمني يمتد بمحاذاتها كما هو الحال في عدد من الروايات العالمية والعربية.

موسم الهجرة إلى الشمال

تتجلى ملامح الصيف في البيئة السودانية في هذه الرواية الصادرة عام 1966، عن دور العودة اللبنانية، من خلال قرية تقع على ضفاف النيل، ترتفع فيها درجات الحرارة بين 41 و48 درجة مئوية، تعيش تحت الشمس الحارقة أكثر من 11 ساعة يومياً في معظم شهور السنة، وكأن "الطيب الصالح"، أراد أمن يرمز لصلابة الحياة الريفية وثباتها، مقابل برودة لندن التي عاش فيها بطل الرواية مصطفى سعيد.

اختيرت الرواية كواحدة من أفضل مائة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، وتحوّلت إلى فيلم سينمائي، وتمّت ترجمتها إلى الروسية والإنجليزية والعبرية.

العجوز والبحر

ومن النيل إلى البحر الكاريبي، مسرح الصراع في رواية أرنست همنغواي، "العجوز والبحر" الصادرة فى عام 1952. يؤطّر الكاتب الطقس الحار الأجواء العامة للرواية، ويشكّل المزاج الشخصيات، وخصوصاً بطل الرواية العجوز سانتياغو. وكأن الطقس الحار في الرواية، ليس مجرد إطار، بل عنصر درامي يعكس الصراع بين الإنسان والطبيعة.

تعدّ الرواية إحدى روائع إرنست همنجواي، وهي حازت على جائزة نوبل فى الأدب وجائزة بوليتزر الأميركية، وصنّفت ضمن أفضل 100 عمل أدبي على ممرّ العصور.

جنوب جدة شرق الموسم

أما في رواية "جنوب جدة.. شرق الموسم" للكاتب السعودي عمرو العامري، الصادرة  عن دار الساقي عام 2016، فيسيطر الصيف على الساحل المشبع بالرطوبة والحرارة، الممتد من جنوب المملكة العربية السعودية إلى غربها. تدور أحداث الرواية حول محسن وهجرته من جازان إلى جدة، عبر خمسين عاماً تخللتها الكثير من التحوّلات في البنية الجغرافية والاجتماعية، والآثار المختلفة التي أحدثتها المدنية.

ومن أرياف مصر إلى مقاهي وسط البلد في القاهرة في شهر أغسطس، حيث الحرارة والضجر يشكّلان خلفية للأحداث، هناك لقاء صيفي عابر بين صديقين أو صعلوكين بالفطرة، يعيشان على هامش الحياة.

 يتأمل الاثنان المدينة والناس، كما يصفهما الكاتب المصري محمود عبد الشكور في روايته "ألوان أغسطس"، الصادرة عام 2023 عن دار دون للنشر، وتقع في نحو 95 صفحة. تُعدّ تجربة سردية قصيرة، لكنها غنية بالتأملات والفلسفية، تظهر جانباً آخر من القاهرة.

ما رصدناه هنا ليس سوى بعض من كل، وقليل من كثير، ففضاء الأدب يضجّ بالقصائد والسرديات التي تناولت الصيف. ومن المؤكد أن النتاج الأدبي بأجناسه المتنوّعة تناول مختلف الظواهر في الحياة. لكن يبقى المناخ بفصوله الأربعة حاضراً، يلامس الناس بشكل مباشر، ويتقاطع مع حياتهم بشكل يومي.

تصنيفات

قصص قد تهمك