فاز كل من المغربي علاء حليفي والمصري أحمد فضيض والعراقي مبين الخشاني بـ "جائزة الرافدين للكتاب الأول" في نسختها الثانية التي تكرّم الشاعر والرسام العراقي الراحل فوزي كريم، وذلك عن فئات القصة القصيرة والرواية والشعر.
وقال رئيس لجنة التحكيم فالح رحيم إنه "لم يقع اختلاف في قرار اللجنة عند اختيار الفائز واستحقت مجموعة الكاتب علاء حليفي (مديح الجنون) جائزة القصة القصيرة بجدارة".
وأشار رحيم إلى أن "مديح الجنون" تمتاز بقدرة متأنية على الغوص في شخصياتها المنتخبة من غزارة المشهد الواسع لمدينة الدار البيضاء، ضمن إطار تيمة تنتظم كل القصص في حاضر العزلة والاغتراب الذي تعيشه هذه الشخصيات.
وأضاف: "تقدم هذه المجموعة القصصية لحليفي الحائزة في العام 2020 الجائزة العالمية للعمارة في بنسلفانيا، المدينة والناس بمهارة قصصية ناضجة، وتحرص على الابتكار والانفتاح على آفاق الحداثة السردية والتجريب في تقنيات السرد".
وأشار إلى أن "قصص حليفي فيها استلهام لعوالم الواقعية السحرية والفانتازيا والغرائبية والسخرية من دون أن يتخلى القاص عن تحكمه الواعي بفنّه القصصي وسحر لغته السردية الأخّاذة".
كما "تميزت نصوص هذه المجموعة أيضاً بالتشويق والمفارقة والاستلهامات التاريخية والميثولوجية والتناصية المنفتحة على قضايا كبرى لا تنقطع عن مركز الحدث، وعن الأزمة الفردية للإنسان في تيه عالم يضجّ بالمتناقضات"، بحسب رحيم.
الكتاب المغاربة الشباب
أما الكاتب الشاب علاء حليفي ابن الـ 23 سنة، فأعرب لـ "الشرق"، عن مدى سعادته لنيل جائزة مرموقة كهذه خصوصاً عن كتابه الأول، معتبراً أنه فوز للأدب المغربي خاصة والعربي عامة.
ويرى حليفي أن "الأدب المغربي الشاب يحتاج إلى مزيد من التسويق والانفتاح على المشرق العربي، خصوصاً أن جيلاً جديداً من الكتاب المغاربة يحتاج الى الاهتمام والتشييد وتعريف الجمهور العربي عليه"، معتبراً أن هذا الجيل والأدب المغربي برهن في السنوات الأخيرة قوة صوته وأثبت أنه جدير في الساحة العربية والعالمية".
ولفت إلى أن هذه الجائزة شجّعته وحمّسته ليبدأ في كتابه الثاني الذي يدور أيضاً عن كزابلانكا ولكنه يختلف نوعاً ما عن الأول".
كازابلانكا بين الهندسة والأدب
وبشأن مدى استلهامه في مجموعته القصصية من فن الهندسة المعمارية التي يمتهنها، ليُعمّر شخصياته ويشيّد نصه السردي؟، أجاب: "البطل الرئيسي لمجموعة (مديح الجنون) هو مدينة كازابلانكا، أو المدينة الوحش التي تلتهم أبناءها وأبطالها، وهي المدينة التي ولدتُ ونشأتُ فيها، والحقيقة أنني لا أرى اختلافاً بين العمارة والأدب".
وتابع: "بالنسبة لي، الفنون على اختلافها هي تعبير عن نظرة الفنان أولاً، ثم مُسائلة للمجتمع، ومدينة الدار البيضاء هي دوماً حاضرة سواء في أعمالي الأدبية أو المعمارية".
الحاجة الى التجديد
وشرح حليفي أنه حاول في "مديح الجنون" أن ينأى عن القضايا وأساليب السرد التقليدية، "لأنني أظن أن الأدب في زمننا الحالي في حاجة شديدة إلى التجديد ومسايرة تحولات العالم".
لكن من أين استلهم الشاب اليافع هذه القصص والشخصيات المشبعة بالفانتازيا والغرائبية والتشويق والميثولوجيا؟
أفاد حليفي بأن "مديح الجنون" هو نص يصف المدينة بأماكنها وأبطالها ومهمشيها، فـ"الدار البيضاء عاصمة عالمية وقد شكلت سنوات عيشي فيها نواة عملي هذا، بكل ما أعيشه من تجارب وتحولات ولقاءات وكذا الأماكن والأحداث اليومية، كل هذا ألهمني لأكتب".
وأشار إلى أن "الكتاب في النهاية هو كتابُ خيالي لكن في أماكن وبوقائع حقيقية، فعنصر الفنتازيا والغرائبية كان مهماً لأنني لا أريد نقل الواقع كما هو، إذ أن الكتابة الواقعية بشكل مفرط أو حتى الكتابة عن الماضي لا تستهويني حقاً".
وأكد أن "قوة الأدب والخيال تكمن في استباقه للواقع الحالي نحو ما هو قادم مستقبلاً".
ولفت حليفي إلى أن "مديح الجنون" كان في البداية مشروع رواية، تحول بعدها إلى مجموعة قصصية، ومن يقرأها سيلمس ذلك، إذ أنها كُتبت بشكل متصل منفصل، حتى بدت نصاً واحداً بشخوص وأحداث مختلفة".
وقال إنه متأثر بفن الرواية أكثر من القصة، "قراءاتي الأولى كشاب كانت لغارسيا ماركيز وبورخيس، بعدها للأميركي بول أوستر أحد أهم رواد أدب ما بعد الحداثة، هناك أيضاً للكاتب اللبناني ربيع جابر، دون أن ننسى (جيل البيت)، وهو حركة أدبية أميركية من أهم روادها آلن غينسبرغ وجاك كيرواك".
"صباح الخير يا يافا"
وفاز بجائزة الرافدين للكتاب الأول عن فئة الرواية، أحمد فضيض من مصر عن روايته "صباح الخير يا يافا" التي اختيرت مِن بين 80 روايةً مِن مختلف البلدان العربية.
وتتناول الرواية محنة عائلة فلسطينية في مدينة يافا المحتلة، "تستحضرُ خصوصيةَ مدينةِ يافا المفتوحةِ على البحرِ بشوارعِها الحديثةِ التي أُعيدت تسميتُها وبمنتدياتِها وأسواقِها ومشاغلِ أهلها وتاريخِها القريبِ والبعيد".
وبحسب لجنة التحكيم تتميز الرواية بخصائص عدة، من بينها "التمكُّن الناضج من حرفة السرد الروائي، والقدرةُ على خلق عالمها القصصي الحيوي الخاص، وصفاءُ لغتها التي ابتعدَت كل البعد عن التزويق اللفظي دون أن تفرط بجمال الأسلوب وتدفقه"، بحسب لجنة التحكيم.
"مخطوف في يد الراحة"
بينما فاز مبين الخشاني من العراق عن فئة الشعر بمجموعته الشعرية "مخطوف من يد الراحة" التي "تبشِّر بميلاد شاعرٍ يستحقُّ الرعايةَ والاهتمام"، بحسب بيان لجنة التحكيم.
وأشارت اللجنة إلى أن الخشاني "أظهر تمكناً عالياً من أدوات فنه الشعري وابتعد عن الحلول المُبسَّطة الجاهزة في خلق عوالمِه الشعرية، وأن المجموعة تتميز بكونها لا تتخلّى عن منطقها الشعري أو تدفُّقها المسترسل مهما تنوعت الهواجس والمخاوف وصعُبت الحقائق التي تطاردها"، مضيفةً أنها "تصدرُ من موقع جيلٍ شابٍ مَأزومٍ وَرِثَ شيخوخةَ أسلافِهِ المعذبّةَ".
يُذكر أن "جائزة الرافدين للكتاب الأول"، تأسست بمبادرة من "دار الرافدين للنشر والتوزيع" و"مؤسسة درج الثقافية" العراقيّتين، وتستهدف الكتّاب الذين لم ينشروا سابقاً، وتنحصر أعمارهم بين 18 و45 عاماً.
وتتوجه الجائزة إلى تشجيع الإبداع العربي وتحفيز المواهب والطاقات الواعدة، إيماناً بدور الأدب في بناء المجتمعات، وتعميق وعي الإنسان والارتقاء به بوصفه قيمة جوهرية.
وتُمنح الجائزة في مجال الشعر والقصة والرواية، المكتوبة باللغة العربيّة، وتشمل مكافأة مالية فضلاً عن نشر العمل الفائز وتوزيعه عربياً.
وضمّت لجنة تحكيم الجائزة في هذه الدورة إلى جانب فالح رحيم، كلاً من الناقدة والمترجمة خالدة حامد تسكام، والقاص زهير كريم والناقد كه يلان سالار من العراق، والشاعر نجوان درويش من فلسطين، والشاعر والمترجم محمد ناصر الدين من لبنان.